البوغديري يحاول إحباط مساعي اتحاد الشغل لإعادة شحن المدرسين

منذ اعتمادها لورقة المحاسبة في حسم الصراع مع نقابات التعليم واتخاذ حزمة من الإجراءات تحاول وزارة التربية في تونس النأي بالمدرسين عن الصراع السياسي، الذي كرّسته ممارسات النقابات المنضوية تحت الاتحاد العام التونسي للشغل، الساعي إلى استرجاع دور سياسي مفقود بالمراهنة على قطاع التعليم.
تونس - يسعى وزير التربية التونسي محمد علي البوغديري إلى احباط مساع اتحاد الشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) برزت مؤخرا تعكس محاولات لإعادة شحن المدرسين وكسبهم إلى صفها لضمان استخدامهم في معارك ضد الدولة، بعد خيبة تركهم يواجهون العقوبات الحكومية دون تدخل.
وأكد محمد علي البوغديري حاجة الوزارة إلى المزيد من المعلمين والأساتذة، نافيا نية التقليص من عدد الموظفين في قطاع التربية، وسط تشديد على عدم الزجّ بالمدرسين في الصراع السياسي، وهو ما اعتبره مراقبون خطوة للردّ على تصريحات الأمين العام لاتحاد الشغل نورالدين الطبوبي وتخوفاته بشأن مستقبل التعليم العمومي في البلاد.
وحاولت الأمانة العامة لاتحاد الشغل توظيف الصراع القائم بين نقابات التعليم ووزارة التربية في الفترة الأخيرة، لتحقيق مآرب سياسية واستعادة دور مفقود في المشهد فرضته إجراءات الرئيس قيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو 2021.
وسعت أكبر المنظمات النقابية في تونس إلى التخلّص من انعكاسات الفترة الأخيرة التي يجمع المراقبون فيها على تراجع إشعاعها، خصوصا بعد أن خصصت لها السلطة مجالا ضيّقا للتحرك، يقتصر على ممارسة نشاط اجتماعي ونقابي بعيدا عن المجال السياسي.
ويرى مراقبون أن سياسة المحاسبة التي اعتمدتها وزارة التربية نجحت في التصدي لتمرد نقابات التعليم، بعد أزمة طويلة جعلت التلاميذ والأولياء رهائن بين الطرفين، واتخذ فيها الصراع منحى سياسيا بالوكالة بين الاتحاد والسلطة.
لكن إبعاد النقابات عن الشأن السياسي، أصبح يزعج قيادة الاتحاد، حيث كثيرا ما راهن الطبوبي على لعب دور سياسي مثلما دأب على ذلك مع الحكومات السابقة التي كانت تديرها الأحزاب.
وقال محمد علي البوغديري، الأربعاء، “إن الحكومة متمسكة بالمحافظة على المؤسسات العمومية ولا مجال للتخفيض العشوائي في عدد الموظفين”.
واعتبر خلال افتتاح الندوة الوطنية حول التوقي من العنف والسلوكات المحفوفة بالمخاطر في الوسط المدرسي، أنه “لا مجال للانحناء أمام الضغوط والإملاءات الصادرة عن الدوائر الأجنبية”، في إشارة إلى مطالبة صندوق النقد الدولي بضرورة تجميد الأجور وتخفيض أعداد الموظفين في القطاع العام، إضافة إلى شروط أخرى، مقابل تقديم قرض بنحو 1.9 مليار دولار.
وجاءت تصريحات البوغديري بعد خطاب وصف بالتصعيدي من قبل الطبوبي لحشد نقابات التعليم واستخدامها في الصراع السياسي ضد الحكومة، حيث تحدث الطبوبي عن خضوع الحكومة لشروط صندوق النقد.
