التهرب الضريبي يكبّد تونس خسائر مالية فادحة

الدولة تخسر سنويا مداخيل جبائية بقيمة 5.45 مليار دينار (1.75 مليار دولار) جراء تفاقم القطاع الموازي.
الأربعاء 2023/06/07
ظاهرة التهريب تنخر الاقتصاد

تونس – لا يزال التهرب الضريبي يكبد تونس خسائر مالية كبيرة، رغم امتلاك الدولة لترسانة من القوانين تتعلق بالعدالة الجبائية والمساواة الاجتماعية، في وقت تسعى فيه البلاد للاقتراض من الخارج من أجل إنعاش الميزانية، مقابل دعوة الرئيس قيس سعيد إلى التعويل على الذات.

وتمثل الضرائب أحد الأسلحة المهمة كونها تسهم بنحو 60 في المئة من الميزانية، ولكن في الواقع تعجز الحكومة وأجهزتها عن تحصيل الأموال من دافعي الضرائب.

وكشفت دراسة حديثة نشرها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية حول “القطاع الموازي، الإدماج والتحول والامتثال”، أن الدولة تخسر سنويا مداخيل جبائية بقيمة 5.45 مليار دينار (1.75 مليار دولار) جراء تفاقم القطاع الموازي.

وأشارت الدراسة إلى أن عدد التونسيين النشطين في القطاع الموازي بلغ 1.6 مليون مواطن، من أصل 3.6 مليون تونسي ضمن القوى النشيطة، وذلك نهاية الثلاثي الرابع من سنة 2019، وهو ما يعني أن نسبة اليد العاملة النشيطة في القطاع الموازي تساوي 44.8 في المئة من إجمالي اليد العاملة النشيطة في البلاد.

رافع الطبيب: يجب إعادة تموقع الضريبة في قلب الواجب الاجتماعي
رافع الطبيب: يجب إعادة تموقع الضريبة في قلب الواجب الاجتماعي

وتدل هذه الأرقام حسب الدراسة على أهمية القطاع الموازي من ناحية مواطن الشغل علما أنه يمثل 27.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. كما تمت الإشارة في السياق ذاته إلى أن مؤشر إنتاجية القطاع المهيكل لا يعادل إلا ضعف مؤشر إنتاجية القطاع غير الموازي وذلك باحتساب القيمة المضافة لكل عامل.

واعتبرت الدراسة أن هذا الفارق غير المتوقع على مستوى الإنتاجية بين القطاعين يؤكد ضرورة عدم التقليل من أهمية القطاع الموازي على مستوى مساهمته في الاقتصاد كدافع محتمل لدفع تجميع الأداءات، إذ باعتبار مستوى إنتاجيته فإن مردود هذا القطاع يعد عاليا نسبيا، وهو ما يفترض مساهمة عالية في القاعدة الجبائية.

وتتسبب عمليات التهرب الضريبي في تونس في خسائر تقدر بنحو 25 مليار دينار (8 مليارات دولار)، أي ما يعادل 43.3 في المئة من ميزانية الدولة لسنة 2022، و2.7 مرة حجم العجز في الميزانية، وفق مؤشرات كشفها في وقت سابق الباحث في السياسات العمومية في مجال العدالة الاجتماعية والجبائية أمين بوزيان.

وقال أستاذ العلوم الجيوسياسية بالجامعة التونسية رافع الطبيب “عندما نتحدث عن تمويل الميزانية، يجب القيام بتغيير تام وجذري للمقاربة الاقتصادية، حيث يوجد تهرب داخل الاقتصاد المحلي (التلاعب بالأرقام وعدد من أصحاب المال الذين لا يدفعون الضرائب)، وهناك تهرب ضريبي متأت من عدم قدرة الدولة على وضع يدها على القطاع الموازي”.

وأضاف لـ”العرب”، “الدولة تتجنب إلى حد الآن الدخول في صدام مع بارونات التهريب النافذين في الاقتصاد الموازي لعدة أسباب، والرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي كان يعتبره مجالا اجتماعيا مشغّلا، لكن في عهد حكم النهضة تم إبرام تحالف مع السوق الموازي، ورأينا قوة ذلك التحالف بعد إجراءات الرئيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو 2021 عبر المضاربة والاحتكار ومحاولات ضرب السوق”.

