هل يحق للمؤسسات الإعلامية محاسبة الصحافيين على آرائهم الشخصية

مذيعة مصرية تتهكم على الرجال تخضع للتحقيق من مؤسستها الإعلامية.
الأربعاء 2023/07/26
أزمة وصاية

يتفق المؤيدون والرافضون على أهمية وجود عدالة عند مساءلة الإعلامي الذي يخرج عن النص ولو على شبكات التواصل، ويجب أن تكون بعيدة عن تصفية الحسابات والاعتداء على الحريات، ومن المهم أن تخضع لأهداف محددة تستهدف ضبط الخطاب الصادر عن المنتمين إلى المؤسسات الإعلامية بصورة تضمن تكريس القواعد الأساسية للحريات والمهنية الصلبة.

القاهرة - فتح نقاش في مصر حاليا بشأن استمرار غياب المذيعة رضوى الشربيني عن تقديم برنامجها منذ إعلان إدارة محطة “سي.بي.سي” التحقيق معها بسبب منشور كتبته على فيسبوك، مدى أحقية المؤسسات الإعلامية في محاسبة المنتمين إليها لمجرد إدلائهم بآراء شخصية خارج نطاق العمل.

قاد الدفاع عن الشربيني من بعض الفنانين الذين طالبوا بالعفو عنها، بوصفها لم ترتكب جريمة حتى يتم توقيفها، إلى طرح تساؤل: لماذا تتدخل أي مؤسسة إعلامية في مساءلة الصحافي أو المذيع عن رأي يدلي به بعيدا عن المنبر الذي يعمل فيه؟ ولماذا لا تكون هناك مساحة خاصة يعبر فيها عن رأيه؟

أثارت الشربيني التي تقدم برنامج “هي وبس” على فضائية “سي.بي.سي – سفرة” موجة استنكار واسعة عندما تحدثت بطريقة “غير لائقة” عن الرجال، وكتبت “مش فاهمة (لا أفهم) ليه البنات ما بتحبش (لا تحب) تأكل لحم الخروف بس (لكن) بتحب ترتبط بيه”، وهو التشبيه الذي وضعها في مرمى الغضب.

دافعت الفنانة فريدة سيف النصر عن الشربيني، مؤكدة أن الخطأ وارد، ومطالبة الجمهور بالعفو عنها كونها لم ترتكب جريمة أو تنخرط في قضية مشينة كي يتم تحميل الموضوع أكثر من حجمه، بتلك الطريقة، “المذيعة غلطت، والكل بيغلط، وأنا بعتذر لكل الرجال نيابة عنها”.

جلال نصار: حالة الانفلات الإعلامي في مصر مرتبطة بغياب أدوات المحاسبة
جلال نصار: حالة الانفلات الإعلامي في مصر مرتبطة بغياب أدوات المحاسبة

حرّك دفاع سيف النصر وبعض الحقوقيات المياه الراكدة في قضية محاسبة الإعلاميين على الآراء الشخصية، ما جعل هناك أكثر من فريق لديه وجهة نظر، حيث ارتبط الانقسام حول الحد الفاصل بين حرية الرأي والتعبير، وبين استخدامه في المعنوي والتحقير، وإطلاق تصريحات تحمل تمييزا بشكل يعاقب عليه القانون.

بررت إدارة قنوات “سي.بي.سي” إحالة الشربيني إلى التحقيق بعد منشور “الخروف”، بأن ما كتبته “تسبب في إساءة لاسم المؤسسة رغم أنه لم يذع أو ينشر على أي منصة من منصات القنوات التابعة لها”، ما يفسر الأسباب التي تدفع بعض وسائل الإعلام إلى مساءلة المنتمين إليها بسبب بعض الآراء التي تضر بسمعة وجماهيرية الكيان.

يرى مؤيدون ضرورة محاسبة الإعلامي عندما يدلي برأي شخصي، لأن ذلك جزء من آليات الضبط، طالما أنه ينتمي إلى كيان إعلامي، ويأتي جزء من شعبيته وقوة تأثيره من المؤسسة التي ينتمي إليها.

ويحظى برنامج الشربيني بمتابعة واسعة في أوساط مصريات وعربيات مع تبنيها آراء داعمة لقضايا المرأة وتنوع ما تقدمه من قضايا ذات صلة باهتمامات النساء ودعمها لفتيات تعرضن لمشكلات معقدة، فحصدت شعبية واسعة، وكثيرا ما تحولت مقولاتها إلى ترند على مواقع التواصل الاجتماعي، ويتابعها الملايين.

يعتقد متخصصون في مجال الإعلام أن محاسبة الإعلامي على أي خطأ يرتكبه ولو بعيدا عن المؤسسة التي يعمل بها تتوقف على حجم الأزمة التي تسبب فيها والشعبية التي يتمتع بها، فقد تترفع المؤسسة الإعلامية عن العقاب، إذا كان لا يتمتع بشعبية ولم تُحدث تصريحاته جدلا أوغضبا يستوجب التحقيق.

