هل يلتزم المساندون لمسار 25 يوليو بسلوكيات تخدم الدولة لا المصالح الحزبية

مخاوف من سعي الكتل البرلمانية التونسية لكسب مواقع تحت غطاء دعم الرئيس.
الأحد 2023/04/16
البرلمان المنحل ساحة لتصفية الحسابات والمصالح الضيقة

يأمل التونسيون مع بداية أشغال برلمانهم المنتخب حديثا القطع مع ممارسات البرلمان السابق الذي كرس المصالح الحزبية والشخصية للكتل البرلمانية. ويتوجس التونسيون من أن تعيد الأحزاب المشكلة للبرلمان الجديد عقارب الساعة إلى الوراء تحت غطاء دعم رئيس الجمهورية قيس سعيّد.

تونس - طرحت التغييرات الطارئة على المشهد السياسي في تونس في الفترة الأخيرة تساؤلات بشأن مدى قدرة الأحزاب المساندة لمسار 25 يوليو على تكريس “ديمقراطية نظيفة” بعيدا عن توظيف المال السياسي وخدمة الأجندات الخاصة، أم أنها تسعى للسيطرة عبر كسب المواقع في السلطة واختراق المؤسسات تحت غطاء دعم الرئيس قيس سعيّد.

ورحّبت الأحزاب المساندة للمسار وأبرزها حراك 25 يوليو والتيار الشعبي، وحركة الشعب، وحركة تونس إلى الأمام، ومبادرة لينتصر الشعب، بملامح المرحلة السياسية الجديدة التي قادها الرئيس سعيّد.

وترى تلك الأحزاب أنها تتفق مع الرئيس سعيّد في فكرة القطع مع ممارسات المنظومة السابقة، من ضمنها النظام البرلماني الذي نص عليه وكرسه دستور 2014 وما خلفه من مناكفات وصراعات على الأدوار والصلاحيات، فضلا عن التعامل مع السلطة بمنطق الغنيمة، ما أدى إلى تعطيل عدة مسارات.

وأعلن حراك 25 يوليو (حركة شباب تونس الوطني)، أنّه تمّ سحب الثقة من مؤسسة الحزب سجيعة بن منصور بديدة وذلك بعد أن تم توجيه مكتوب رسمي إلى رئاسة الحكومة واستكمال جميع الإجراءات القانونية اللازمة وفق نص محضر جلسة عقدت الاثنين.

نبيل الرابحي: مشهد الأحزاب في العشرية الماضية لن يتكرر
نبيل الرابحي: مشهد الأحزاب في العشرية الماضية لن يتكرر

وأوضح الحزب أن سحب الثقة من بديدة يأتي بسبب “استلامها أموالا وحوالات مالية على حساب الحزب من جهات غير معلومة ومن رجال أعمال ولديها قضايا مودعة لدى المحاكم في الغرض”.

وقال القيادي في الحراك عصام بن عثمان إن رئيس الحزب ثامر بديدة قرر تعيينه نائبا لرئيس الحراك.

وأكد في تصريح لإذاعة محلية أنه “تم إنهاء تكليف مؤسسة الحزب سجيعة بديدة من مهامها كأمينة عامة مساعدة ونائبة رئيس الحزب لأسباب عائلية باعتبارها شقيقة أمين عام الحزب ثامر بديدة”، مشددا على أن “الاتهامات الواردة في محضر الجلسة المذكور في حق الأمينة العامة المقالة هي كلام الأمين العام ثامر بديدة ولا علم لقيادات الحراك بها”.

وكان الحراك قد دعا الصحافيين إلى ندوة صحافية صباح الثلاثاء، لكنه أعلن عن إلغائها في ما بعد. كما أعلن عدد من قيادات حراك 25 يوليو منذ أيام على غرار رئيس المكتب السياسي عبدالرزاق الخلولي والمتحدث باسم الحراك محمود بن مبروك انسلاخهم عن الحزب وتأسيس حزب جديد تحت اسم “مسار 25 يوليو الوطني”.

وتراهن الأطراف الداعمة للمسار على غرار مبادرة “لينتصر الشعب” على إعادة بناء الأسس السياسية في تونس بمفاهيم جديدة تقطع مع ما شهدته المنظومة السابقة من صراعات وخلافات، اهتمت بالمصالح الشخصية وأهملت القضايا الجوهرية للفئات الشعبية.

ويقول هؤلاء إن المؤسسة التشريعية الجديدة ستكون مغايرة لشكل البرلمانات السابقة، خصوصا في ظل وجود دستور جديد وتوجه رسمي للقيام بجملة من التعديلات التشريعية على نطاق واسع تتماشى مع جوهر دستور 25 يوليو 2022، وتؤسس لمسار ديمقراطي نزيه.

المنذر ثابت: مسألة الوطنية ونظافة اليد ستعود إلى الواجهة من جديد
المنذر ثابت: مسألة الوطنية ونظافة اليد ستعود إلى الواجهة من جديد

وأفاد عضو مبادرة “لينتصر الشعب” نبيل الرابحي أنه “إلى حدّ الآن لا يوجد إلا التيار الشعبي الذي ساند لحظة ومسار 25 يوليو، على خلاف بقية الأحزاب من التيار القومي واليسار، وما يطرحه الرئيس من فكر سياسي يختلف على ما قبل ذلك الموعد”.

