استشارة وطنية حول التعليم في تونس خطوة لإنقاذ القطاع المتدهور

الاستشارة حول إصلاح التعليم ستمتدّ على مدى شهرين بهدف سبر آراء جميع التونسييّن حول رؤيتهم ومقترحاتهم لإصلاح منظومة التعليم في البلاد.
الثلاثاء 2023/09/19
إطلاق الاستشارة يتزامن مع العودة المدرسية

تونس - أعلنت تونس عن إطلاق الاستشارة الوطنية حول إصلاح نظام التربية والتعليم التي دعا إليها الرئيس قيس سعيد لسبر آراء التونسيين حول مقترحاتهم لإصلاح القطاع، وإرساء رؤية شاملة له، تمهيدا لإحداث المجلس الأعلى للتربية والتعليم.

ويعد ملف إصلاح التعليم إحدى أولويات الرئيس التونسي، وقد ركز عليه كثيرا خلال حملته الانتخابية سنة 2019. وتعهد سعيّد في أكثر من مناسبة بأن إرساء مجلس أعلى للتربية والتعليم سيكون من أولوياته حال فوزه بالانتخابات القادمة.

وتجاوز عدد المشاركين في المنصة الإلكترونية المتعلقة بالاستشارة الوطنية حول إصلاح نظام التربية والتعليم 19 ألف مشارك حتى السبت.

وتشمل الاستشارة 5 محاور كبرى وهي “التربية في مرحلة الطفولة المبكرة والإحاطة بالأسرة”، و”برامج التدريس ونظام التقويم والزمن المدرسي”، و”التنسيق بين أنظمة التربية والتكوين المهني والتعليم العالي والتكامل بينها”، و”جودة التدريس والتكنولوجيا الرقمية” و”تكافؤ الفرص والتعلّم مدى الحياة”.

عامر الجريدي: الرئيس سعيّد وضع التعليم في صدارة اهتمامات الدولة
عامر الجريدي: الرئيس سعيّد وضع التعليم في صدارة اهتمامات الدولة

وستمتدّ الاستشارة حول إصلاح التعليم على مدى شهرين بهدف سبر آراء جميع التونسييّن حول رؤيتهم ومقترحاتهم لإصلاح منظومة التعليم في تونس، حسب وزير التربية محمد علي البوغديري.

ويُرجى من الاستشارة إرساء رؤية شاملة لإصلاح نظام التربية والتعليم بمختلف مراحله (تعليم ما قبل سن الدراسة، تعليم أساسي وتعليم ثانوي وتكوين مهني وتعليم عال)، وتهدف إلى التعرف على آراء التلاميذ والطلبة والمتكونين والمدرسين والأولياء وكل المهتمين بالشأن التربوي قصد تحديد التوجهات العامة المستقبلية لتحسين أداء المنظومة التربوية في التربية والتكوين المهني والتعليم العالي، فضلا عن تكريس مبادئ تكافؤ الفرص والتعلم مدى الحياة وتأمين استمرارية تنمية الكفاءات وفتح آفاق أوسع لتشغيل الخرّيجين، وفق تقديم للاستشارة ورد على المنصة الإلكترونية.

ويعاني قطاع التعليم في تونس من أزمة حادة عقب اندلاع ثورة يناير 2011، في ظل تراجع المنظومة التربوية خاصة على مستوى المناهج وبسبب النقص في عدد المدرسين، إضافة إلى تدهور البنية التحتية وتداعيات المطالب النقابية على سير الدروس، ما جعل البلاد تحتل مراكز غير مطمئنة في التصنيفات الدولية للقطاع.

ودعا وزير التربية، الجمعة، إلى “المشاركة المكثفة والفاعلة في الاستشارة والتعبير عن الرأي وتقديم المقترحات البناءة من أجل نظام جديد للتربية والتعليم يضمن مستقبلا أفضل للناشئة ويحقق عزة تونس ومناعة شعبها”.

وقال البوغديري في رسالة توجه بها إلى الأسرة التربوية بمناسبة العودة المدرسية “إن تزامن العودة المدرسية هذه السنة مع موعد انطلاق الاستشارة الوطنية حول إصلاح التربية والتعليم التي أذن بها الرئيس سعيد يضفي عليها المزيد من الخصوصية والتميز”، وفق وكالة الأنباء التونسية الرسمية.

