الصحافة الحزبية في مصر تسعى للتأثير وسط تعقيدات قانونية

الاستجابة لمطالب الأحزاب بإقرار تسهيلات لإنشاء صحف لا تتم دون إرادة سياسية.
الجمعة 2023/05/26
الاصطفاف الدائم لا يفيد

توحي التحركات الراهنة من جانب بعض الأحزاب السياسية في مصر بإمكانية عودة الصحف الحزبية إلى المشهد مجددا، حال تعاملت الحكومة بجدية مع المطالب التي حددها حزبيون وتتعلق بتعديل التشريعات الخاصة بحرية إصدار الصحف الإلكترونية الحزبية، وعودة المغلق منها بشروط مرنة، والسماح للأحزاب بتلقي مساعدات للإنفاق على إعلامها.

القاهرة - استحوذ الحديث عن الإعلام الحزبي على مشاورات الكثير من القوى السياسية في مصر، وتقدمت أحزاب بطلبات لتعديل المواد المنظمة لإصدار منصات إعلامية بقانون الأحزاب السياسية، لأن استمرار القيود المالية والتنظيمية المتعلقة بإصدار مواقع إلكترونية للأحزاب يقود إلى استمرار غيابها عن التأثير في المشهد الإعلامي.

وترى الأحزاب أنه مع التطور التكنولوجي وثورة المعلومات أصبحت الصحافة الورقية غير ذات جدوى، وحلت مكانها مواقع وتطبيقات إلكترونية، نظم إصدارها وتشغيلها قانون تنظيم الصحافة والإعلام، لكنه لم يتطرق إلى المواقع الإعلامية الحزبية، وبات إنشاء صحف إلكترونية حزبية أمرا صعبا في ظل التشريعات القائمة.

وتطالب الكثير من القوى الحزبية بضرورة أن تكون الشروط المرتبطة بإصدار الصحف التابعة للأحزاب بسيطة وسهلة وغير معقدة، ولا تتكلف مبالغ مالية طائلة، كون وسائل الإعلام الحزبية غير هادفة للربح، ومع ذلك تنطبق عليها شروط منح الترخيص التي تكلف الملايين من الجنيهات كرسوم لإصدارها، وهذا ما لا يتناسب مع الأوضاع المالية في الكثير من الأحزاب.

وشملت المطالبات ضرورة تعديل بعض نصوص قانون الأحزاب ليكون لكل حزب سياسي قائم الحق في إصدار جريدة أو صحيفة إلكترونية أو أكثر للتعبير عن آرائه ومواقفه وتصوراته، ويصل من خلالها إلى الجمهور، وتناول قضاياه بشكل متوازن دون التقيد بالحصول على الترخيص بمبالغ مالية ضخمة كرسوم للإصدار أو كشروط للعمل وفق غطاء شرعي.

يحيى قلاش: عودة الصحف الحزبية إلى المشهد مرتبطة بعوامل كثيرة
يحيى قلاش: عودة الصحف الحزبية إلى المشهد مرتبطة بعوامل كثيرة

واشتكت بعض القيادات الحزبية من عدم تحديد مساحات صحفية وزمنية بوسائل الإعلام المرئي والمسموع لتقوم الأحزاب بالترويج لنفسها ولبرامجها، ما يجعلها بعيدة عن الشارع ومجهولة بالنسبة إلى الكثير من المواطنين، كما لا يتيح لها هذا التغييب الإعلامي أن تتحدث بلسان الجمهور وتقوم بتوصيل مطالبه إلى صانع القرار.

وتقوم الرؤية الحالية على أنه طالما أن الإعلام المصري لا يقف على مسافة واحدة من كل الآراء والكيانات، فالمطلوب من الحكومة أن تمنح تسهيلات غير تقليدية للأحزاب في عودة إعلامها، والمهم أن يكون ذلك بالتزامات مالية تسمح بها موازنات الأحزاب لا أن يكون الكيان بلا عوائد وتطلب منه مبالغ طائلة نظير امتلاكه وسيلة إعلامية. وعانت الكثير من الصحف الحزبية في مصر من مشكلات مادية وتحريرية أدت إلى إفلاسها وإغلاقها وانصراف عدد كبير من المحررين والعاملين فيها، ما ترتب عليه هجرة الجمهور لها، وأبرزها صحيفة “الوفد” الناطقة باسم حزب الوفد الليبرالي، و”الأهالي” التابعة لحزب التجمع اليساري، و”الكرامة” الصادرة عن حزب الكرامة، فيما لا تزال الاتهامات تطارد الحكومة بأنها تقف وراء اختفاء الصحف الحزبية.

ودافع رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ونقيب الصحافيين السابق والمنسق العام للحوار الوطني ضياء رشوان في تصريحات إعلامية الأحد، عن الحكومة، مؤكدا أنها بريئة من استمرار غلق الصحف الحزبية لأنها أقفلت بيد أصحابها، مع أن الدولة ما زالت تتحمل معاشات ورواتب المحررين الذين كانوا يعملون فيها من خلال الأموال التي تمنحها وزارة المالية لنقابة الصحافيين.

