تحميل المذيع "شطحات" ضيوفه يثير مخاوف مقدمي البرامج المصرية

الهجمة التي طالت عمرو أديب تتخطاه للنيل من القناة التي أصبحت تثير الجدل.
الأربعاء 2023/12/13
أيهما الهدف

حدد خبراء إعلام منذ فترة طويلة أن مقدم البرنامج مسؤول عن كلام ضيوفه وعليه أن يختار من هم محل ثقة في القضية التي يتم مناقشته فيها عندما يخرج الأمر من نطاق التحليل إلى المعلومة وعليه مراجعته إذا أدلى بما يثير الرأي العام أو يأتي بخبير آخر يتصدى له. وهو أيضا غير مسؤول إذا كان كلام الضيف يخضع لمعايير الرأي فقط، والذي يحتمل الصواب أو الخطأ. وما حدث في أحد البرامج التي يقدمها إعلامي مصري أخيرا يخضع للجانبين معا.

القاهرة - كشفت الهجمة الإعلامية التي تعرض لها الإعلامي المصري عمرو أديب مقدم برنامج “الحكاية” على فضائية “إم. بي. سي- مصر” بسبب إدلاء أحد ضيوفه بمعلومات غير صحيحة تتعلق بالأمن القومي لأيّ درجة يمكن أن يتحمل المذيع المسؤولية تجاه ما يُدلي به ضيوفه من تصريحات، كونه المعني بضبط إيقاع الحلقة التلفزيونية.

وانفجر بركان من الغضب في بعض وسائل الإعلام عقب حلقة أذيعت في برنامج الحكاية عندما استضاف عمرو أديب الباحث المصري سمير غطاس وتحدث عن تنسيق بين مصر وإسرائيل لدخول أصحاب الجنسية المصرية من سكان قطاع غزة.

وبثت التصريحات على أنها معلومات يقينية ومؤكدة، فمثّلت صدمة لدى بعض الأوساط المصرية وأدت إلى غضب واسع، لأن غطاس أوحى للمشاهدين بأن القاهرة عاجزة عن إعادة مواطنيها العالقين في غزة على وقع الاعتداءات الإسرائيلية، وهو أمر نفته وزارة الخارجية عبر ثلاثة بيانات رسمية متواصلة، آخرها، مساء السبت، لتؤكد أن عودة المصريين من غزة، قرار مصري خالص.

وتفاعلت نقابة الإعلاميين في مصر مع الغضب الشعبي والرسمي والإعلامي، وأعلنت أنها تدرس توقيع عقوبات على الإعلامي عمرو أديب، لأنه خالف ميثاق الشرف، في ما انتفضت مواقع وصحف وقنوات عديدة ضده، وأوحت بأنه يروّج لخطاب مشبوه، وجرى تحميل المذيع مسؤولية التصريحات التي أدلي بها ضيفه في البرنامج.

وعقّب الإعلامي عمرو أديب في تدوينات متكررة عبر حسابه الشخصي على منصة إكس مستنكرا الهجمة، وكان استغرابه أشد من التركيز عليه بالنقد الجارح دون أن تتطرق أيّ وسيلة إعلامية أو مسؤول للضيف نفسه.

سامي عبدالعزيز: مسؤولية حديث الضيوف مشتركة بين المذيع وفريق الإعداد
سامي عبدالعزيز: مسؤولية حديث الضيوف مشتركة بين المذيع وفريق الإعداد

وأخذ هذا الموضوع أبعادا سياسية أكثر منها إعلامية، وتداخلا معا بقوة، بحيث يعجز المراقب عن تحديد الخطوط الفاصلة بينهما، لأن الانتقادات المفاجئة التي تعرض لها عمرو أديب تشير إلى أن هناك عملية اغتيال توجه إليه، خاصة بعد أن زاد تطرقه للكثير من القضايا الشائكة في مصر مؤخرا.

ولذلك تركت الواقعة تساؤلات حول مسؤولية مقدم البرنامج عن شطحات ضيوفه، وهل يتحملها وحده أم أنها مشتركة مع الضيف الحاضر في البرنامج، سواء أكان مسؤولا أم خبيرا أو حتى شخصا عاديا، وما هي حدود المذيع وصلاحياته عندما يقوم الضيف بالإدلاء بتصريحات غير دقيقة وتمس قضية حساسة.

وقد يتحمل المذيع الجزء الأكبر من أخطاء ضيوفه في البرنامج، طالما أنهم يدلون بمعلومات ويقدمون تفسيرات لا ترتبط بصميم عملهم، فمن غير المنطقي أن يسمح مقدم البرنامج بأن يكون منبره متورطا في نشر معلومات وإذاعتها دون أن يتأكد منها، وليس من المهنية أن يكتفي بنسبها إلى من قالها من ضيوفه ويبرئ نفسه بأنه لم يأت على لسانه مثل هذا الكلام.

