صالة "زاوية" الفلسطينية تحتفي بأعمال التشكيلي سليمان منصور

نسخ قيمة ومحدودة من تجربة فنان فلسطيني حقق انتشارا عالميا بلوحاته الرمزية.
الأربعاء 2023/08/23
أعمال فنية قيمة

نظمت صالة "زاوية" الفلسطينية معرضا لأهم أعمال الفنان سليمان منصور، أحد أبرز الفنانين التشكيليين الفلسطينيين في العقود الأربعة الأخيرة، والذي سافر بلوحاته وأعماله الفنية من المحلية إلى العالمية وصارت أيقونات يعيد تصويرها فنانون آخرون، ويقتبسون منها مواضيع توثق للقضية الفلسطينية.

غالبا ما تصبح الأعمال الفنية لفنان تشكيلي رائد أو فنان راكم في مسيرته الفنية الآلاف من اللوحات الفنية القيّمة باهظة الثمن. وهذا أقل ما يستحقه فنان سخّر حياته للفن طوعا وحصريا ضاربا بعرض الحائط كل المخاطر المعيشية التي سيلاقيها على الأرجح، في السنوات العشر الأولى من حياته الفنية قبل أن يبدأ بتنفس الصعداء. والأعمال الفنية لهؤلاء الفنانين يزداد ثمنها مع الوقت وتاليا لن تتمكن من اقتنائها إلا المؤسسات العامة أو الخاصة أو الأفراد الميسورون.

اليوم، لعبت التكنولوجيا المتطورة دورا في إعطاء فرصة لمحبي الفن الذين لا يستطيعون دفع الأثمان العالية لاقتناء ما يعشقون من لوحات لفنانين مكرسين. من أهم الأمثلة الحالية على ما قدمته هذه التكنولوجيا ما يجري الآن في صالة “زاوية” الفلسطينية” – فرع رام الله. حيث افتتحت الصالة في الثاني عشر من أغسطس الحالي معرضا لنسخ قيّمة ومحدودة لمجموعة من أهم أعمال الفنان الفلسطيني الرائد سليمان منصور. وأعطت الصالة لهذا العرض وقتا رحبا مدته شهران كاملان.

المطّلع على نسخ من الأعمال المعروضة سيدرك فورا أنه كان من الشاق اختيار نخبة من أعمال فنان اشتهر بغزارة إنتاجه وقوة إبداعه. وقد اختارت الصالة باقة من الأعمال ولم تستثن أيّ مرحلة من مراحل سليمان منصور الفنية.

أعمال يصلح أن نلقبها بتاريخية لفنان لا يزال في أوج عطائه الفني الذي لم يتوقف عن التجديد في نصه البصري
◙ المعرض نوع من تسخيف لفكرة "الفن الاستهلاكي" والذي يقوم أحد أعمدته على إنتاج نسخ مكررة حد الابتذال

وفي تحضيرها لهذا المعرض أهمية أخرى وهي أنها وضعت أمام المُشاهد سيرة تحولات أعماله وأنماط تعبيره عن أفكاره ومشاعره التي تمحورت حول فلسطين الطبيعة وفلسطين القضية. وتذكر الصالة في الدعوة العامة إلى المعرض أن ما يتضمنه يُعرض للمرة الأولى وأن النسخ الفنية تحمل الإمضاء الشخصي للفنان. ولعل أجمل ما في هذه المُبادرة هي كونها تقدم أعمالا يصلح أن نلقبها بتاريخية لفنان لايزال في أوج عطائه الفني والذي لم يتوقف عن التجديد في نصه البصري إلى اليوم دون أن يخرج عن موضوعه الحصري، أي فلسطين.

ومن الواضح لدى متتبع أعماله أن الفنان اعتمد في أكثر من عمل في السنوات العشرين الأخيرة عصرية لافتة في التقشف والميل إلى رمزية دخلت إليها مشهدية مُركبة تحمل أكثر من معنى. وتأتي إلى ذهننا لوحة رائعة رسم فيها الفنان فلاحا فلسطينيا مسنّا يقف في واجهة اللوحة "المُمسرحة" إذا جاز التعبير وخلفه مشهد مستطيل وشاهق ومنفصل عنه تشكيليا لحقول الزيتون. مشهد شديد الارتباط معه، عاطفيا.

