السيسي يستبق تهاوي العملة المصرية وغضب البسطاء بزيادة المعونات

القاهرة- أظهر غياب الاحتفاء الجماهيري في مصر بقرارات الحماية الاجتماعية التي كلف الرئيس عبدالفتاح السيسي الحكومة بتفعيلها، حجم المخاوف الشعبية من تبعات الخطوة، وعدم جدوى المساعدات الحكومية في ظل عدم كفاية أي دعم نقدي أو عيني يتلقاه البسطاء لمواجهة موجات الغلاء المتصاعدة وتدهور مستوى المعيشة.
وأعلن محمد معيط وزير المالية المصري الأحد أن السيسي أمر بزيادة موازنة الدعم والحماية الاجتماعية من 358.4 مليار جنيه إلى 529.7 مليار جنيه، أي بزيادة نسبتها 48.8 في المئة للتخفيف عن المواطنين، بما يُمكّن الدولة من التوسع في شبكة الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر احتياجا، والارتقاء بمستوى معيشتها.
وتستهدف الحكومة المصرية من زيادة مخصصات برامج الحماية الاجتماعية امتصاص غضب محتمل من البسطاء في ظل شعور عام بين الكثير من الفئات والطبقات بالعجز عن توفير الحد الأدنى من المستوى المعيشي اللائق وعدم قدرتها على توفير احتياجاتها أمام انفلات الأسعار وإخفاق المؤسسات الرسمية في التوصل إلى حلول جذرية.
◙ ما يخشاه البسطاء أن تكون مساعدات الحكومة بالدعم وبرامج الحماية مقدمة لموجة غلاء لا يستطيعون تحمّلها
وتعتقد دوائر مصرية أنه يصعب فصل توجه الحكومة نحو زيادة مخصصات الدعم والحماية الاجتماعية عن التوقعات المرتبطة بانهيار جديد لسعر الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، وسط مطالب من قبل صندوق النقد الدولي بحتمية اتخاذ قرارات تتعلق بخفض جديد في قيمة الجنيه لإنقاذ الاقتصاد المحلي من التدهور.
وتخشى القاهرة تبعات التخفيض الجديد لسعر الجنيه، وما سيترتب عليه من زيادات غير مسبوقة في أسعار السلع والخدمات بشكل يجعل البسطاء ومتوسطي الدخل غير قادرين تماما على تلبية احتياجاتهم، وما قد يسببه ذلك من تصدعات سياسية وتوترات في الشارع لعدم قدرة الناس على تحمل المزيد من الصعاب.
ويربط كثيرون بين الزيادات التي تم إقرارها في الدعم وبرامج الحماية الاجتماعية وبين محاولات الحكومة لامتصاص غضب الشارع قبيل القرارات الاقتصادية الصعبة المرتقب تطبيقها خلال أيام قليلة، وكانت مؤجلة من شهر رمضان، لرفض دوائر سياسية وأمنية تحميل الناس المزيد من الأعباء خلال فترة الصيام، وما يمكن أن يجلبه ذلك من أزمات شديدة التعقيد.
ويبدو الكثير من المواطنين غير مرتاحين أو غير مطمئنين للقرارات التي أعلنتها الحكومة للتخفيف عنهم، فهي وإن ظهرت منحازة إليهم ببرامج الحماية الاجتماعية فإنها تخطط لاتخاذ قرارات مؤلمة، أو لن تكون قادرة على الصمود طويلا، لأن الفجوة بين المساعدات والغلاء تحتاج إلى ميزانية ضخمة لتجسيرها.
وقال عماد السيد، وهو معلم ورب أسرة متوسطة الدخل وتضم أربعة أبناء، لـ “العرب” إن “ما يخشاه البسطاء أن تكون مساعدات الحكومة بالدعم وبرامج الحماية مقدمة لموجة غلاء لا تستطيع الشريحة الأكبر تحملها، والمعضلة أنه لم تتم مصارحة الناس وإبلاغهم بحقيقة ما يحدث في الملف الاقتصادي”.
وتتعارض مداومة الحكومة على تقديم المزيد من المساعدات النقدية والعينية لمحدودي الدخل مع توجهاتها لترشيد الدعم، لاسيما أن الرئيس السيسي أبدى امتعاضه من استمرار هذا الإرث، مؤكدا أن الأنظمة السابقة تمسكت بالدعم لأهداف سياسية، و”لن يتردد في تحجيمه وترشيده”.
