الضعف في القراءة والكتابة يطارد ثلث الأطفال في مصر

يؤكد أكاديميون مصريون أن الاعتداء اللفظي والجسدي لا يعد أسلوبا ناجعا في معالجة عُسر التعلم عند الأطفال، لأنه يدفع الطفل نحو الانطواء والتفكير في الهروب من المدرسة حتى يتسرب نهائيا. ويلجأ الكثير من الأسر إلى الأسلوب العقابي في علاج صعوبة القراءة والكتابة عند الأطفال في حين أن المشكلة تحتاج إلى حلول تربوية بدلا من السلوكية.
القاهرة - تسبب الإعلان عن إصابة 30 في المئة من الأطفال المصريين بضعف في القراءة والكتابة بصدمة للعديد من الأسر، وأثار تساؤلات حول تداعيات ذلك على اتساع دائرة الأمية عند التلاميذ في المدارس، وما يمكن أن يترتب عليها من زيادة في معدلات التسرب التعليمي لدى الأطفال.
واعترف وزير التربية والتعليم المصري رضا حجازي بأن الحكومة قامت بإجراء إحصاء قومي، واكتشفت أن ثُلث الأطفال دون المستوى في القراءة والكتابة، ولديهم مشكلة تستدعي التحرك السريع للقضاء عليها، لأنها تؤثر على حياة الأطفال وأسرهم.
وقال الوزير خلال فعالية رسمية حول تشخيص الحالة المصرية بشأن عُسر التعلم عند الأطفال إن ضعف القراءة يؤثر على عملية التواصل الفعال للمتعلم مع محيطه الاجتماعي، ويؤثر على اتصاله بمصادر المعرفة واستمراره في عملية التعلم، ومن دون إجادة للقراءة والكتابة يصعب على الطفل استيعاب المواد الدراسية، حيث يفقد حماسه في مواجهة أعباء الحياة.
وحذرت دراسة انتهت إليها الحكومة، بمشاركة مؤسسات وهيئات تعليمية فاعلة، من أن ضعف القراءة والكتابة عند الأطفال يقود إلى مشكلات معقدة، تشمل ضعف ثقة الطلاب بأنفسهم، وعجزهم عن تعزيز الإيجابيات، ولن تكون لديهم قدرة على اتخاذ قراءات صحيحة في حياتهم العملية.
ضعف القراءة والكتابة عند الأطفال يقود إلى مشكلات معقدة تشمل ضعف ثقة الطلاب بأنفسهم وإحساسهم بالعجز
ويشكو الكثير من المعلمين في مصر من زيادة معدلات عُسر التعلم عند الأطفال، على مستوى القراءة والكتابة واستيعاب الدروس، على الرغم من إقرار نظام جديد للتعليم انطلق منذ خمس سنوات، يعتمد على تنمية المهارات وإعمال العقل والفهم والتحليل.
ويرى متخصصون في الشؤون التربوية أن أزمة الكثير من الأسر، وبعض المعلمين، تكمن في تعاملهم مع صعوبة القراءة والكتابة عند الأطفال بأسلوب عقابي بلا إدراك لكون المشكلة تحتاج إلى حلول تربوية بدلا من السلوكية، ولو تم اختزال الحل في الترهيب النفسي والأذى الجسدي للصغار، فإن المشكلة سوف تتفاقم.
ولا تزال الأمية في مصر أزمة متوارثة عبر أجيال طويلة، ويعتقد البعض أن وجود 30 في المئة من الأطفال لديهم صعوبات في القراءة والكتابة عملية طبيعية، طالما أن الحكومات المتعاقبة عجزت عن إيجاد حلول للأمية الأبوية، فهناك حوالي 17 مليون أمّي في البلاد، أغلبهم آباء وأمهات لهم أبناء في المدارس.
وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (جهة حكومية) في وقت سابق أن معدلات الأمية بين الفئة العمرية 60 عاما فأكثر بلغت 53 في المئة، ووصلت في الشريحة الأقل من 40 عاما إلى 7.6 في المئة، وبلغت نسبة الأميين بين الذكور 12.4 في المئة، بينما وصلت بين الإناث إلى 22.8 في المئة.
وقالت نادية محمود، وهي معلمة لغة عربية بإحدى المدارس الحكومية في مصر، إن البيئة التعليمية نفسها لا تشجع على التعلم النشط جراء زيادة معدلات الكثافات الطلابية بشكل كبير، وعدم قدرة المعلمين على التفاعل مع كل الطلاب داخل القاعة الدراسية بشكل مثالي، إذ يصل عدد طلاب الفصل إلى 80 طفلا.
وأضافت لـ”العرب” أن المعلم لا يمكن أن يكون وحده هو محور حل أزمة صعوبات التعلم عند الأطفال، ومن المفترض وجود مشاركة إيجابية ومستمرة من جانب الأسرة لمتابعة الطفل بشكل يومي وتدريبه على مهارات القراءة والكتابة في المنزل، أما ترك المسؤولية كاملة على المدرسة فهذا يزيد الأزمة تعقيدا.

