القاهرة تستميل أهالي العريش لمنع عودة التوتر إلى سيناء

تلافى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اضطرابات أمنية قد تكون خطيرة عندما تدخل لتطويق بوادر صدام بين أهالي سيناء والأمن المصري، بسبب قرار الحكومة تطوير ميناء العريش على حساب ممتلكات المواطنين.
القاهرة - سرّعت الحكومة المصرية من وتيرة التدخل لاستمالة سكان منطقة العريش في شمال سيناء وتحجيم غضبهم بعد فترة توتر بسبب إزالة مبان سكنية لتطوير ميناء، في محاولة لمنع عودة التوترات في سيناء إلى الواجهة.
وأرسل الرئيس عبدالفتاح السيسي وزير النقل كامل الوزير إلى أهالي المنطقة القريبة من الأراضي الفلسطينية، للاعتذار عن هدم منازل بغرض تطوير ميناء العريش قبل حصول السكان على تعويضات مناسبة، متعهدا بعدم تكرار هذا الأمر مرة أخرى.
ويعد ذهاب وزير النقل وتقديمه اعتذارا للأهالي خطوة نادرة ودليلا على أن الأزمة كادت تتصاعد بصورة قد يصعب السيطرة عليها وتنكأ جراحا أمنية عديدة.
وقال وزير النقل “لن يخرج أحد من بيته وهو غير راض، ولن يترك أحد منزله قبل الحصول على بدل سكن ومنزل، أو أرض مقابل سكنه.. جئت إليكم بتكليف رسمي من الرئيس السيسي للاستماع إلى مطالبكم وحل مشكلاتكم فورا”.
وأظهرت رسائل وزير النقل الخصوصية التي تتعامل بها الدولة مع سيناء على الرغم من زوال خطر الإرهاب ونجاح الجيش في القضاء على التنظيمات المتطرفة هناك.
وبلغ سعي الحكومة لاسترضاء أهالي المنطقة القريبة من ميناء العريش أن أبلغهم وزير النقل أحقيتهم في رفع قضايا ضد تدني التعويضات المرصودة جراء هدم منازل أو نزع أراض، وهي نبرة تنم عن محاولات كبيرة للحفاظ على استقرار شمال سيناء.
وأقر وزير النقل بأن قرار نزع الملكية للمنفعة العامة يستوجب على الحكومة التعويض المناسب، متعهدا باستبدال كلمة “تعويض” بـ”بدل سكن” كي لا يشعر أهالي العريش بالغضب أو الضيق، لأن الدولة لن تعمل إلا لصالح السكان في كل قراراتها.
وقطع التحرك السريع من جانب الرئيس المصري لترضية أهالي العريش واحتواء الغضب، الطريق على توظيف قوى معارضة للحدث وتأليب سكان سيناء ضد الحكومة بشكل يعيد خطر التوتر بينها والمواطنين القاطنين بها.
ولا يرغب النظام المصري في حدوث صدام من أي نوع مع أهالي سيناء، كما فعل الرئيس الأسبق حسني مبارك، حيث كانت الأجهزة الأمنية لا تمانع الإسراف في المطاردات لفرض الأمن والاستقرار بشكل جعل بعض السكان كأنهم أعداء للسلطة.
ويتمسك الرئيس السيسي بالحفاظ على علاقة طيبة بين الدولة وسكان سيناء، لا تشوبها توترات أو منغصات بعد أن سجلوا بطولات استثنائية في مشاركة الأجهزة الأمنية في عملية القضاء على الإرهاب وتطهير سيناء من التنظيمات المسلحة.
وروّجت أصوات معارضة ومنابر إعلامية تابعة لجماعة الإخوان أن الجيش المصري انقلب على أهالي العريش بعد أن كانوا في صفه ويحاربون معا في معركة واحدة، وزعمت أنه يقوم بمصادرة أراض وتهجير سكان وهدم منازل بالعريش دون تعويض.
وتحرص جماعة الإخوان على تصوير العلاقة بين الدولة وسكان العريش منذ البدء في تطوير الميناء الواقع على البحر المتوسط على أنها علاقة عداء، وتقوم بتحريض الأهالي ضد الجيش والوقوف في وجه نزع ملكية الأراضي والمنازل.
واعتاد السيسي التدخل في الأزمات التي تتصاعد بسبب غياب الحنكة الحكومية في التعامل مع الغضب الجماهيري، ويدرك أن لسيناء طبيعة خاصة، ومن الخطورة الأمنية والسياسية أن يتم وضع الجيش في مواجهة مع سكانها.
وأسندت الحكومة للقوات المسلحة تطوير وتأهيل ميناء العريش لتعويض عقود طويلة من التجاهل بسبب الحروب التي خاضها الجيش ضد إسرائيل ثم معركته ضد الإرهاب السنوات الماضية، لكن لا يرغب الأهالي أن يكون التطوير على حسابهم.
