استثمار سعودي متنام يكشف مراهنة الرياض على موقع تونس إقليميا

التقاء سياسي ودبلوماسي يمهّد لتعزيز الشراكة بين البلدين.
الجمعة 2023/12/29
شراكة مفيدة للطرفين

يتنامى منسوب الاهتمام السعودي بالموقع القاري والإقليمي لتونس التي تشهد أزمات اقتصادية ومالية، من خلال التوجّه للاستثمار فيها وتمويل حزمة من المشاريع، في ظلّ بروز بوادر استقرار سياسي كرّسته توجهات الرئيس قيس سعيد، ما يمهّد لتوطيد العلاقات الدبلوماسية والتاريخية بين البلدين.

تونس - تتواصل المراهنة السعودية على الاستثمار في تونس عبر توقيع عدد من الاتفاقيات وضخّ الأموال لبناء المشاريع التنموية، في خطوة يرى مراقبون أنها تؤشر على وجود اهتمام كبير من المملكة بالموقع الإستراتيجي لتونس.

وتحمل البادرة السعودية دلالات سياسية ودبلوماسية عميقة، كما أنها تأتي كتتويج لنشاط دبلوماسي متنام في الفترة الأخيرة، خصوصا بعد زيارة الرئيس التونسي قيس سعيد إلى الرياض العام الماضي، مقابل تواتر زيارات البعثات والوفود من السعودية إلى قصر قرطاج.

ويبدو أن السلطات في السعودية فهمت أن أفكار الرئيس سعيد وتوجهاته تنفتح على دول الخليج العربي، حيث غيّر الرجل التوجه السياسي في تونس منذ اعتلائه السلطة وقطع مع منظومة ما بات يعرف في البلاد بـ”العشرية السوداء”، التي همّشت الروابط الدبلوماسية التاريخية مع الرياض، وعليه وجب كسب هذا الحليف الجديد.

وتملك تونس موقعا إستراتيجيا يطل على الضفة الشمالية للبحر المتوسط، فضلا عن كونها نقطة عبور نحو عمق القارة الأفريقية، ويمكن أن تلعب دورا مهما في مستقبل التجارة البينية وتمثّل سوقا استهلاكية، تساعد المستثمرين السعوديين على ترويج منتجاتهم.

رافع الطبيب: السعودية ترى في تونس شريكا نموذجيا في العمق الأفريقي
رافع الطبيب: السعودية ترى في تونس شريكا نموذجيا في العمق الأفريقي

وأعلن وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر إبراهيم الخريف، مساء الأربعاء، أن بنك التصدير والاستيراد السعودي خصص هبة مالية مقدرة بمليار دولار، لتمويل الاستثمار الخاص في تونس ودفعه وتعزيزه.

وجاء ذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك بين الخريف ووزيرة المالية والاقتصاد والتخطيط التونسية سهام نمصية، على هامش اختتام أشغال الدورة الـ11 للجنة التونسية – السعودية المشتركة المنعقدة بالعاصمة تونس، التي استمرت يومين.

وأكّد الخريف أن بنك التصدير والاستيراد “قام بتخصيص محفظة مالية (هبة) مقدرة بمليار دولار ستقدم لتونس لضمان التمويل والتأمين ودفع الاستثمار الخاص”.

ودعا الخريف “المستثمرين الخواص ورجال الأعمال التونسيين إلى زيارة بلاده والتعرف على الفرص الاستثمارية المشتركة وكسب الوقت بعد ضياع سنوات سابقة لم يستفد منها البلدان”.

وشدد على أن “اللقاءات مع الجانب التونسي على امتداد يومين، كانت قيمة جدا في جميع المجالات سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية وسيتم الحرص على مزيد تدعيمها”.

وتولى الوزيران، على هامش اختتام أشغال اللجنة المشتركة، الإشراف على بروتوكول التوقيع الرسمي على 7 مذكرات تفاهم، تشمل العديد من المجالات، على غرار المياه وحماية البيئة والبحث العلمي الزراعي، إلى جانب التعاون الفني والعلمي في مجال الأرصاد الجوية والمناخ والمجال الصناعي ومجالات العمل وقطاع السياحة.

وأشار الخريف إلى أنه “سيتم الحرص على متابعة أعمال ما تم الاتفاق بشأنه في إطار أعمال الدورة الحادية عشرة للجنة التونسية – السعودية المشتركة، وتذليل كل الصعوبات والتحديات المطروحة، وتفعيل المشاريع في المجالات السبع على أرض الواقع”.