وتساءل في تصريح لـ”العرب”، “هل أن الديمقراطية ما زالت تتركز على الأحزاب؟”، مضيفا “الحياة السياسية بمفهومها القديم كانت تقوم على الغنيمة، ورأينا حزب التيار الديمقراطي عندما ساند المسار وكان يسعى لتحقيق مطامع سياسية، وبالتالي المقاربة تغيرت كليّا مع الرئيس سعيد وأصبحنا نتحدث عن الحكم المباشر وهذا يتجسد خصوصا في مجالس الأقاليم والجهات”.

وأكد الرابحي أن “مشهد الأحزاب في العشرية الماضية لن يتكرر، والبرلمان لن يتدخل في لائحة لوم أو تشكيل حكومة، وهذه أمور أصبحت من مشمولات الرئيس، كما أن البرلمان الحالي متّفق حول جوهر مسار 25 يوليو”.

وفي المقابل، ترى أطراف سياسية أن التشكيلات السياسية الجديدة والكتل البرلمانية التي أفرزتها الانتخابات التشريعية الأخيرة، يمكن أن تنسج على منوال الأحزاب السابقة التي تمكّنت من السلطة وطوعتها خدمة لمصالحها، لكن الظرفية تغيرت باعتبار أن هذه الكتل تتلاقى في فكرة دعم مسار 25 يوليو ومساندة قرارات الرئيس سعيد.

ويرى المحلل السياسي المنذر ثابت أن “الأحزاب هي مزيج متفاوت وغير منسجم، فيها من هو قديم ومن هو جديد ومن هو شرعي وآخر مشكوك في شرعيته، وهذه التشكيلات السياسية مساندة لمسار الرئيس سعيد، ويمكن أن تؤسس ديناميكية جديدة ليست بالضرورة مشابهة لمنظومة الأحزاب السابقة”.

رافع الطبيب: الرئيس هو الضامن لعدم العودة إلى ممارسات الأحزاب السابقة
رافع الطبيب: الرئيس هو الضامن لعدم العودة إلى ممارسات الأحزاب السابقة

وقال لـ”العرب” إن “هذه الأحزاب قادرة على العودة إلى الممارسات السابقة، وكل من يمارس السياسة يسعى للوصول إلى السلطة والاستمرار فيها ما أمكن، وطبيعة المنافسة السياسية هي تعزيز حالة من النزاع للسيطرة على المشهد”.

وأكّد ثابت أن “مسألة الوطنية، ونظافة اليد والاقتدار والكفاءة السياسية ستعود إلى الواجهة من جديد، لكن قد تكون هذه الأحزاب ملتزمة بالضابط الوطني، والديناميكية تحتاج إلى أكثر توازن”.

وكان البرلمان السابق الذي جرى تجميده في الخامس والعشرين من يوليو 2021 وحله لاحقا بقرار من الرئيس سعيد قد شكل مرآة تعكس للتونسيين حجم تعفن المناخ السياسي في البلاد.

وقد تحولت جلسات ذلك البرلمان إلى ساحة سجالات لا تنتهي بين القوى السياسية المتخاصمة، وغلب على تلك السجالات التشنج، ووصل بعضها إلى حد ممارسة العنف، فكان أن شكل قرار الرئيس سعيد محل ترحيب لافت من الشارع التونسي، حيث خرج الآلاف من المواطنين إلى الشوارع احتفاء بالحدث على الرغم من كون البلاد تعيش حينها حالة حظر تجوال جراء وباء كورونا.

واعتبر رافع الطبيب أستاذ العلوم الجيوسياسية بالجامعة التونسية أن “الرئيس سعيد ليس في حاجة إلى أحزاب قريبة منه أو بعيدة عنه، وهي مطالبة بالحفاظ على نظافة العمل السياسي”.

وقال في تصريح لـ”العرب”، “يجب ألا نعطي الأحزاب أكثر من حجمها وكل مكون له أجندته الخاصة وطريقة عمل مثل التيار الشعبي والتزامه بخط سياسي معين، ومبادرة لينتصر الشعب التي تحتاج إلى حيّز زمني إضافي لنستطيع الحكم على عملها”.

وأضاف الطبيب “كان هناك تحول كبير في الشارع السياسي التونسي، والرئيس هو الضامن لعدم العودة إلى ممارسات الأحزاب السابقة التي كانت تقودها حركة النهضة”.

ولا يحظى مجلس النواب الجديد بصلاحيات واسعة، حيث تنحصر أدواره في البعد التشريعي، وستكون الأولوية لمشاريع القوانين التي سيعرضها رئيس الجمهورية.

ويتطلع التونسيون إلى أن يستعيد البرلمان الجديد ثقة المواطنين في المجلس، خاصة بعد ترذيل المشهد البرلماني في السنتين الأخيرتين عندما كان رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي رئيسا لمجلس النواب.

2