تونس تراهن على الإنتاج المحلي لمواجهة أزمة الحبوب

وزارة الزراعة تأذن بتقديم قروض للمزارعين وتسهيل الإجراءات البيروقراطية.
الخميس 2023/08/17
المساحات الزراعية يمكن أن تحقق الاكتفاء الذاتي من الحبوب

دفعت أزمة الحبوب العالمية المدعومة بتداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية، التي أسهمت بشكل مباشر في زيادة أسعار المواد الغذائية الأساسية والمحروقات في العالم، السلطات التونسية إلى التعويل على الذات بالتشجيع على دفع نسق الإنتاج المحلي للحبوب وتسهيل الإجراءات أمام المزارعين.

تونس - أقرت الحكومة التونسية حزمة من الإجراءات الجديدة بهدف تشجيع صغار المزارعين على إنتاج الحبوب من خلال تقديم قروض وتسهيل الإجراءات البيروقراطية، في خطوة تعكس، حسب المراقبين، مراهنة السلطات على الإنتاج المحلي لمواجهة أزمة الحبوب.

 ويكتسي قطاع الحبوب مكانة بالغة في اهتمامات البلدان في السنوات الأخيرة، خصوصا في ظل تزايد الطلب العالمي على الاستهلاك بعد تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية وارتفاع الأسعار.

وتشهد تونس أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات تفشي جائحة كورونا وارتفاع كلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية إثر الحرب الروسية - الأوكرانية المستمرة، وتعيش البلاد أوضاعا مالية واقتصادية صعبة جعلتها عاجزة عن تأمين السيولة اللازمة لتغطية حاجياتها من المواد الغذائية والحبوب وغيرها من المواد الضرورية.

وخصصت وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري اعتمادات جمليّة بقيمة 15 مليون دينار (4.85 مليون دولار) لتمويل 3 آلاف قرض موسمي لفائدة صغار المزارعين في قطاع الحبوب.

وجاء ذلك في بلاغ صادر، الأربعاء، عن الوزارة خلال اجتماع تنسيقي بين وزير الفلاحة عبدالمنعم بلعاتي والمدير العام للبنك التونسي للتضامن خليفة السبوعي في إطار ضمان حسن الاستعداد للمواسم الزراعية وإعطاء دفع خاص لتمويل المشاريع والمؤسسات الصغرى في القطاع الزراعي.

منير العبيدي: هناك توجه من هذه الحكومة للاهتمام بوضع المزارعين
منير العبيدي: هناك توجه من هذه الحكومة للاهتمام بوضع المزارعين

كما تم تخصيص اعتمادات جمليّة بقيمة 5 ملايين دينار(1.62 مليون دولار) لتمويل صغار المزارعين في قطاع التمور، وتمويل 100 مؤسسة ناشئة في مجال التكنولوجيا المعتمدة في القطاع الزراعي عبر إحداث خط تمويل في حدود 2 مليون دينار لدعم المبادرة الخاصة.

كما تم إحداث خط تمويل في حدود 5 ملايين دينار موجهة لفائدة صغار المزارعين لاقتناء وتركيز تجهيزات لإنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة الموجهة لضخ المياه، وإحداث آلية عمل مشتركة بين وزارة الفلاحة ووكالة النهوض بالاستثمارات الزراعية والبنك التونسي للتضامن تعنى بالإحاطة بمؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني الناشطة في القطاع الزراعي بخط التمويل الموضوع على ذمتها بالبنك التونسي للتضامن ومتابعة إنجاز هذه المؤسسات والتدخل كلما دعت الحاجة إلى ذلك قصد تذليل الصعوبات المعترضة.

ويستهلك التونسيون أكثر من 3 ملايين طن من الحبوب سنويا موزعة بصفة متقاربة بين القمح الصلب واللين والشعير. ويرتكز النمط الغذائي التونسي حسب المسح الوطني حول تغذية الأسر بالأساس على الحبوب.

وقال منير العبيدي رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة بالكاف (شمال غرب) إن “قطاع الزراعات الكبرى إستراتيجي، وهناك قرابة مليون ومئتي ألف هكتار مستغلّة للزراعة في البلاد، وهو ما يمكننا من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب وخاصة القمح الصلب”.

