"رصد" معرض جماعي يوثق لحظات الحياة العابرة

لوحات تستفز اللبنانيين لإعادة النظر في العادي والمألوف في حياتهم .
السبت 2023/05/13
لحظات خالدة في ذاكرة الفنان

تبدو تفاصيل الحياة اليومية أشياء روتينية قد لا تثير فكر المشاهد ولا رغبته في التحليل وإعادة فهم ما يدور من حوله. وحول هذه الفكرة اجتمع فنانون لبنانيون ليقولوا للمتلقي بلوحاتهم ذات الأساليب المختلفة إنه لا مفر من إعادة النظر في كل ما يدور من حوله ومحاولة توثيق اللحظات العابرة والمثيرة.

في إطار مهرجان الربيع الذي تقيمه البترون اللبنانية كل سنة في مثل هذا الوقت افتتحت “دار المنى” للفنون يوم الثامن والعشرين من أبريل الفائت معرضا جماعيا يستمر حتى الرابع من يونيو القادم. يضم المعرض مجموعة كبيرة من الأعمال التي أنجزها فنانون راوحت إنتاجاتهم بين الفن التشكيلي، والميكست ميديا والتجهيز الفني والتصوير الفوتوغرافي والفيديو آرت. 

والجدير بالذكر أن “دار المنى” هي مركز فني يقع في قلب منطقة البترون في فيلا واسعة وبديعة يعود تأسيسها إلى سنة 1860. وتنشط “دار المنى” منذ عدة سنوات في تقديم شتى أنواع الفنون. أما العراب والقيم على تنظيم وتحقيق هذا المعرض فهو منظمة “باي إكس أرت” الفاعلة في الوسط الفني منذ سنة 2022.  جاء عنوان المعرض من معجم التصوير الفوتوغرافي الفرنسي “كابتور” ويعني عملية التقاط الصور الفوتوغرافية. 

معرض يحض الجمهور على إعادة اكتشاف ذكرياته والتمعن في تجاربه الشخصية وإعادة تذوق الأشياء البسيطة والعادية
معرض يحض الجمهور على إعادة اكتشاف ذكرياته والتمعن في تجاربه الشخصية وإعادة تذوق الأشياء البسيطة والعادية

ويشارك في المعرض، الذي افتتحته “دار المنى” بتنظيم مجموعة “باي إكس أرت” تحت عنوان “رصد”، فنانون لبنانيون وأجانب، منهم طوم يونغ، وهو إنجليزي الجنسية ويعيش في لبنان وبات منذ أكثر من عشر سنوات “محسوبا” على الفنانين اللبنانيين، إذا صحّ التعبير. له معارض فردية عديدة ومشاركات في معارض داخل وخارج بيروت، منها ما انعقد في لندن وباريس وقطر ونيويورك. أما الفنانون المشاركون الآخرون فهم م.س. مالهاس وهادي بيضون وديانا عساكر وماري – جو أيوب وألبير نعمة وإدي شويري وألبير موسى وسابين صفير وسولا سعد.

ويشير البيان الصحفي المرافق للمعرض الجماعي إلى أن موضوع الأعمال الفنية هو الأشياء واللحظات والأمور العابرة والتقاط الفنان لها عبر حفظها في عمل من أعماله بأسلوبه الفني الخاص.

ويحض القيمون الجمهور والمتابعين، عبر هذا المعرض، على “إعادة اكتشاف ذكرياتهم والتمعن في تجاربهم الشخصية وإعادة تذوق الأشياء البسيطة والعادية التي عرفوها في حياتهم وإن كان ذلك بساطة نسمة صيف دافئة أو طعم قطعة حلوة طيبة تناولوها وهم لا زالوا أطفالا”. 

عنوان المعرض فضفاض نوعا ما، إذ أن كل ما تلتقطه عين الفنان هو “لقطة”، وهو أيضا شيء أو أمر “عابر” مما يجعله مشتبكا مع مشاعر وأفكار متناقضة تلامس الكثير منها ضفاف عاطفية لا لبس فيها. كل شيء عابر لأنه مرتبط بالوجود على هذه الأرض أو متعلق بما يومض في خيال الفنان عما هو خارج أو بعد هذا الوجود المادي. كما أن كل فنان موهوب يثمن اللحظات العادية، حتى تلك التي لا ينتبه إليها عادة الشخص العادي. غير أن قوة العنوان تكمن في أنه واسع يشمل تجارب وأفكارا فنية مختلفة مهما تباعدت من ناحية التقنيات والمواقف الوجودية.

