تصعيد اتحاد الشغل قد يقابل برد حازم من الحكومة التونسية

تونس - دشّن الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) مرحلة جديدة في صراعه مع الحكومة التونسية، من خلال تحذيرها من “انفجار اجتماعي وشيك نتيجة استمرار السياسة الاقتصادية للدولة”، وهو ما يرى مراقبون أنه تصعيد قد ينعكس سلبا على وضع المنظمة العمّالية ويؤدي إلى المزيد من تهميشها وإضعاف دورها في البلاد.
ويرى متابعون للشأن التونسي أن اتحاد الشغل قبل بمجال التحرك الذي وضعته له السلطة مع تحجيم دوره السياسي، خلافا للدور الذي كان يلعبه في عهد الحكومات السابقة، لكنه في المقابل يحاول الضغط اجتماعيا ونقابيا بالتعبئة الشعبية.
ولا يستبعد هؤلاء أن تفتح السلطة، في إطار عملية تطهير الإدارة التونسية، ملف المنظمة العمّالية الذي ظلّ مسكوتا عنه لسنوات طويلة، وهو ما تخشاه القيادة الحالية للاتحاد لأنه يمثل، بالنسبة إليها، خطوة قد تعجّل بـ”نسف” مكانة المنظمة وتضرب مصداقيتها.
ويبدو أن هناك تناقضا واضحا بين خطاب القيادة الذي يوهم الجميع بسدّ السلطة لقنوات التواصل والحوار مع الاتحاد، وخطاب البيانات (المكتب التنفيذي) الذي يدعو صراحة إلى التصعيد و”التهديد” بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية.
وقال المكتب التنفيذي الموسع لاتحاد الشغل الأربعاء إنّ استمرار السياسة الاقتصادية الليبرالية الفاشلة، والقائمة على الريع والمضاربة والاحتكار وعلى منظومة مالية غلبت عليها هيمنة البنوك، ينذر بانفجار اجتماعي وشيك في ظل تفاقم الفقر وارتفاع نسب البطالة وتزايد أعداد المهاجرين غير النظاميين.
وأضاف في بيان له أنه يرفض استمرار تعمّد السلطة التنفيذية سدّ باب الحوار الاجتماعي وانتهاك الحقّ النقابي وضرب مصداقية التفاوض بعدم تنفيذ الاتفاقيات المبرمة، ومنها تطبيق اتفاقيتي 6 فبراير 2021 و15 سبتمبر 2022 واتفاق 20 أكتوبر 2020 المتعلق بتسوية وضعية عمال الحظائر ونشر الأوامر المتعلّقة بها.
كما طالب بعودة الحوار الاجتماعي وفتح التفاوض في مختلف القضايا القطاعية والجهوية المطروحة وعقد جلسة عاجلة مع الاتحاد العام التونسي للشغل تقيّم الوضع الاقتصادي والاجتماعي لمراجعة الأجر الأدنى والحد من تدهور المقدرة الشرائية.
وقال الكاتب والمحلل السياسي مراد علالة “هذا الظهور الثاني لنورالدين الطبوبي بعد غياب مثيل للجدل، واعتمد خطاب المكابرة، لكن بيان المكتب التنفيذ أوحى لنا وكأنه لا يوجد مأزق ديمقراطي داخل المنظمة، ويبدو أنه قبل بالأمر الواقع وجلس في المربع الذي وضعته له السلطة”.
وأضاف لـ”العرب” أن “قيادة الاتحاد لم تستوعب الدرس وفي نفس الوقت تدرك جيدا أنها أصبحت لديها مشكلة مصداقية في المجتمع التونسي، كما يوجد نوع من الانفلات النقابي على غرار أزمة التعليم التي أديرت خارج إطار المنظمة، والجامعة العامة للتعليم هي التي عالجت هذه الأزمة”.