ويقول هؤلاء إن الشعبية الواسعة للإعلامي سلاح ذو حدين، فجذب الجمهور يجعله تحت دائرة الضوء ويفرض عليه التحلي بأقصى درجات المسؤولية وتحري الدقة والانتباه وعدم إطلاق أحكام مسبقة ومراعاة الحساسية الاجتماعية والدينية في القضايا التي يمكن أن تثير الرأي العام.

وهو الخطأ الذي وقعت فيه رضوى الشربيني، وسبقها إليه آخرون في الإعلام المصري، فلم تتم مراعاة الجماهيرية التي يتمتعون بها، ويدركون أنهم محاطون بمسؤوليات تتجاوز حدود المنبر الذي يطلون منه، وقاموا بتوظيف الشعبية بشكل تسبب في تراجع نجاحهم عندما أطلقوا تصريحات غير مسؤولة على شبكات التواصل، وتجاوزت حدود حرية التعبير إلى إطلاق الأحكام المسبقة.

هناك من يرفض فرض الوصاية على الإعلامي، باعتباره يغرد ويتحدث بعيدا عن الوسيلة التي يعمل بها وأن المحاسبة على منشورات شبكات التواصل انتهاك لحرية الرأي والتعبير، وهي أزمة ظاهرة في الإعلام المصري، حيث لا تعترف المؤسسات أو الحكومة نفسها بهامش حقيقي من الحرية، وعلى المنتمين إلى الكيان – المؤسسة الرضوخ للتعليمات الفوقية التي تحرمهم من التغريد خارج السرب.

يؤكد مدافعون عن أحقية أي مؤسسة إعلامية في محاسبة المنتمين إليها بسبب الآراء الشخصية أن الأمر أبعد من اختزاله في البعد المحلي لوجود وقائع أخرى شهدتها مؤسسات إعلامية دولية تعمل في دول تؤمن بحرية الرأي والتعبير، وجرى طرد مذيعين بسبب تدوينات وتصريحات تتناقض مع سياسات وتصورات الوسيلة الإعلامية التي ينتسب إليها المذيع أو الصحافي، أيّ أن القضية تتجاوز حدود الحديث عن الحريات وتصل إلى مدى استغلالها وتوظيفها.

الشعبية الواسعة للإعلامي سلاح ذو حدين، فجذب الجمهور يجعله تحت دائرة الضوء ويفرض عليه التحلي بأقصى درجات المسؤولية وتحري الدقة والانتباه

وقد تم طرد المذيع الرياضي الشهير داميان جودارد من جانب مؤسسته الإعلامية في تورنتو بكندا لأنه غرد عبر تويتر منتقدا “زواج المثليين”، وأُجبر المذيع جيم كلانسي الذي كان يعمل في شبكة “سي.أن.أن” على ترك الوظيفة لاتهامه بمعاداة السامية عبر تغريدة كتبها على تويتر، وطُرد المذيع البريطاني الشهير داني بيكر من “بي.بي.سي” بعد تغريدة تحمل عنصرية وإساءة لابن الأمير هاري.

قال جلال نصار، رئيس تحرير جريدة “الأهرام ويكلي” سابقا، إن محاسبة الإعلامي على الآراء الشخصية تحمل خطورة إذا تم استغلال العقاب لمصالح سياسية أو حزبية، وفي واقع الأمر المحاسبة مطلوبة لإرساء القواعد المهنية وعدم الإضرار بسمعة وجماهيرية المؤسسة، ويجب أن تكون هناك تفرقة بين حرية التعبير وإباحية التعبير.

وأكد لـ”العرب” أن حالة الانفلات الإعلامي في مصر مرتبطة بغياب أدوات المحاسبة لمن يتجاوزون، وطالما الصحافي أو المذيع يعمل في مؤسسة تحكمها قواعد عمل ومبادئ وقيم مهنية وأخلاقية عليه الالتزام بها، فهو يحمل اسم الكيان والجمهور يتأثر بشعبيته ويعتبره طوال الوقت جزءا من المؤسسة التي يعمل بها، ولا يمكن تبرير التجاوز والتحريض والتمييز والحط من الآخرين، بحرية الرأي.

نصت مدونة السلوك المهني للأداء الإعلامي وميثاق الشرف الإعلامي في مصر على مجموعة قواعد يجب عدم تجاوزها، منها الامتناع عن إثارة الكراهية والتمييز والتحريض واحترام الكرامة الإنسانية وعدم الإساءة لأي فئة.

ويحظر قانون تنظيم الصحافة والإعلام نشر أو بث أي مادة تخالف النظام العام والآداب العامة، على أن يلتزم الإعلاميون بميثاق الشرف المهني والسياسة التحريرية للوسيلة الإعلامية المتعاقدون معها.

5