وقال رشوان القريب من النظام المصري، إن جزءًا من أسباب إغلاق الصحف الحزبية ارتبط بعدم وضوح هوية من يقود هذه الكيانات (يقصد الأحزاب)، ولا مانع من عودتها، لأنها صارت تمثل عبئا على الحكومة وسط ما تتحمله نقابة الصحافيين من إعانات ومعاشات ورواتب تصرف كبدل بطالة للصحافيين الحزبيين، لكن الأمر بحاجة إلى نقاشات وضوابط أعمق قبل تعديل التشريعات.

ويرى خبراء إعلام أنه سيكون من الصعب الاستجابة لمطالب الأحزاب بمنحها تسهيلات مالية وإدارية وتنظيمية لتعود صحفها التي أُغلقت دون وجود نية وإرادة سياسية لدى الحكومة لفتح المناخ العام، ومنح الأحزاب حرية الحركة على الأرض، طالما أن الكثير من الصحف الحزبية ظلت منغصا لدوائر صناعة القرار في تطرقها إلى ملفات وقضايا جريئة لا ترغب الحكومة في فتحها.

ويعمق خنق الأحزاب بشروط مالية تعجيزية نظير إصدار صحيفة ورقية أو موقع إخباري الأزمات الاقتصادية الطاحنة ويقود إلى تغييب الإعلام الحزبي، أما لو كانت الحكومة جادة في تحقيق التوازن الإعلامي والسماح بالرأي ونظيره المعارض، فإنها ستمضي بشكل جاد في إقرار تعديلات تشريعية تتيح حرية إصدار الصحف للأحزاب، وتعيد المغلق منها دون شروط معقدة.

وتظل هناك إشكالية أكثر تعقيدا ترتبط بفكرة التبعية أو ارتباط الصحيفة بالحزب بجميع توجهاته وسياساته، وهي أكثر المعضلات التي تسببت في غلق هذه المؤسسات الإعلامية، وقضت على شعبيتها، لأن الكثير من قيادات الأحزاب كانوا يقومون برسم السياسة التحريرية للصحيفة التابعة لهم، ولو كانت تتعارض مع القواعد والتقاليد المهنية، وهو ما حوّلها إلى صحافة موجهة ودعائية.

ضياء رشوان: جزء من أسباب إغلاق الصحف الحزبية ارتبط بعدم وضوح هوية من يقود هذه الكيانات
ضياء رشوان: جزء من أسباب إغلاق الصحف الحزبية ارتبط بعدم وضوح هوية من يقود هذه الكيانات

وكان ضعف الأحزاب سببا رئيسيا في تغييب الصحف الحزبية بعد أن دار أغلبها في فلك النظام بمدح توجهاته وسياساته، ما زاد من أزماتها، رغم أنها كانت فاعلة في التمهيد لثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، ونجحت في تجييش الشارع ضد السلطة، لكن من بعدها اختفت بشكل مفاجئ عقب حالة تكميم الأفواه وتأميم الحياة السياسية والهيمنة على الإعلام، في الفترة التي أعقبت رحيل نظام الإخوان.

وظلت الصحف الحزبية قبل اندثار معظمها لسان مختلف الفئات المعارضة وتخشاها الحكومة بمؤسساتها، لأنها أخذت مساحة واسعة من اهتمامات القراء إلى الدرجة التي وصلت فيها بعض هذه الصحف (الوفد مثلا) لتكون أهم وأقوى من الحزب في الشارع، وأطلق عليها “صحف بلا أحزاب” من شدة جرأتها وتناولها ملفات حيوية كانت تجبر دوائر صناعة القرار على التجاوب معها.

وقال يحيى قلاش نقيب الصحافيين السابق لـ”العرب” إن عودة الصحف الحزبية إلى المشهد مرتبطة بعوامل كثيرة منها مناخ الحريات ووجود قناعة لدى الحكومة بحتمية تحقيق التوازن بين الصوت الرسمي ونظيره المختلف معه، وهذا يتطلب أيضا صحافة مستقلة تتبنى طموحات وتطلعات الشارع ولا تنزوي بعيدا عن مواجهة المشكلات الملحة.

وأضاف أن إحياء دور الصحافة الحزبية يحتاج إلى وجود قناعة بعدم جدوى الاصطفاف الإعلامي طوال الوقت، ولا بديل عن صحافة الرأي الآخر، مع ضرورة إتاحة تدبير موارد للحزب لأن تمويل صحيفة حزبية من كيان يعاني أزمة مالية قد يحولها إلى نشرة سياسية لا تهم القارئ، لافتا إلى أن جزءا من الإصلاح السياسي أن تكون هناك صحافة حزبية قوية لديها قدرات مالية تتيح لها التحرك باستقلالية.

ومنعت تعديلات قانون الأحزاب التي تم إقرارها عقب ثورة الثلاثين من يونيو 2013 الأحزاب من أي نشاط اقتصادي يدر عليها ربحا، ما مهد لضرب الصحافة الحزبية في مقتل وأضعف توزيعها، مقابل مواد مالية ضخمة تم تخصيصها للإنفاق على صحف وقنوات حكومية.

وتعد الإشارات التي وصلت الأحزاب السياسية بعدم وجود ممانعات لدى الحكومة من إقرار تعديلات تشريعية تسمح للحزب بأن تكون لديه أنشطة استثمارية في الإنفاق على وسائل إعلامه، بادرة طيبة بأن السلطة ماضية في طريق الإصلاحات السياسية والإعلامية، المهم أن تكون الأحزاب جادة ولا تتحول إلى كيانات مملوكة لأصحابها.

5