ما أورده الفنان التشكيلي طوم يونغ الذي اشتهر بلوحاته التي تناولت البيوت التراثية في بيروت وخارجها قبل انفجار 4 أغسطس 2020 وبعده، وقبل الانتفاضة اللبنانية وبعدها، يشكل أهمية كبيرة لأنه يختصر فكرة أن ما من شيء لا يستحق التمعن فيه، كما ما من شيء ليس بعابر وهو في عز انصهاره مع الذكريات الشخصية والجماعية على حد السواء. 

ومما أورده الفنان ما قاله يوما ما الفيلسوف آلان واتس في أحد مؤلفاته “لا يمكنك أن تقارن بين تجربة في الحاضر وتجربة سابقة. كل ما بوسعك هو أن تقارنها بذكرى تجربة سابقة هي من ناحية أخرى جزء من الحاضر. عندما تتيقن من أن الذكرى هي شكل من أشكال التجارب الشخصية تدرك حينها أن كل ما هنالك هو تجربة”.

بتلك الكلمات يمكن النجاح في وضع كل الأعمال الفنية المعروضة  تحت لواء القبض على اللحظات الهاربة الحاضرة أكثر من الماضية. 

مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية
مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية

ومن الفنانين المشاركين في المعرض نذكر أيضا الفنانة السينمائية سولا سعد التي انطلقت في مجال الأفلام الوثائقية لاعتقادها أن “النظر من خلال نافذتي المُطلّة على الواقع يتخطى بأهميته أي خيال”. أما الفنانة سابين صفير فقد قدمت صورا فوتوغرافية بالغة الشاعرية لخفقان أجنحة الحمام وأجسادها المعلقة بين السماء والأرض. وتحيلنا صورها إلى ما قاله يوما المفكر الفرنسي غاستون باشلار “صوت الحمام هو أنين أهل الأرض”.

ويذكر البيان الصحفي أن الصور التي رصدت فيها حركة طيور الحمام والتي قدمتها في المعرض التقطتها في فترة انتشار وباء كورونا من خلال شرفتها. 

وتشارك الفنانة م. س. مالهاس بمجموعة أعمال تختصر نظرتها إلى الفن وإلى الواقع على حد السواء. هي أعمال تضج بالحياة، تحاول الفنانة من خلالها القبض على اللحظات السعيدة الهاربة من ضمن عالم تكثر فيه الأحزان. 

ويحضر في أعمال الفنانة المزج الطريف بين الخط العربي والأشكال والشخصيات الكرتونية.

أما الفنانة ماري – جو أيوب فهي معروفة باختيارها للفن الجداري وليس بالضرورة فقط فن الغرافيتي، وتتميز أعمالها بانشغالها بالشؤون الاجتماعية وإيصال أفكارها المتعلقة بها عبر الفن. وتذكر أن من أكثر المشاريع الفنية العزيزة على قلبها تلك التي تعاونت فيها مع مجموعة من الأطفال الذين عاشوا كارثة انفجار مرفأ بيروت.

الفنان هادي بيضون هو أيضا مشارك في المعرض. وهو يعتبر أن الفن هو قبل أي شيء ثورة، وأن جلّ ما يقدمه ينطلق من رغبته في تحويل الأفكار من خلال الخطوط والألوان إلى أعمال فنية. هو فنان يعمل في مجالات فنية عديدة منها التصوير الفوتوغرافي والوشم وفن الديجيتال والنحت والفن الأدائي الذي يشمل البصري والسمعي فيكون أثره كبيرا في كل من حضر.

وتقدم الفنانة ديانا عساكر مجموعة من اللوحات التي يمكن تسميتها بالاحتفالية لزهوة الألوان النابضة فيها. وتذكر الفنانة أن الأعمال التي تشارك بها هي من المجموعة التي أنجزتها خلال فترة الحجر الصحي وتعبر فيها عن حنينها إلى الأيام والليالي التي كانت تجتمع فيها مع الأصحاب في المقاهي.

13