ودعا رافع الطبيب الدولة إلى “ضرورة تغيير طرق تعاملها مع المهربين في القطاع الموازي وضربه، لأن التهريب يعد أهم رافعة له، إلى جانب الوصول إلى اتفاق مع أصحاب القطاع مفاده أن الدولة لا تقبل البقاء في هذه الوضعية، مع ضرورة تنظيم حوار مجتمعي حول طرق استهلاك السلع وتجنب التعامل مع السلع التركية المهربة وغيرها، وإعادة تموقع الضريبة في قلب الواجب الاجتماعي”.

وقال “من المؤكد أن استرجاع هذه الأموال، سيمكن من إنعاش الخزينة، ووجب أيضا تخفيف الضغط على نفقات الدولة ومراجعة التعيينات بعد 2011”.

وفي وقت سابق، تصاعدت دعوات إلى وضع ميثاق جبائي لمكافحة التهرب الضريبي في تونس، في ظل محدودية النتائج المحقّقة بشأن التصدي للظاهرة التي تنخر الاقتصاد الذي يعاني انهيارا غير مسبوق منذ عقود.

وانتقد مرصد الشفافية والحوكمة الرشيدة، قانون المالية لسنة 2023، معتبرا أنه “لم يشذّ عن سابقيه من قوانين المالية المضرة التي عمّقت الهوة بين من يدفعون الضريبة ومن يتهربون من دفعها”.

واعتبر أن قوانين المالية أغرقت تونس في المديونية ووضعتها تحت وصاية الجهات الأجنبية المقرضة وحصنت المهربين والمتهربين من دفع الضريبة، وساهمت في قتل عدد كبير من المؤسسات الاقتصادية التي صرحت بوجودها نتيجة للضغط الجبائي الكبير الذي يعد الأعلى اليوم في أفريقيا، حسب آخر الإحصائيات المنشورة من قبل منظمة التعاون والتنمية في المجال الاقتصادي.

27.4

في المئة نسبة القطاع الموازي من الناتج المحلي الإجمالي

ويعد الضغط الجبائي في تونس الأعلى بين الدول العربية، ويعد ضعف الأجهزة الرقابية وفوضى السوق الموازية والتهريب من أهم أسباب عجز الدولة عن تحصيل أموال قد تغني عن اللجوء إلى الاقتراض الخارجي في كل مرة تختنق فيها المالية العمومية.

وتواجه تونس ضغوطا للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج قرض قيمته 1.9 مليار دولار، مقابل حزمة إصلاحات جوهرية للاقتصاد. ولكن الخلاف يحوم حول مراجعة نظام الدعم بالحد منه أو إلغائه، وهو ما رفضه سعيد، محذرا من ضرب السلم الأهلية في تونس.

ويشدّد الرئيس سعيد على ضرورة التعويل على الذات، ويؤكد من مناسبة إلى أخرى أن الحل يكمن في العمل وخلق الثروة ومساهمة كل الأطراف مساهمة حقيقية تقوم على الشعور المفعم بالمسؤولية وبالانتماء إلى الوطن، وبحق كل التونسيين والتونسيات في أن يعيشوا محفوظي الكرامة في دولة محفوظة الكرامة ومحفوظة السيادة.

كما يؤكد أن تونس لن تقبل بأيّ إملاء من الخارج، ويقول إن “تونس تعجّ بالخيرات ولا تفتقر للكفاءات في داخلها وخارجها”.

وفي وقت سابق، أكد تقرير للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن التهرب الجبائي يشكل تقريبا نصف قيمة موارد الميزانية التي تبلغ في المتوسط 17.5 مليار دولار، أي ما يعادل أقل بقليل من نصف الناتج الإجمالي المحلي، والذي يبلغ 40 مليار دولار.

وتضررت المالية العامة للبلاد جراء سوء إدارة الحكومات المتعاقبة خلال العشرية الماضية، فضلا عن الانعكاسات السلبية لجائحة كورونا على مجمل النشاط.

ومنذ 2011، تواجه الدولة معضلة في تعزيز إيراداتها لمواجهة الاختلالات المالية المتزايدة، وخاصة في ما يتعلق بوضع حدّ للتهرب الضريبي الذي كبّد خزينة الدولة خسائر كبيرة، وفي ظل ضغوط داخلية وخارجية لاعتماد إصلاحات عاجلة.

4