كان من العادي جدا أن نتوقع أن يكون في هذا المعرض لسليمان منصور نسخة عن الشرارة الأولى لانطلاقته الفنية في بداية السبعينات من القرن العشرين علما أنه كان ينجز أعمالا فنية كثيرة قبل هذه الفترة. وما هذه اللوحة/الشرارة إلا تلك التي حملت عنوان “جمل المحامل”، وقد رسم الفنان أكثر من لوحة منها انتشرت عالميا وعنت الكثير لشعوب هذه المنطقة. وظهر في اللوحة عجوز فلسطيني يتوسط فضاءها ويحمل القدس وصخرة الأقصى على ظهره، مربوطة “بحبل الشقاء” ومتجها إلى مجهول تركه الفنان للزمان، كي يحسم ماهيته.

منذ بضع سنوات عمد النحات العراقي أحمد البحراني إلى تقديم جدارية ومنحوتة من البرونز لبطل لوحة سليمان منصور إقرارا باستمرارية التمسك بالهوية الفلسطينية في الذاكرة الجماعية العراقية بشكل خاص والعربية بشكل عام. ومن هنا قوة الفنان سليمان منصور التي تخطت فلسطين لتطال الدول العربية المجاورة فيما اكتنزت من معان.

ولهذه اللوحة قصة تشبه ذاتها فيما تعرضت له وما أشارت إليه إذ قال الفنان يوما عنها “تحوّلت اللوحة إلى رمز للنضال الفلسطيني.. وكانت النسخة الأصلية  فقدت في القدس القديمة، ورسمت نسخة ثانية عام 1975، وبيعت في معرض في لندن. على الأرجح أن هذه النسخة دمّرت في غارة جوية أميركية على ليبيا عام 1986. أما العمل الذي بيع في دبي، فهو النسخة الثالثة من اللوحة، وقمت بإضافة بعض التغييرات الطفيفة على النسخة الأصلية. أحد الأسباب التي جعلتني أعيد رسم اللوحة رغبتي في إعادة امتلاكها".

◙ أعمال يصلح أن نلقبها بتاريخية لفنان لا يزال في أوج عطائه الفني الذي لم يتوقف عن التجديد في نصه البصري

في المعرض أيضا نسخة فنية عن لوحة عنونها الفنان سليمان منصور بـ”الصخرة” بكل ما تختصره من صبر وتعزيز الانتماء إلى الهوية الفلسطينية؛ لوحة ظهرت فيها امرأة تنضح بالعنفوان بزيها الفلسطيني التقليدي وهي تحمل مدينة القدس بجدرانها الحجرية العريقة فوق رأسها بخفة وكأنها حِمل دأبت على حمله حتى احترفت ذلك بهدوء وتوازن قل نظيرهما.

ومن النسخ المعروضة هي للوحة تظهر فيها امرأة تجلس على بساط من وحي النسيج الفلسطيني التقليدي تحتضن شجرة الزيتون/الرمز. ويذكر أنها ليست اللوحة الوحيدة التي رسم فيها الفنان المرأة وهي في حالة احتضان لعناصر أساسية من المشهد الفلسطيني الطبيعي والمدني من صغيرها كشجرة برتقال إلى أكبرها كمدينة فلسطينية بأسرها. وللفنان لوحة رائعة تذكرنا بالنسخة المعروضة وتمثل امرأة تحتضن كُرة كريستالية وصخرية في آن واحد تشف منها مدينة القدس تحت طبقات دفاعية غليظة من الكريستال المصقول. وقد أطلق الفنان على هذه اللوحة اسم "المعرفة".

يشكل هذا المعرض في صالة زاوية، رغم أنه ليس الأول من نوعه في تنفيذ نسخ فنية عالية الجودة تحمل إمضاء الفنان الذي أبدع اللوحة الأصلية، نوعا من تسخيف لفكرة "الفن الاستهلاكي" الذي يقوم أحد أعمدته على إنتاج نسخ مكررة حدّ الابتذال، مع بعض التعديلات، لعمل واحد كما فعل أهم الفنانين في عالم البوب أرت المتأثر بشدة وربما المروّج أيضا لمنطق المجتمع الاستهلاكي وفكرة غياب العمل الأصلي الذي لا نسخة له. تسخيف يقول “أنا دمغة عن الأصل. أحمل إمضاء عضويا للفنان الذي أبدعني كي أكون في كل بيت صدى مدويا للأصل النبيل”.

أعمال مختزلة

 

14