ولدى النظام المصري دوافع اقتصادية وأمنية من وضع منطقة العريش ومينائها البحري على خارطة الاستثمار، وتوظيفهما لصالح الدفاع عن الأمن القومي في سيناء.
وحمل التسرّع الحكومي لتطوير ميناء العريش دون الدخول في حوار مجتمعي خطورة استدعت تحركا رئاسيا، لأن الصدام قد يجعل البعض من الأهالي يندمون على مساندة الدولة في الحرب ضد الإرهاب.
وأسهم تدخل قبائل سيناء في دعم الدولة ورفض توفير ملاذات آمنة للمتطرفين في نجاح عملية تطهير هذه المنطقة الحيوية من الإرهاب، وبالتالي يجب أن يكون المقابل تقدير الناس وليس تهجيرهم بصورة غير رضائية، ولو كان ذلك لأغراض تنموية.
وتعمل التصورات الحكومية على تطوير منطقة شرق البحر المتوسط بمصر لأجل التوسع في المشروعات التنموية الواعدة ضمن خطط تتصارع حولها دول عدة في المنطقة، حيث يقترب ميناء العريش من موارد شرق المتوسط الغازية، وهو ما تلتفت إليه جيدا القاهرة، بينما لا يعني ذلك الكثير بالنسبة لسكان العريش حاليا.
ويرتبط التدخل لترضية أهالي العريش بأن الرئيس السيسي هو من أصدر قرارا بنقل تبعية ميناء العريش إلى القوات المسلحة بمساحة 371.46 فدانا، على أن تتولى الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس تمويل وتنفيذ تطوير وإدارة وتشغيل الميناء، واعتبار جميع منشآته ومرافقه وأيّ أراض أو منشآت أخرى يحتاجها من أعمال للمنفعة العامة، عدا المواقع العسكرية التي تستغل في شؤون الدفاع عن الدولة.
وقال رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق ومستشار أكاديمية ناصر للعلوم العسكرية بالقاهرة اللواء نصر سالم إن التحرك السريع لترضية سكان العريش يغلق الباب مبكرا أمام تداعيات يمكن أن توظفها تيارات معادية لاستقرار سيناء، وثمة قوى ترفض استمرار العلاقة الجيدة بين الجيش والقبائل.
وأضاف لـ”العرب” أن استثمار بعض الخصوم لمصطلح “التهجير القسري” في منطقة ميناء العريش يستهدف “إعادة التوتر في سيناء إلى الواجهة، وهو ما لن يقبله الرئيس السيسي أو أي جهة حكومية، وسيتم التعامل مع الأهالي بخصوصية شديدة، كونهم من أدوات حماية الأمن القومي في المنطقة، ولا يمكن الدخول في صدام معهم لمكانتهم الحيوية والتاريخية عند صانع القرار في البلاد”.
ولفت سالم إلى أن تطوير ميناء العريش إحدى الركائز التي تعتمد عليها الدولة لتنمية سيناء، وسوف يكون مسؤولا عن جذب رؤوس أموال وشركات متعددة الجنسيات، وأداة أساسية لربط سيناء بمحافظات مصر والعالم، وقد وصلت هذه الرسالة مؤخرا للأهالي، ويتم تعويضهم بشكل عادل وتوظيف أبناءهم في الميناء، ومشاركتهم أيضا في فرض السيطرة على الأماكن الهامة داخل سيناء.
ومن أبرز المشاهد السابقة أن الحكومة المصرية عندما قامت بتهجير سكان على الشريط الحدودي في رفح الملاصق لقطاع غزة، لهدم الأنفاق ومنع تسلل المتطرفين، أنشأت مدينة رفح الجديدة لتعويض الأهالي ومدّتها بالخدمات التعليمية والطبية.
وظلت مشكلة سيناء في الفراغ الديمغرافي وغياب التنمية، وتحولت إلى مطمع لعناصر وتيارات معادية وظهر الإرهاب والتطرف وانتعش تهريب السلاح وتجارة المخدرات، ورسمت الدولة المصرية خطة تنموية لزراعة سيناء بالبشر ورأت ضرورة استثمار مقومات المنطقة الإستراتيجية، كما هو حاصل في ميناء العريش.
ويربط الميناء حركة التجارة والنقل والبضائع بين شرق المتوسط ومصر، ويمهد لحياة عمرانية مغايرة، وخلق بيئة اجتماعية أفضل للسكان، ويؤكد من زاوية أمنية أن الدولة فرضت سيطرتها على عمقها الشرقي وجعلت العريش مدينة سلام بدلا من الصراع.