والثلاثاء، انطلق اجتماع اللجنة المشتركة بين البلدين في دورتها الحادية عشرة، بإشراف الوزيرة نمصية، ووزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي، وذلك بعد انقطاع اجتماعات اللجنة منذ 2020 إثر جائحة كورونا.

وقال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة التونسية رافع الطبيب إن “السعودية كانت تهتم بتونس منذ زمن بعيد، وتونس كانت تمثّل مجالا مهما للاستثمار لكونها تحترم تعاقداتها مع المملكة”.

وأشار في تصريح لـ”العرب” أن “السلطة السعودية كانت تراقب ما حدث في 25 يوليو 2021 ليس فقط في البعد الاقتصادي ولكن خصوصا في البعد السياسي، وهناك توجه اليوم بتعدد الشركات، وهي ترى في تونس شريكا نموذجيا في العمق الأفريقي في ظلّ الفراغ الكبير الذي تركته فرنسا في دول الساحل والصحراء، وراقبت أيضا ما حصل في علاقة تونس بتركيا وإعلان السلطة النظر في اتفاقيات التجارة التي تربطها بأنقرة، في خطوة للتقليص من النفوذ التركي وتدفق السلع”.

واستطرد قائلا “السعودية تريد أن تبنى علاقات متّزنة وعقلانيّة وأصبحت تبني مصالحها على أسس جيوستراتيجية وليست أيديولوجية”.

 ويرى خبراء أنه من شأن الخطوة السعودية أن تسهم في تحسين وضعية الاقتصاد التونسي المأزوم، كما يمكن أن يفسح الاهتمام بتونس الأبواب أمام أسواق جديدة لمساعدتها، باعتبار أن المملكة دولة مؤثرة ولها شراكة مع الدول البترولية وفي مجال الطاقة وكبرى الشركات الاقتصادية في العالم.

وفي يوليو الماضي، قدمت السعودية، قرضا ميسرا ومنحة لتونس بقيمة 500 مليون دولار، بهدف دعم ميزانيتها في مواجهة الصعوبات المالية والاقتصادية التي تشهدها البلاد.

محمد العربي العياري: السعوديون يرحبون بتحركات قيس سعيّد في المنطقة
محمد العربي العياري: السعوديون يرحبون بتحركات قيس سعيّد في المنطقة

وأفاد الباحث في العلوم السياسية محمد العربي العياري أن “الاقتصاد هو الوجه التجريبي أو العملي المباشر للسياسة، والسعودية تراهن على الموقع الجيوستراتيجي لتونس في ظل التطورات الإقليمية”.

وأكّد لـ”العرب” أن “منظومة الانتقال الديمقراطي للرئيس قيس سعيد وموقفه الرسمي من مجمل القضايا الإقليمية والدولية يؤكدان وجود تقاطع مع السعودية التي انضمت منذ فترة إلى مجموعة بريكس ويهمها أن تحتضن تونس كحليف من خارج تلك المجموعة”.

وأضاف العياري “ضخّ هذه الأموال للاستثمار يأتي بعد تواجد روسيا في تونس من خلال زيارة وزير الخارجية سيرغي لافروف إلى البلاد الأسبوع الماضي، والسعودية تعتبر أن سعيد يمثل استثناء وهو رجل من داخل النظام وغيّر التوجه السياسي منذ اعتلائه السلطة، كما يريد أن يكون صوتا مغايرا، وبالتالي وجب كسب هذا الحليف”.

وأشار إلى أن “العلاقات التونسية – السعودية، متطوّرة جدا، والسعوديون يرحبون بتحركات الرئيس سعيّد في المنطقة، وفُهم من أن سعيّد لا يدير ظهره لدول الخليج العربي، وهذه الإشارات التقطتها الدبلوماسية السعودية”.

وتأتي تونس في المرتبة الـ15 كشريك تجاري للسعودية في المنطقة العربية، بحجم مبادلات تجارية سنوية يصل في المتوسط إلى 310 ملايين دولار، وفق بيانات رسمية.

وفي مارس الماضي أكد وزير التجارة السعودي ماجد القصبي على استعداد بلاده لتعزيز الاستثمار في تونس ودعم المشاريع المشتركة.

وقال آنذاك إن السعودية منفتحة على مختلف المقترحات المقدمة من الجانب التونسي “قصد تطوير التعاون”، مشيرا إلى ضرورة مأسسة التواصل من خلال إحداث فرق عمل مشتركة.

4