واكتفى عمرو أديب بسماع معلومات غير دقيقة من دون أن يأتي بطرف آخر رسمي يرد بتأكيد المعلومة أو نفيها، وجلس وكأنه مجرد مستمع لما ساقه الضيف، وهو الموقف الذي أُخذ عليه لأنه لم يرد نيابة عن الطرف الغائب (الجهة الرسمية المعنية بالأمر)، باعتبار أن الملف محل النقاش يتعلق بقضية لا تخضع لتفسيرات أو خواطر واهية.

ويقول خبراء إن مسؤولية مقدم البرنامج حول أخطاء ضيوفه تتعلق بمدى خطورة الموضوع محل النقاش، إذ يفترض أن تكون المعلومة موثقة طالما أن الملف له أبعاد سياسية وأمنية، ما يفرض على مقدم البرنامج الاستعانة بضيف يحمل صفة رسمية وليس مجرد محلل أو خبير يدلي بمعلومات على شكل خواطر، ما يورّط المنبر الإعلامي في تهمة ترويج شائعات لأن المعلومة وصلت إلى الجمهور من خلاله كوسيط.

وتزداد مسؤولية البرنامج عن كلام ضيوفه كلما كان المنبر الإعلامي والمذيع يتمتعان بشهرة واسعة، إذ كشفت واقعة عمرو أديب أن الشعبية الإعلامية سلاح ذو حدين، فالمذيع عندما يكون تحت دائرة الضوء عليه التحلي بأقصى درجات المسؤولية وتحرّي الدقة والانتباه إلى حديثه وكلام ضيوفه، ويراعي الحساسية في القضايا التي تشغل الرأي العام.

وأكد سامي عبدالعزيز أستاذ الإذاعة والتلفزيون وعميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة سابقا أن مسؤولية حديث الضيوف مشتركة بين المذيع وفريق الإعداد، ويقع الجزء الأكبر منها على مقدم البرنامج إذا التزم الصمت أمام إدلاء الضيف بمعلومة جدلية، ومن هنا عليه أن يلجأ إلى مسؤول للتأكد من صحتها، لاسيما إذا كانت التصريحات التي وردت في البرنامج لا توجد عليها أدلة كافية ومشكوكا في صدقها.

◙ الغضب من برنامج الحكاية يعني أن المصريين غير راضين عن المحتوى الإعلامي الذي تقدمه بعض القنوات العربية

وأضاف لـ”العرب” أن دور المذيع عندما تقال معلومة غير دقيقة في برنامجه أن يتوقف أمامها ويحقق فيها ليعرف أبعادها، ويضع الضيف في موضع المسؤولية عن كلامه، لا أن يلتزم الصمت، لافتا إلى أن أزمة الإعلام المصري في اعتماده على ما يطلقون على أنفسهم خبراء ومحللين في الحصول على المعلومات، وهذا خطأ جعل هواة وشغوفين بالشهرة يطلقون تصريحات عنترية بلا رقيب.

وما يلفت الانتباه أن إدارة القناة السعودية صمتت على حالة السخط الجماهيري والرسمي ولم تدافع عن مذيعها الأبرز، وهو ما أثار شكوكا مضاعفة حول وجود توجه لدى بعض الدوائر داخل القناة للسير على نفس النهج، ما يحمل مخاطر كبيرة لمصداقيتها ويجعلها في نظر شريحة كبيرة من المصريين متهمة بالإثارة وتبني خطاب يتناقض مع توجهات الدولة المصرية.

وبغض النظر عن هذه القضية، فالهجمة التي طالت الإعلامي عمرو أديب لم تستهدفه كمذيع حظي بثقة كبار المسؤولين في مصر وأجرى مداخلات ومقابلات عدة معهم، فقد يكون الهدف النيل من القناة العربية العاملة في مصر، بعد أن أصبح مضمون بعض برامجها يؤدي إلى جدل سياسي واقتصادي واجتماعي واسع، وتقتحم قضايا مثيرة في توقيتات مختلفة ويتحلى بعض مذيعيها بالمزيد من الإثارة.

ويتفق متابعون للمشهد الإعلامي في مصر على أن الغضب من برنامج الحكاية وربما قناة "إم.بي.سي- مصر" يعني أن المصريين غير راضين عن المحتوى الإعلامي الذي تقدمه بعض القنوات العربية التي تبث إرسالها من القاهرة، خاصة تجاه القضايا التي تتناولها، ما يفقد الأمل في تطور منابر سقطت في فخ تراجع المهنية.

5