وتدرك الحكومة جيدا خطورة تجاهل البسطاء أو عد وضعهم في الحسبان بسبب الغلاء وصعوبات المعيشة وعدم قدرة شريحة كبيرة على توفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة، فهؤلاء أكثر ما يعنيهم الحفاظ على السلع المدعومة، والمساس بها خط أحمر وقد تكون له تبعات سياسية يصعب علاجها.
وتشير تكليفات السيسي للحكومة بشأن برامج الحماية الاجتماعية إلى تعاظم المخاوف من الاقتراب كثيرا إلى ورقة الدعم، خاصة أن الحكومة كانت أعلنت قبل أسابيع عن قرارات لمساندة البسطاء يتم تطبيقها خلال ستة أشهر فقط، لكن التوجيهات الجديدة استقر الأمر على استدامتها وعدم ربطها بسقف زمني محدد.
ويرى مراقبون أن القرارات إيجابية، وتعكس شعور الحكومة بخطورة التراخي في أداء دورها المجتمعي، لأن الدولة في عهد أنظمة سابقة عندما تخلت عن دورها في مساندة الفقراء تسللت جماعات الإسلام السياسي إليهم لتعويض غيابها، والآن تستثمر نفس التيارات غضب البسطاء لإثارة الشارع من جديد.
وأوضح كريم العمدة، الباحث المتخصص في الاقتصاد السياسي، أن إجراءات الحماية الاجتماعية رسالة طمْأنة من الدولة تفيد بأنها قوية وقادرة على بناء جدار صلب يؤمّن حياة البسطاء بعد محاولات تيارات معادية تستهدف بث الإحباط في نفوس الناس بدعوى أن الدولة تنهار اقتصاديا، لكن الخطوة يصعب أن تحقق غرضها، فالغلاء يستفحل ومساعدات الحكومة لن تكفي.
وأكد لـ”العرب” أن “الحكومة تتعامل مع ملف الدعم وبرامج الحماية الاجتماعية بشكل خاطئ، وتأخر توقيت التضحية بها أو تعديلها، لأنها تقدم حلولا كمسكنات دون علاج جذري، وهذا يمهد لأزمة اقتصادية طاحنة، فهناك قاعدة شعبية كبيرة تآكلت وكانت تعول عليها الحكومة في مواجهة التحديات والخصوم”.
◙ السيسي أمر بزيادة موازنة الدعم والحماية الاجتماعية من 358.4 مليار جنيه إلى 529.7 مليار جنيه، أي بزيادة نسبتها 48.8 في المئة للتخفيف عن المواطنين
ويوحي الغضب المتصاعد من محدودي الدخل ومن انضموا إليهم من الطبقة المتوسطة بأن الحكومة أخفقت في إدارة العلاقة معهم بعدما ظنت أنه يمكن احتواء غضبهم بمضاعفة المساعدات، لكنها لا تزال مستفزة وتسير عكس اتجاه قراراتها، فهي تطالب الناس بالصبر والتقشف ثم تنفق مبالغ مالية ضخمة على قطاعات ترفيهية.
ويتوقع متابعون أن تكون المساعدات الجديدة من الحكومة محاولة لعدم إثارة منغصات سياسية لها بتكرار طرح تساؤلات مرتبطة بالمشاريع التنموية وغياب الأولويات، وترغب في إسكات الفئة المتضررة اقتصاديا بزيادة الدعم المقدم إليها، طالما أنها لا تكلّ من الحديث عن ربط سوء المستوى المعيشي بالتوجهات التنموية للسلطة.
وتتعرض الحكومة لانتقادات حادة دون أن تتراجع أو تقدم تفسيرات واضحة لخططها التنموية وتصر على مواصلة العمل في المشاريع القومية التي تم الشروع في تنفيذها منذ سنوات، ومباشرة مشاريع جديدة بحجة التطوير دون إعادة ترتيب الأولويات للتعاطي بجدية مع الأزمة الراهنة والنظر إلى معاناة الناس.
وبغض النظر عن الدوافع السياسية التي تقف خلف تحميل موازنة الدولة أعباء مالية ضخمة لحماية البسطاء، من الواضح أن الحكومة مصرّة على عدم الانسحاب من دعم الشريحة الأكبر في المجتمع مهما بلغت حدة الأزمة الاقتصادية، لأن أي تفكير في الخطوة، ولو بشكل تدريجي، يحوي مجازفة محفوفة بالمخاطر، عندما تدخل في مواجهة مع الملايين من الأسر التي أصبحت تمثل للنظام آخر القواعد الشعبية التي يمكن التعويل عليها إذا حدثت تصدعات أمنية وسياسية.