تونس تحول الصناديق الاجتماعية إلى مؤسسات ربحية خاضعة للبنك المركزي

تونس - تتجه الحكومة التونسية نحو إصلاح وضعية الصناديق الاجتماعية من خلال العمل على تحويلها إلى مؤسسات مالية تحت إشراف البنك المركزي، مع زيادة نسبة مساهمة الموظفين وأصحاب المؤسسات، في خطوة تهدف إلى الحفاظ على التوازنات المالية وإنقاذها من الإفلاس.
وكثيرا ما تثير وضعية الصناديق الاجتماعية جدلا واسعا في تونس، وظلت ملفا متروكا من قبل الحكومات المتعاقبة التي تلكأت في إصلاحها ومعالجتها بما يتلاءم مع مصالح الفئات الشعبية، وتهاونت الدولة في وضع إستراتيجيات واضحة لتغييرها.
ويقول خبراء المالية إن هذه الصناديق تفتقر إلى تخطيط وبرمجة واضحة من قبل السلطات، ما جعل عجزها يتفاقم، مع انفجار كبير في عدد المتقاعدين والمشتركين.
وأعلن وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي أنه “سيتم خلال سنة 2024 تحويل الصناديق الاجتماعية إلى مؤسسات مالية لضمان توفير مصادر تمويل أخرى، والذي سيكون لمصلحة الموظفين والعاملين في القطاعين العام والخاص”.
وأضاف في رده على تساؤلات النواب، خلال جلسة عامة بالبرلمان لمناقشة ميزانية الوزارة لسنة 2024، أن “تدخلات للضمان الاجتماعي والحيطة الاجتماعية تبلغ جرايات 10640 مليون دينار ( 3417,93 مليون دولار) بمعدل شهري 900 مليون دينار (289,11 مليون دولار)”.
وأشار مالك الزاهي إلى أن “منظومة التصفية الإلكترونية للملفات مكنت من تصفية 97 في المئة من ملفات التقاعد وتقليص مدة صرف الرواتب إلى 30 يوما”.
وقال وزير الشؤون الاجتماعية إن “الوزارة تمكنت خلال المدة الأخيرة وبعد عدة سنوات من خلاص جزء هام من مستحقات صناديق التأمين والمؤسسات الاستشفائية والصيدلية المركزية، كما تمكنت أيضا من خلاص جزء هام من مستحقات 30 مؤسسة استشفائية عمومية ومن مستحقات مسدي الخدمات في القطاع الخاص مما سمح باحترام الآجال التعاقدية، علاوة على تأمين تحويلات مالية هامة للصيدلية المركزية”.
وأكد الزاهي “التوصل إلى تسجيل تراجع في نسب العجز بالنسبة إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مع مواصلة المحافظة على توازنه المالي”، مشددا على أن “هذه المكاسب يجب العمل على تعزيزها من خلال سن قوانين جديدة”.
وبيّن أن “الوزارة تمكنت من تسوية وضعيات جميع منظوريها وبالتالي القضاء على كل مظاهر التشغيل الهش بها”.
وتوجد بتونس ثلاثة صناديق اجتماعية، وهي الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والصندوق الوطني للتأمين على المرض.
وأفاد الخبير الاقتصادي حسن بن جنانة بأن “تحويل الصناديق الاجتماعية إلى مؤسسات مالية يعني أن تصبح خاضعة لإشراف البنك المركزي التونسي عوض وزارة الشؤون الاجتماعية، وتصبح مؤسسة ربحية، لأن الصناديق الاجتماعية الآن مهددة بالإفلاس”.
وقال لـ”العرب”، “تحويلها إلى مؤسسة مالية سيعني بالضرورة الزيادة في نسبة مساهمة العامل وصاحب العمل، قصد أن تحقق هذه المؤسسات توازنها المالي في وقت تتجاوز نسبة عجزها المالي الـ100 مليون دينار (32,12 مليون دولار) والدولة تريد أن تتخلص من هذا العجز”.
وتابع حسن بن جنانة “التصرف الجديد سليم وله كلفة أكثر على المواطن والمشغّل، حيث تبلغ نسبة مساهمة العامل في الصناديق ما بين 16 و22 في المئة، مقابل 10 في المئة لصاحب المؤسسة، والزيادة ستكون ما بين 20 و30 في المئة”.
وخلال ذروة أزمة كورونا الأولى أقرت الحكومة مجموعة من التسهيلات لتخفيف الصعوبات عن الشركات، حيث سمحت بعدم سداد مستحقات الصناديق مما زاد في تأزم وضعها المالي.
وانعكس الركود وتباطؤ النمو في الكثير من القطاعات الإنتاجية، خصوصا وسط ضغوط جائحة كورونا، على وضعيات الصناديق بعد أن باتت ترزح تحت مشكلات مالية مزمنة، إلى درجة أن الأوساط الاقتصادية تتحدث عن دخولها في إفلاس غير معلن.
وقال وزير المالية الأسبق حسين الديماسي إن “تحويل الصناديق إلى مؤسسات مالية يمكن أن يكون حلاّ لتجاوز ذلك الخور الذي أصابها وظلت تحت تصرف شعبوي مقيت، حيث أن المنظومة السابقة ومنذ أكثر من 20 سنة لم يتم التفكير في تحديد نمط جديد لها لأنه لم تكن هناك معادلة بين الموارد والنفقات”.
وأكد لـ”العرب” أنه “منذ التسعينات وهذه الصناديق تسير بطريقة خاطئة”، متسائلا “كيف يمكن تحقيق المعادلة بين النفقات والموارد، حيث لم يتم في السابق النظر في النفقات التي أحدثت خللا كبيرا؟”، مشيرا إلى “ضرورة إعادة النظر في نفقات التقاعد الأساسية”.
وبدأ إصلاح الصناديق الاجتماعية خلال العام 1994، حيث تم اعتماد إصلاحات سريعة عبر زيادة في الاشتراكات وإعادة النظر في الآليات والمعاشات، وخلال العام 1995 تمت مراجعة التشريعات التي تتعلق بالتقاعد المبكر وسنوات العمل في القطاع الخاص.