ولدى المعلمة العديد من الأطفال داخل المدرسة يجهلون الحد الأدنى من قواعد القراءة والكتابة، معقبة “مشكلة عُسر التعلم ليست وليدة اللحظة، بل إنها نتيجة طبيعية لتراكمات نتجت عن إهمال من الأسرة، حتى قبل وصول الطفل إلى سن المدرسة، إذ لا بد من تدريبه مبكرا على اكتساب مهارات القراءة والكتابة منذ الصغر”.
وتقتنع بعض الأسر المصرية أن المدرسة هي محور كل شيء مرتبط بتعليم الأبناء، وهناك العديد من الآباء ممّن يهملون متابعة أطفالهم منذ الصغر، ولا يكتشفون الصعوبات التي يعانون منها، نطقا وكتابة، وعندما يصل الطفل إلى مرحلة الالتحاق بالمدرسة تتعاظم المشكلة ويصعب علاجها بسهولة من خلال المعلمين وحدهم.
ويشير خبراء في قطاع التعليم المصري إلى أن التبكير في المعالجة الأسرية لأزمة صعوبة التعلم عند الأطفال هو السبيل الأمثل لعدم ترحيل المشكلة حتى تكبر مع الأبناء، ولا بديل عن قيام الأبوين بوضع تقييم شخصي للطفل منذ الصغر مع تحديد نقاط ضعفه ومهاراته وتشجيعه على القراءة، والكف عن إحباطه ومساعدته على إصلاح أخطائه قبل دخول المدرسة.
وأكد وزير التعليم المصري أنه لا يمكن حل أزمة ضعف القراءة والكتابة عند الأطفال في غياب المشاركة الأسرية التي تبدأ من مرحلة مبكرة، فالمدرسة عليها جزء من المسؤولية، وعلى الأبوين دور فعال من خلال متابعة الطفل في المنزل، ومساعدته لا تعنيفه بشكل يجعله يفقد الثقة بنفسه ويتجه نحو التفكير في التسرب من التعليم.
وأكدت بثينة عبدالرؤوف، وهي أكاديمية في معهد البحوث التربوية بجامعة القاهرة، أن أخطر أسلوب في معالجة عُسر التعلم عند الأطفال هو الاعتداء اللفظي والجسدي، لأنه يكرس المشكلة ويدفع الطفل نحو الانطواء والتفكير في الخلاص من هذا العبء من خلال الهروب من المدرسة بشكل متكرر حتى يتسرب نهائيا.

وأوضحت لـ”العرب” أن التشخيص في الوقت المناسب هو أساس حل مشكلة ضعف القراءة والكتابة عند الصغار، حيث يساعدهم على العلاج بشكل أسرع وبفعالية أفضل، والأهم أن تقوم المدرسة بدورها عبر إيجاد خطط واقعية تتضمن اكتشاف الأطفال منخفضي المستوى، وعدم التركيز فقط على ذويهم من المتفوقين.
وذكرت أنه لا يمكن فصل عُسر التعلم عند الأطفال عن إرهاق المعلم بكثرة الحصص الدراسية، مع استمرار عجز المدرسين في ظل الكثافة العالية للفصول، بشكل قد يدفع المعلم إلى إهمال الطفل ضعيف المستوى وفقدانه الأمل في تحسين مستواه بعدم مراعاته للفوارق الفردية بين التلاميذ وتوفير نشاط لهم، أي أن دور المدرسة أساسي.
وتظل المشكلة أنه أمام الضغوط الاقتصادية والاجتماعية لم يعد الكثير من الآباء في مصر لديهم الصبر والوقت الكافيين، ما يجعلهم لا يركزون على أولادهم دراسيا، ويمضي الأبوان يومهما في العمل وجلب المال، ما ينعكس على إهمال الصغار تعليميا، وتكون النتيجة هي تراكم مشكلة ضعف القراءة والكتابة أمام إصرار المدارس على وجود دور للأسرة.
وتعاني مصر من ارتفاع معدلات التسرب المدرسي بشكل لافت، ما يقود إلى حالة من تغييب الوعي، وهي نتيجة طبيعية لعُسر التعلم، فالطفل يلجأ إلى الهروب جزئيا أو كليا من المدرسة بغرض امتهان حرفة أو إهمال أسري في التربية والمتابعة الدراسية.
وحال استمرت معدلات عُسر التعلم، مع زيادة نسب الأمية الأسرية، فإن ذلك يكرّس الجهل في المجتمع، وتستمر معه العادات السلبية مثل ختان الإناث وإباحة عمالة الأطفال والزواج المبكر، بشكل يغذي تغييب الوعي ويجعل الحكومة عاجزة عن الوصول بالمجتمع إلى مرحلة من التحضر سلوكا وفكرا.