انتقادات بشأن محدودية دور مفوضية اللاجئين في أزمة الهجرة بتونس

تساءلت منظمات المجتمع المدني في تونس عن مدى نجاعة دور المفوضية السامية للاجئين، في ظل تفاقم عدد اللاجئين بسبب النزاعات السياسية والأهلية وآخرها ما يحصل في دولة السودان، ما تسبب في ارتفاع عدد اللاجئين السودانيين في تونس.
تونس - انتقدت منظمات حقوقية في تونس ما اعتبرته تقصيرا في دور المفوضية السامية لشؤون اللاجئين المنضوية تحت منظمة الأمم المتحدة، مستنكرة محدودية نشاطها بشأن أزمة المهاجرين واللاجئين التي تعيش على وقعها تونس في الأيام الأخيرة.
ودعت أطراف حقوقية إلى ضرورة القيام بعملية فرز دقيقة لمعرفة أعداد طالبي اللجوء والمهاجرين، للوقوف على مدى التقصير في الوظائف وتحمل المسؤوليات، لكن مراقبين اعتبروا أن دورها سياسي بالأساس، قبل أن تقدم خدمات ذات صبغة إنسانية وتضامنية.
ونظمت منظمات المجتمع المدني المهتمة بقضايا الهجرة مؤتمرا صحفيا الجمعة بمقر النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، أوضحت فيه ما وصفته بـ”الوضعية الإنسانية الصعبة للمهاجرين في تونس”.
واعتبر الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر أن “أوروبا استطاعت أن تحول تونس إلى سجن للمهاجرين واللاجئين بتواطؤ من الدولة التونسية مع دول أخرى في عدم منع المهاجرين من دخول تونس مقابل منعهم من مغادرتها”.
وتساءل بن عمر عن مدى فاعلية دور مفوضية اللاجئين خاصة أمام تفاقم عدد اللاجئين بسبب النزاعات السياسية والأهلية وآخرها ما يحصل في دولة السودان، ما تسبب في ارتفاع عدد اللاجئين السودانيين في تونس.
كما طالب بن عمر بـ”توفير مراكز إيواء للاجئين والمهاجرين في كل ولايات الجمهورية”، منوّها بـ”مجهودات المواطنين في تقديم المساعدات”.
ووصل عدد اللاجئين وطالبي اللجوء في تونس هذا العام إلى 9 آلاف و547 لاجئا، حسب ما كشفت عنه بيانات حديثة للمجلس التونسي للاجئين (منظمة غير حكومية).
وأفادت نجاة الزموري، نائبة رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، بأنه “يوجد نوع من الفراغ بالنسبة لمفوضية اللاجئين، ولا تتدخل بما فيه الكفاية، فضلا عن مختلف الأطراف الأخرى، مثل الدولة التونسية التي لم تقم بعملية الفرز بين اللاجئين والمهاجرين”.
وأضافت لـ”العرب”، “هناك تقصير من مختلف النواحي، ولا يمكن للمفوضية وحدها أن تتدخل، باعتبار أن يأتيها طالبوا اللجوء والنظر في تلك المطالب يتطلب وقتا طويلا، وهناك مهاجرون جاؤوا إلى تونس ولا يدخلون في صلاحيات المفوضية، وهي تتعامل فقط مع فئة طالبي اللجوء القادمين من أراضي النزاع على غرار السودان حاليا”.
وتابعت الزموري “هناك بطء في التعامل مع المطالب، وكان يمكن التسريع فيها”، لافتة إلى أنه “يوجد قرابة 500 سوداني في مدينة صفاقس التونسية، وهم من طالبي اللجوء ويعاملون كمهاجرين وتتم ملاحقتهم أمنيا، فضلا عن وجود أكثر من 2500 مهاجر بالمدينة”.
ويصل العشرات من المهاجرين غير النظاميين من دول جنوب الصحراء إلى تونس، لطلب اللجوء هربا من أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة في بلدانهم الأصلية، بينما يتخذها آخرون محطة للهجرة غير النظامية إلى أوروبا عبر البحر.
9
آلاف و547 لاجئا، بينهم 5 آلاف و900 من الذكور، ونحو 3 آلاف و600 من الإناث
وكانت تونس شهدت موجات لجوء للآلاف من الأشخاص من بلدان عربية وأفريقية، سواء الفارين منهم من قسوة الحروب والنزاعات أو الباحثين عن أوضاع اجتماعية أفضل.