التعليم العمومي في تونس يشهد وضعا صعبا بسبب الأزمة المالية التي تمر بها البلاد وعجز الموازنة العامة بالموازاة مع تعزيز التعليم الخاص
ونجحت وزارة التربية، ومن ورائها الحكومة التونسية، في وضع حدّ لأزمة التعليم التي أرّقت التونسيين وخلقت مناخا من التوتر، حيث توصّل البوغديري من خلال قرار عزل مدراء من مهامهم وحجز رواتب عدد من المدرسين رفضوا تسليم أعداد امتحانات التلاميذ، إلى تجاوز الأزمة القائمة مع نقابة التعليم الأساسي في القطاع.
والبوغديري نقابي بارز ومسؤول سابق في الاتحاد حيث يعتبر خصما لدودا للطبوبي وللمكتب التنفيذي الحالي، بعد أن دخل معهم في خلافات بشأن شرعية المؤتمر الوطني الذي عقدته المنظمة العمالية في 2022.
ويعتقد أن تعيينه على رأس وزارة التربية يأتي في خضم الخلافات السياسية بين الطبوبي والرئيس قيس سعيد.
وأفاد المحلل السياسي منذر ثابت بأن “اتحاد الشغل هو نقابة مسيّسة ومأدلجة وله خلفيات وأسس في ذلك، والسلطة السياسية راوحت بين محاولة الاستيعاب والترويض في الأزمة بين وزارة التربية ونقابات التعليم”.
وقال لـ”العرب”، “وزير التربية من رموز الاتحاد، ورئيس الحكومة أحمد الحشاني قد يلتجئ إلى ضرب النقابات متى تجاوزت المربع الموكول لها، لأن الاتحاد يسعى إلى التحشيد”.
وتابع ثابت “اتحاد الشغل بصدد التراجع في مستوى الخزان الشعبي، وإشعاع المنظمة تقلّص حتى في المستوى القطاعي، وهو ما يكشف عن أزمة حقيقية داخل الاتحاد الذي لم ينجح في أن يكون شريكا للرئيس قيس سعيد وأغلق على نفسه مجال التقارب مع السلطة”.
وكان الطبوبي قد اتهم الحكومة في خطابه، خلال افتتاح مؤتمر الجامعة العامة للتعليم الثانوي (نقابة الأساتذة) بمدينة الحمامات جنوب شرق العاصمة تونس، الأسبوع الماضي، بالتنصل من اتفاقياتها السابقة خاصة في ما يتعلق بعدم الاستجابة لاستئناف المفاوضات المتعلقة برفع أجور موظفي الدولة.
وشدد أمين عام الاتحاد على ورقة النقابات التعليمية التي دخلت في صراعات مع الحكومة انتهت بفشل النقابيين في رهن القطاع لمصالح فئوية وصراعات سياسوية بسبب حزم السلطة، لكنه أضر بمصالح المدرسين والتلاميذ في النهاية.
وقال عامر الجريدي، كاتب عام المنظمة التونسية للتربية والأسرة والباحث في سياسات التربية، إن “رفض الوزير لاستغلال المدرّسين في الصراع السياسي يجب أن يكون توجّها إراديا ومجتمعيا للدولة في أفق إصلاح المدرسة المنشود والذي انطلق باستشارة وطنية إلكترونية، ذلك أن المنحى السياسي للعمل النقابي منذ الحقبة الاستعمارية كان دائما من ثوابت النقابة العمالية التونسية”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “نقابات التعليم في علاقة مباشرة مع الصراع السياسي ولا أعتقد أنّ أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل سيسجّل إضافة بإقحام المدرّسين في هذا الصراع”.
ويخشى الاتحاد من غضب نقابات التعليم ضدّه، وذلك بعد إقحامها في صراع سياسي مع وزارة التربية في ما يتعلق بحجب أعداد الامتحانات، حيث لا تريد المنظمة العمالية الأبرز في تونس خسارة ورقة هامة.
ويشهد التعليم العمومي في تونس وضعا صعبا بسبب الأزمة المالية التي تمر بها البلاد وعجز الموازنة العامة بالموازاة مع تعزيز التعليم الخاص.