اتحاد الشغل التونسي يسعى لاحتواء غضب نقابات التعليم بعد توريطها مع الحكومة

تدرك قيادة اتحاد الشغل التونسي جيّدا أن قطاع التعليم ورقة نقابية و”سياسية” مهمة، يمكن الرهان عليها للحفاظ على رمزية المنظمة ومكانتها في المشهد، خصوصا بعد فترة من التهميش والتجاهل من قبل السلطة عقب إجراءات الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو 2021.
تونس - يحاول الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) احتواء غضب نقابات التعليم بعد توريطها مع الحكومة في الفترة الأخيرة على خلفية التصعيد بحجب أعداد الامتحانات والاكتفاء بمتابعة الأزمة دون التدخل المباشر فيها، وهو ما يكشف حسب مراقبين تخوّف المنظمة العمالية من فقدان سيطرتها على ورقة مهمة استخدمتها مرارا في السابق.
وتعد نقابتا التعليم الأساسي والثانوي في تونس من أبرز النقابات التي تراهن عليها المنظمة النقابية لابتزاز الدولة.
وخلّفت الإجراءات التي اتخذتها وزارة التربية ومن ورائها الحكومة ضد المدرسين والمدراء ولم تقدر المنظمة الشغيلة على التصدي لها، استياء وغضبا واضحا لدى المدرسين بعد أن تركت نقابةَ التعليم تصارع وحدها وزارة التربية.
ويقول مراقبون إن قيادة الاتحاد تحاول تغيير أسلوبها في الخطاب بالحديث عن استقلالية النقابات التابعة للاتحاد، في مهادنة نقابية لوزارة التربية خصوصا إثر الزيادة في الأجور، حيث ذكر وزير التربية محمد علي البوغديري مؤخرا أن المعلمين النواب سينتفعون بزيادة في راتبهم الشهري من 750 دينارا (237.61 دولارا) إلى 1250 دينارا (أكثر من 396 دولارا)، بداية من سبتمبر الماضي لمدة 12 شهرا بدلاً من 9 أشهر.
ويبدو أن الاتحاد لا يريد إبعاد النقابات المهمّة التي تنشط تحت إشرافه عن الشأن السياسي، حيث كثيرا ما راهن أمينه العام نورالدين الطبوبي على لعب دور سياسي مثلما دأب على ذلك مع الحكومات السابقة.
وباتت المنظمة الشغيلة ترى، خصوصا بعدما يئست من استرجاع دورها السياسي، في نقابات التعليم الطرف الأقرب إليها، لذلك تراهن على قيمتها وحساسية القطاع باعتبار أن التعليم يختلف عن باقي القطاعات.
وقال نورالدين الطبوبي، أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل، الأحد إنّ “المؤتمر (المؤتمر العادي للجامعة العامة لقطاع التعليم الثانوي) المنعقد يحظى بأهمية قصوى في الساحة الوطنية نظرا لأهمية القاعدة الأستاذية في المجتمع وفي البلاد وفي المركزية النقابية”.
وأضاف الطبوبي في تصريح لإذاعة محلية، على هامش إشرافه على افتتاح أشغال المؤتمر، “أبناء قطاع التعليم الثانوي سيلتقون على قاعدة الاختلاف في الرأي والنقاش ضمن أطر ديمقراطية، القطاع يزخر بالطاقات وتعدد الترشحات هو ظاهرة صحية لذلك نرى أن نجاح المؤتمر سيكون في صياغة المضامين ومخرجات المؤتمر بقطع النظر عن القيادة”.
وأضاف الطبوبي “كلّ مؤتمرات الاتحاد وكل القطاعات تحظى بأهمية لدى السلطة والرأي العام ومن يقول إنّ عين السلطة على مؤتمر جامعة التعليم الثانوي نقول له إن هذا القطاع ينتمي أساسا إلى الاتحاد العام التونسي للشغل ويستمد استقلاليته من استقلالية الاتحاد وأبناء قطاع التعليم الثانوي لا يساومون حول استقلاليتهم”.
وتابع “الحوار الاجتماعي هو علامة فارقة في كلّ ديمقراطيات العالم ولا مجال لضربه في تونس، الاتحاد متمسك بالاتفاقيات الممضاة ويرفض إلغاءها ويعرف جيدا طريق اكتساب حقوقه”.
لكن الخلافات التي تشق المكتب التنفيذي وتوتر علاقته مع السلطة وتمسّكه بلعب دور سياسي، تجعل من الصعب عليه أن يتحكم في النقابات، خاصة في القطاعات المهمة.
ودأبت الحكومات التونسية المتعاقبة منذ 2011 على إعطاء مساحة للتدخل السياسي لاتحاد الشغل ضمن مقاربة تقول إنها تشاركية لتقاسم الأعباء والنتائج. لكن ذلك، حسب مراقبين، جاء نتيجة تخوّف من الثقل الاجتماعي للمنظمة الشغيلة القادرة على تحريك قطاعات واسعة تفرمل العمل الحكومي ما لم تتم الاستجابة لمطالبها أو اقتراحاتها.
وقال الكاتب والمحلل السياسي باسل الترجمان “هذا تصريح جديد للطبوبي غير موفق، وقد يخلف شرخا كبيرا ويعكس حالة من الانفلات التنظيمي، خصوصا بعد الخلاف الكبير بين نقابة التعليم الأساسي والمكتب التنفيذي للاتحاد”.
وأضاف لـ”العرب”، “الطبوبي يريد أن يجد مخرجا مناسبا حتى لا تتفاقم الأزمة مع النقابة، لكنه فشل في إلقاء خطاب مقنع منذ مؤتمر سوسة مرورا بمؤتمر صفاقس، وصولا إلى تصريحه في مارس الماضي، عندما عبّر صراحة عن مساندته للموقوفين على حساب السلطة”.
وتابع الترجمان “النقابات تنتمي إلى خيمة الاتحاد، لكنها لا تلتزم بقرارات الطبوبي والمكتب التنفيذي، والقيادة ألقت المدرسين في الهاوية وفقدت السيطرة على احتواء الأزمة، والآن تريد استعمالهم في صراعاتها السياسية، فضلا عن كونهم يريدون أن تعود الاتصالات بينهم وبين الحكومة”.
واستطاعت الحكومة التونسية أن تضع حدا لأزمة التعليم التي أرّقت التونسيين وخلقت مناخا متوترا؛ حيث تمكنت وزارة التربية عبر الخطوات التي اتخذتها مؤخرا، والقاضية بعزل مدراء من مهامهم وحجز رواتب عدد من المدرسين رفضوا تسليم أعداد امتحانات التلاميذ، من تجاوز الأزمة القائمة مع نقابة التعليم الأساسي في القطاع.
وأفاد وزير التربية الأسبق ناجي جلول بأن “العمل النقابي بقي تقليديا، كما أن نقابات التعليم هي اليد التي يضرب بها الاتحاد ويستعملها كلما توترت الأجواء مع الحكومة”.
وأكّد لـ”العرب” أن “عددا كبيرا من المدرسين اكتشف أن النقابة جزء من الأحزاب، والأزمة الأخيرة هي صراع بالوكالة بين اتحاد الشغل والسلطة”.
ودخل الاتحاد في معركة ليّ ذراع مع السلطة من بوابة رفض قبول الحكومة السابقة التي كانت تقودها نجلاء بودن بشروط يطرحها صندوق النقد الدولي في مفاوضات متعثرة، للموافقة على برنامج تمويل بنحو 1.9 مليار دولار تحتاجها تونس بشدة في مواجهة أزمة مالية طاحنة.