ملف إصلاح التعليم يعد إحدى أولويات الرئيس التونسي، وقد ركز عليه كثيرا خلال حملته الانتخابية سنة 2019

ويؤكّد خبراء التعليم على ضرورة أن يشمل المجلس الأعلى للتربية والتعليم جملة من الآليات والشروط، عبر وضع تصوّر متكامل للقطاع والاهتمام بالتعليم العمومي، فضلا عن حوكمة المنظومة التعليمية وإرساء قواعد علوية القانون، إلى جانب إرساء صبغة تشاركية لتكوين الهيكل الجديد من خلال إشراك مختلف المؤسسات التي لها علاقة بالتعليم مثل منظمات المجتمع المدني وعدد من الوزارات، حتى يكون مجلسا متماسكا حول وزارة التربية يجمع النخب الثقافية والأكاديمية.

وقال عامر الجريدي كاتب عام المنظمة التونسية للتربية والأسرة والباحث في سياسات التعليم، إن “الرئيس سعيّد وضع التعليم في صدارة اهتمامات الدولة، وهذا أمر مهمّ وإيجابي، وقد أقرّ مجلسا أعلى للتربية والتعليم في الدستور، وإطلاق استشارة مجتمعية حول الموضوع هو إعلان عن انطلاق مسار الإصلاح على أساس تشاركي، ولو أنّ وضع معالم منظومة تعليمية جديدة هو اختصاص الدولة والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية وقطاع الإعلام والاتصال”.

وأضاف لـ”العرب” أن “الاستشارة الإلكترونية شملت عناصر تنفيذية لإصلاح المنظومة، إلاّ أن المنطق والمنهج يقضيان بوضع رؤية جديدة للمدرسة، باعتبار أن التعليم في كل أنحاء العالم تقريبا يقوده ‘باراديغم’ (منظار أو منطلقات تفكير) نيوليبرالي يركّز على المهمة الاقتصادية للمدرسة التي تعدّ لأفراد يكرسون النظام الرأسمالي على حساب القيم والمصالح الوطنية، ولو أنّ ذلك أصبحت تغطيه قيم حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية. لذلك، لا بدّ للإصلاح أن ينطلق من منظار جديد للمدرسة مع الفاعلين المؤثّرين في العملية التعليمية وفي رسالة المدرسة تنبع منه رؤية جديدة للمدرسة كوجه ثالث لعملة واحدة بين الدولة والمجتمع”.

فريد الشويخي: يجب التفكير في بناء منظومة تربوية معاصرة
فريد الشويخي: يجب التفكير في بناء منظومة تربوية معاصرة

 وقالت أوساط سياسية تونسية إن إشادة الرئيس التونسي بالاستشارة الوطنية حول التعليم رسالة إلى النقابات بأن السلطة ماضية في تطبيق الاستشارة رغم الانتقادات التي وجهتها لها.

وقال سعيد الاثنين الماضي إن الاستشارة الوطنية حول إصلاح التعليم هي من بين أهم الاستشارات في تاريخ تونس، مضيفا أن هذا القول ليس من باب المبالغة لأن الأمر يتعلق بمستقبل الشعب التونسي وبمستقبل الوطن.

وظلّ إصلاح التعليم في تونس في قلب الصراع السياسي، وظهر في معظم الإصلاحات التربوية بعد الاستقلال، سواء في رهان توحيد التعليم أو في السؤال عن لغة التعليم بين التعريب وثنائية اللسان، وصولا إلى البرامج، وخاصة تلك المتعلقة بالتربية الدينية والفلسفة، كما سميت معظم هذه الإصلاحات بأسماء الوزراء الذين أشرفوا على صياغتها.

وأفاد فريد الشويخي الخبير في علم النفس التربوي أن “المنظومة التربوية في تونس في حاجة إلى التغيير وليس الإصلاح، وعلينا أن ندرك أن هذه المنظومة أحدثت في العصر الصناعي، واليوم نحن نعيش أطوار العصر الرقمي”.

وأضاف لـ”العرب” أنه “يجب التفكير في بناء منظومة تربوية معاصرة، تعالج طرق التعامل مع المعلومة وكيفية توظيفها وليس تلقين المعارف فقط، فضلا عن وضع بيداغوجيات نشيطة ومعاصرة، والتمييز بين المحتوى والمهارات، وهذا يتطلب وجود كفاءات قادرة على إيصال المعلومة”.

وتابع الشويخي “علينا إعادة بناء منظومة تربوية متماسكة تبدأ من بلوغ الطفل 3 سنوات، لأن الإصلاح الجذري يكون من خلال التفكير في الأجيال الجديدة”.

وساهمت السياسات الخاطئة في تدني هذا القطاع، وسط تحذيرات الخبراء من تراجع جودة التعليم في تونس.

ومنذ 2011، تواتر العديد من الوزراء على تقلد منصب وزير التربية في البلاد، وظلّ إصلاح منظومة التعليم والارتقاء بجودة البحث والمعرفة مجرد شعارين.

4