وأضاف لـ”العرب” أن “هناك تركيزا من السلطات على زراعة الحبوب، وثمة توجه من هذه الحكومة للاهتمام بوضع المزارعين، حيث اتخذت عدة إجراءات في هذا الاتجاه من خلال التسهيلات الإدارية والقروض، وهذا ما ستكون له انعكاسات إيجابية في السنوات القادمة”.

وتابع العبيدي “أزمة الحبوب عمقتها جائحة كورونا العالمية والتغيرات المناخية الطارئة، فضلا عن تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية، وكلها عوامل فرضت على السلطات التونسية التفكير في إجراءات جديدة، خصوصا وأنها تستورد قرابة 60 في المئة من حاجياتها من الحبوب”.

وتظهر أرقام وزارة الفلاحة أن مجموع الأراضي القابلة للزراعة في البلاد يبلغ نحو خمسة ملايين هكتار، لكن المستغل منها لا يتجاوز نسبة 24 في المئة، الأمر الذي لا يُمكن أن يحقق الاكتفاء الذاتي من الاستهلاك السنوي من الحبوب، والذي يبلغ نحو 3 ملايين طن.

وتحتكرُ الدولة التونسية التصرف في قطاع الحبوب في البلاد، تجميعا واستيرادا وتوزيعا ومراقبة، ويتم ذلك حصريا عبر “ديوان الحبوب”.

ويتكفل الديوان الوطني للحبوب بنشاط التوريد لتغطية حاجيات البلاد التي لا يؤمنها الإنتاج المحلي، وحسب آلية العمل الداخلية للديوان يتم توفير هذه الحاجيات عن طريق طلبات عروض دولية لتغذية المخزون، الذي يجب أن يغطّي وجوبا 4 أشهر من الاستهلاك ووفق سعر الحبوب في الأسواق العالمية.

وتعتمد تونس في توفير حاجياتها من الحبوب أساسا على الخارج، وزاد الاعتماد على الاستيراد مع تواصل موجة الجفاف ونقص الأمطار التي ضربت تونس في السنوات الأخيرة، بشكل جعل إنتاجها المحلي من الحبوب غير قادر على تغطية سوى جزء ضئيل من مجمل حاجيات التونسيين.

التونسيون يستهلكون أكثر من 3 ملايين طن من الحبوب سنويا موزعة بصفة متقاربة بين القمح الصلب واللين والشعير

كما أثرت الحرب في أوكرانيا بشدة على تصدير الحبوب، وأدت إلى اضطرابات في الإمدادات العالمية، وارتفاع أسعار السلع الغذائية عالميا، مما أثر بشكل مباشر على دول جنوب وشرق المتوسط، والتي يعد بعضها من أكبر مستوردي القمح في العالم. وتشكل الواردات ثلثي حاجة تونس السنوية من الحبوب.

وسبق أن خصص البنك الأوروبي دعما بقيمة 150 مليون يورو للمساهمة في تمويل مشروع “تعزيز صمود الأمن الغذائي”، حسب ما ورد في الجريدة الرسمية بمرسوم عدد 45 لسنة 2023.

كما منح الاتحاد الأوروبي ملياري يورو تقدم على هيئة مساعدة فنية لدعم إعداد وتنفيذ إصلاح خارطة الطريق للقطاع والشركات، وتهدف هذه الخطة إلى معالجة نقاط الضعف الهيكلية الحالية في قطاع الحبوب، بحيث يؤدي ذلك إلى التحرير التدريجي لواردات الحبوب. 

وفي يوليو الماضي طالب الرئيس التونسي قيس سعيد حكومة بلاده باتخاذ “إجراءات عاجلة” تتعلق بأزمة الخبر، محمّلا “لوبيات” (لم يسمّها) مسؤولية ذلك.

ومنذ 2021، تراجع إنتاج الحبوب في تونس لأسباب مناخية، انتقلت تداعياته بعد ذلك إلى السوق المحلية من حيث عدم توفر كميات كافية من القمح المستخدم في إنتاج الخبز.

ووجدت الحكومة الحل في اللجوء إلى الاستيراد، ولكن الأمر اعترضته عراقيل أبرزها الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، إلى جانب ارتفاع أسعار الحبوب بفعل الحرب الروسية - الأوكرانية المستمرة منذ فبراير 2022.

4