وقال المحلل السياسي نبيل الرابحي إن “دور المفوضية جمعياتي وإنساني نبيل، لكن يبقى دائما رهين القرار السياسي، باعتبارها منظمة تابعة لمنظمة الأمم المتحدة، وملف الهجرة الآن محل تفاوض بين تونس والاتحاد الأوروبي وأميركا، فضلا عن موقف إيطاليا باعتبارها المتضرر رقم واحد في الأزمة”.
وأكد في تصريح لـ”العرب”، أنه “إذا أعطي الضوء الأخضر للمفوضية حتى تقوم بما يجب القيام به، فإنها قادرة على تقديم الكثير مثلما فعلت في سوريا وتركيا وغيرهما”.
وتابع الرابحي “لقد تمت الاستجابة لمطلب الرئيس قيس سعيد بتنظيم مؤتمر دولي حول الهجرة في الثالث والعشرين من يوليو الجاري”، مشيرا إلى أن “المفوضية تنشط في تونس التي لها أرض سيادة، وتونس ترفض توطين المهاجرين، والملف لم تتضح مخرجاته حتى تتدخل المفوضية”.
واستطرد قائلا “هناك مواقف غربية وأوروبية تدفع نحو توطين المهاجرين في تونس، وما زال الملف لم يحل سياسيا حتى نذهب إلى الجانب الإنساني”.
وفي الفترة الأخيرة برزت تونس كإحدى أبرز البوابات للهجرة نحو البلدان الأوروبية، بشكل دفع السلطات إلى المطالبة بدعم خارجي لمواجهة هذه الظاهرة.
وتثير موجة الهجرة قلقا أوروبيا متصاعدا يظهر جليا في بعثاتها الدبلوماسية لدى تونس، من خلال لقاءات المسؤولين الإيطاليين والأوروبيين بنظرائهم التونسيين للتباحث حول مجابهة هذه الظاهرة المتفاقمة.
وفي أبريل الماضي، طالب المنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والاجتماعية كلا من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والدولة التونسية بمراجعة سياستهما تجاه اللاجئين.
ودعا الناطق باسم المنتدى رمضان بن عمر، في تصريح لإذاعة محلية، المفوضية إلى “مراجعة أدائها وتعبئة كل الإمكانيات لحماية اللاجئين وطالبي اللجوء والنظر بجدية في مطالبهم والقيام باستجابة إنسانية للمعتصمين أمام مقرها في العاصمة”.
وقدر مركز الهجرة المختلط عدد المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء بـ57.500 مهاجرا، 8.151 مهاجر منهم لاجئون أو طالبو لجوء.
وقال مركز الهجرة، في تقريره، الذي استند فيه على أرقام المفوضية السامية للاجئين وإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بمنظمة الأمم المتحدة، إن “هذه الأرقام لا يمكن أن تكون دقيقة 100 في المئة نظرا إلى أن عدد المهاجرين غير النظاميين لا يمكن حصره بصفة دقيقة”.
ورغم غياب الدقة، فإن الأرقام والنسب التي قدمها المعهد الوطني للإحصاء ومركز الهجرة المختلط تبدو قريبة من مثيلتها التي قدمها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مع مراعاة الفوارق الزمنية بين سنتي 2021 و2023.
وحسب تقرير المنتدى التونسي، فإن عدد اللاجئين وطالبي اللجوء في تونس وصل في عام 2023 إلى 9 آلاف و547 لاجئا، بينهم 5 آلاف و900 من الذكور، ونحو 3 آلاف و600 من الإناث، من جنسيات مختلفة أبرزها ساحل العاج وسوريا والسودان والكاميرون.
وينحدر طالبو اللجوء في تونس عام 2020 من نحو 45 دولة مقارنة بـ20 دولة في 2019، وفقا لتقرير سابق للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
وإثر اندلاع ثورة فبراير 2011 في ليبيا وسقوط نظام معمر القذافي، تدفق الليبيون على الجنوب التونسي نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية والمعيشية، واستقبل مخيم الشوشة نحو مليون شخص، بينهم 200 ألف من غير الليبيين، حسب إحصاءات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
واستقبلت تونس بداية العشرية الماضية حوالي 4 آلاف سوري، لم يبق منهم حتى نوفمبر 2021 غير 2332 لاجئا، بينهم 1159 من الإناث استنادا إلى تقرير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.