وأكّد مراد علالة أن “الاتحاد الآن بصورته وقيادته الحالية لا يمكنه تأطير الإضرابات والاحتجاجات، ولو أن قيادة المنظمة بصدد التعبئة والحشد مع المراهنة على بعض المجالات في القطاع العام (النقل، الصحة…)”، لافتا إلى أنه “مع استمرار القيادة الحالية في نفس الخيارات من الصعب جدا أن نتحدث عن منظمة نقابية تحظى بشعبية واسعة، وحتى لغة بيان المكتب التنفيذي بعيدة كل البعد عن الأدبيات السابقة للمنظمة؛ حيث تم طرح المسألة الاجتماعية بكلام فضفاض ودون توضيح، وذلك بهدف رفع سقف التفاوض مع السلطة”.
واستطرد قائلا “من غير المستبعد أن يتم فتح ملف اتحاد الشغل من قبل السلطة، في إطار تطهير المؤسسات، وذلك قد يكون بوابة لمعركة جديدة بين الطرفين”.
ولم تمض الإضرابات التي كان يقررها اتحاد الشغل (مثل إضراب مصنع نقابة الفولاذ ببنزرت وإضراب جامعة النفط) إلى التنفيذ منذ أشهر، وهو ما يؤكد أن العمال يبحثون عن حلول مع الدولة بالنسبة إلى المؤسسات الحكومية، ومع الشركات بالنسبة إلى القطاع الخاص، وأنهم لا يريدون المزايدات.
وتجعل الخلافات التي تشق المكتب التنفيذي وتوتر علاقته مع السلطة وتمسّكه بلعب دور سياسي، من الصعب عليه أن يتحكم في النقابات، خاصة في القطاعات المهمة.
ومهما كان حجم التحركات الاحتجاجية ورسائلها، فإن الاتحاد سيبدو آليا في صف الكارتلات التي يعلن قيس سعيد باستمرار أنه سيحاربها ويقضي عليها متهما إياها بالتخطيط لإثارة الغضب الشعبي.
وعلى عكس السنوات الماضية بات من المؤكد أن تحركات المنظمة النقابية ستكون محدودة، بعد أن كانت تفرض على الحكومات تقديم التنازلات والقبول بشروطها، على غرار المطالبة بزيادة الرواتب أو إقرار علاوات للموظفين.
ودأبت الحكومات التونسية المتعاقبة منذ 2011 على إعطاء مساحة للتدخل السياسي لاتحاد الشغل ضمن مقاربة تقول إنها تشاركية لتقاسم الأعباء والنتائج. لكنها، حسب مراقبين، مهادنة وخشية من الثقل الاجتماعي للمنظمة الشغيلة القادرة على تحريك قطاعات واسعة تفرمل العمل الحكومي ما لم تتم الاستجابة لمطالبها أو اقتراحاتها. وتمثل الإضرابات القطاعية ومن ثم الإضراب العام أحد أهم الأسلحة التي تشهرها المنظمة الشغيلة في وجه الحكومات.
وأكد الناشط السياسي حاتم المليكي أن “اتحاد الشغل اليوم في دوره النقابي له مجموعة من الملفات، أهمها الملف الاجتماعي (الوظيفة العمومية والقطاع العام والتعليم وعمال الحظائر)، فضلا عن الملف الاقتصادي المرتبط أساسا بواقع التضخّم وغلاء الأسعار”.
وصرّح لـ”العرب” بأن “المناخ السياسي أصبح متغيرا على عكس السنوات الماضية، والرئيس قيس سعيد يمسك بزمام العملية السياسية، كما أن موضوع مبادرة اتحاد الشغل وشركائه تجاوزه الزمن”.
وتابع “على الاتحاد أن يتحرك في المربع النقابي فقط ويترك الخيارات السياسية للحكومة”.
ويقرّ الملاحظون بأن قدرات الاتحاد الذاتية والشعبية تراجعت، فخلال العشرية الماضية كانت المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا في البلاد أشبه بحزب سياسي كبير، وأشرف الاتحاد على الحوار الوطني في 2013 الذي أفضى إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة مهدي جمعة، ومنذ ذلك الوقت كان حاضرا في التفاهمات التي تسبق أو تلي تشكيل أيّ حكومة، لكن الآن تغير المناخ السياسي وقطع قيس سعيّد منذ إعلانه التدابير الاستثنائية في 25 يوليو 2021 مع تلك المقاربة، مشددا على أن دور المنظمة الشغيلة لا يتعدى العمل النقابي.