تونس تراهن على دعم المزارعين لإصلاح قطاع الزراعة

تونس - وضعت الحكومة التونسية خطّا تمويليا جديدا من البنك التونسي للتضامن لتمويل المزارعين المُنتجين للزراعات الكبرى، وتمكينهم من قروض مالية، ما يعكس حسب المراقبين، مراهنة السلطات على القطاع الحيوي وخصوصا إنتاج الحبوب الذي يشهد أزمة عالمية.
وتكتسي الزراعات الكبرى وفي مقدمتها قطاع الحبوب المتراجع في السنوات الأخيرة مكانة بالغة في اهتمامات البلدان، في وقت يتزايد فيه الطلب العالمي على الاستهلاك بعد تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية وارتفاع أسعار الحبوب.
ويوجد إجماع في صفوف المزارعين على أن الإجراءات الحكومية من شأنها أن تحفّزهم على الإنتاج في المساحات الزراعية الكبرى، رغم الصعوبات المناخية وارتباط القطاع الوثيق بالأمطار.
وأفاد بيرم حمادة رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة والصيد البحري بمنزل بوزلفة بولاية (محافظة) نابل (شمال شرق)، وعضو المجلس المركزي بالاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري أنه "على الرغم من نقص المحصول بسبب قلة الأمطار فإن الحبوب ستكون متوفرة".
وأوضح في تصريح للموقع الخاص "تونس الرقمية" أن "الدولة تحملت مسؤوليتها وتعاملت مع قطاع الحبوب كقطاع أمن قومي غذائي”، مضيفا أن “الدولة قدمت خطوط تمويل عبر البنك التونسي للتضامن وأشركت فيه خلية الإرشاد الفلاحي.. وكل مزارع سيزرع زراعات كبرى سيكون له خط تمويلي من البنك، وهذا محفز كبير له". وشدّد حمادة على أن "الهدف هو إنتاج نحو 12 مليون قنطار من الحبوب السنة القادمة".
وتقول وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري إن مجموع الأراضي القابلة للزراعة في البلاد يبلغ نحو خمسة ملايين هكتار، لكن لا يستغلّ منها سوى نسبة 24 في المئة.
ويستهلك التونسيون أكثر من 3 ملايين طن من الحبوب سنويا موزعة بصفة متقاربة بين القمح الصلب واللين والشعير. ويرتكز النمط الغذائي التونسي حسب المسح الوطني حول تغذية الأسر بالأساس على الحبوب.
وتشهد تونس أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات تفشي جائحة كورونا وارتفاع كلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية إثر الحرب الروسية - الأوكرانية المستمرة، وتعيش البلاد أوضاعا مالية واقتصادية صعبة جعلتها عاجزة عن تأمين السيولة اللازمة لتغطية حاجياتها من المواد الغذائية والحبوب وغيرها من المواد الضرورية.
وقال مروان الداودي رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة بسليانة (شمال غرب) "هذه مبادرة جديدة من الحكومة لتجاوز المشاكل التي يتخبط فيها القطاع، وفتح خط تمويلي من البنك مع تسهيل الإجراءات البيروقراطية هي أشياء لم تكن موجودة في السابق".
وأكّد لـ"العرب" أنه "في ظلّ ارتفاع أسعار الحبوب في العالم، هناك برنامج من الحكومة لتوفير البذور والأسمدة ومختلف الحاجيات التي يستحقها المزارعون في قطاع يرتبط بوفرة التساقطات (الأمطار)".
وتابع الداودي “هذه الإجراءات ستجعل المزارع يقبل على المزيد من العمل في القطاع، ومنحتنا جرعة من الأكسجين، نظرا إلى أن كلفة الهكتار الواحد من الزراعات الكبرى تبلغ ألف دينار (313.7 دولار) وهو ما يتطلب تدخل الدولة”.
وتشير التقديرات الرسمية إلى أن الزراعة تساهم بنحو 13 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي من أبرز القطاعات الإستراتيجية، حيث تشغل قرابة 13.4 في المئة من القوة العاملة النشيطة بالبلاد، لكنها فقدت بريقها في السنوات الأخيرة نتيجة العديد من العوامل المتداخلة.
وفي أغسطس الماضي خصصت وزارة الفلاحة اعتمادات جمليّة بقيمة 15 مليون دينار (4.85 مليون دولار) لتمويل 3 آلاف قرض موسمي لفائدة صغار المزارعين في قطاع الحبوب.
وجاء ذلك في بلاغ صادر عن الوزارة خلال اجتماع تنسيقي بين وزير الفلاحة عبدالمنعم بلعاتي والمدير العام للبنك التونسي للتضامن خليفة السبوعي في إطار ضمان حسن الاستعداد للمواسم الزراعية وإعطاء دفع خاص لتمويل المشاريع والمؤسسات الصغرى في القطاع الزراعي.
كما تم تخصيص اعتمادات جمليّة بقيمة 5 ملايين دينار (1.62 مليون دولار) لتمويل صغار المزارعين في قطاع التمور، وتمويل 100 مؤسسة ناشئة في مجال التكنولوجيا المعتمدة في القطاع الزراعي عبر إحداث خط تمويل في حدود 2 مليون دينار لدعم المبادرة الخاصة.
واعتبر أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي أن “التمويل هو جزء من مشاكل قطاع الزراعة الهشّ والمرتبط أساسا بالتغيرات المناخية، والصعوبات الكبيرة التي يعاني منها المزارعون هي الارتفاع الكبير في أسعار الحبوب في ظل تراجع قيمة الدينار التونسي، ما يجعل الاستثمار في القطاع غير مربح".
وأضاف لـ"العرب" أن "من شأن هذه الإجراءات أن تساعد المزارعين، لكن القطاع عموما في حاجة إلى رؤية شاملة وإصلاحات هيكلية”، لافتا إلى أن “أكثر من 85 في المئة من المزارعين دون التعليم الابتدائي، وقرابة 90 في المئة من فئة الشيوخ، وهذا ما يستدعي ضرورة تشجيع الشباب على ممارسة هذا النشاط الحيوي".
واستطرد الشكندالي قائلا "لا بدّ من إيجاد حلول جذرية للصعوبات، وأوّلها زيادة إنتاج الأسمدة من الفوسفات المحلي الذي يعتبر من أجود أنواع الفوسفات في العالم".
وتشير دراسات دولية ومحلية إلى أن تونس مهددة بفقدان مواردها الطبيعية، إذ يتوقع أن تواجه نقصا حادا في محاصيل الحبوب بسبب الجفاف بمعدل الثلث من المساحة المزروعة لتبلغ مليون هكتار فقط بحلول 2030.