الأسر البديلة تتوسع في مصر

كفالة الأطفال مجهولي النسب تنهي أزمة معقدة مرتبطة بالرفض الفقهي للتبني.
السبت 2023/04/15
منح الطفل لقب العائلة يجنبه الوصم

يرى خبراء الأسرة في مصر أن مسألة كفالة طفل من شأنها أن تحل مشكلة معقدة مرتبطة بالرفض الفقهي للتبني وأن تجنب الطفل الوصمة المجتمعية مستقبلا، داعين إلى ضرورة أن تتاح للطفل عندما يكبر حرية تحديد مصيره ليختار الأسرة التي يريدها. وقد أقرت الحكومة المصرية أن من حق أيّ أسرة أن تحتضن الطفل مجهول النسب وتمنحه لقب العائلة، طالما وافقت على كفالته كمدخل للانخراط في المجتمع.

القاهرة - أظهرت قضية الطفل القبطي المصري شنودة الذي عاد إلى أسرة مسيحية تبنته، بنظام الأسرة البديلة، حجم المخاوف الحكومية من الاقتراب من قضية التبني خشية الصدام مع متشددين، حتى استقرت على أن تكون الكفالة الوسيلة المثالية لتطبيق مفهوم التبني بعيدا عن إقراره رسميا.

ووُجد الطفل شنودة حين كان عمره يوما واحدا أمام كنيسة بالقاهرة ثم منحه كاهنها لزوجين لم يرزقا بأطفال، وعاش معهما أربع سنوات قبل أن تقدم ابنة أخت الزوج شكوى إلى النيابة العامة طمعا في ميراث خالها، وخضع الزوجان والطفل لتحليل “دي.أن.أي” ثم أودع في دار رعاية، ما أثار أزمة مجتمعية.

عقب استطلاع رأي الأزهر أفتى بأن الطفل شنودة ليس مسلما وتسقط عنه الديانة الإسلامية ليعود إلى المسيحية، ثم وافقت النيابة العامة على تسليمه للزوجين اللذين قاما بتربيته من خلال نظام الأسرة البديلة، مع حصول الصغير على لقب العائلة.

المؤسسات الدينية ترفض التبني الذي بمقتضاه تقوم الأسرة بمنح الطفل اسمها فيصبح وريثا شرعيا لها

كادت القضية أن تتحول إلى أزمة طائفية بين مسلمين وأقباط، وحدث انقسام إلى فريقين، أحدهما يؤكد أنه طالما يعيش الطفل في دولة دستورها إسلامي يكون منتسبا للديانة الإسلامية، والآخر يبرر رفضه بأنه طالما عُثر على الصغير في محيط أو داخل كنيسة فمن حق أسرته القبطية أن تتبناه وتنسبه للمسيحية.

أمام الجدل المتصاعد بين الفريقين ودخول بعض الأصوات الدينية المتشددة، وجدت الحكومة حلا وسطيا بإقرار حق أيّ أسرة أن تحتضن الطفل مجهول النسب وتمنحه لقب العائلة، طالما وافقت على كفالته كمدخل للانخراط في المجتمع، وأن تكون له أسرة معروفة، ويتم تجنيبه الوصمة المجتمعية مستقبلا.

عكست قضية الطفل شنودة عمق الأزمة التي تواجهها الحكومة في مصر لحل إشكالية التبني والحساسية المجتمعية التي يتم التعامل بها مع هذا النوع من القضايا بذريعة أن القوانين ذات صبغة إسلامية وتحرّم التبني، مع أن المسيحية تُبيح تبني الأسرة لطفل مجهول النسب، لكن هيمنة الرؤى المتشددة على قوانين الأحوال الشخصية المطبقة منذ عقود في مصر حالت دون تجرؤ الحكومة على منح الأقباط هذا الحق.

ترفض المؤسسات الدينية، في مقدمتها الأزهر، الاقتراب من قضية التبني الذي بمقتضاه تقوم الأسرة بمنح الطفل اسمها وتجعله وريثا شرعيا لها بدعوى أن ذلك من المحرمات الشرعية لعدم اختلاط الأنساب، ولا تمانع التوسع في الأسر البديلة وكفالة الأطفال مجهولي النسب ورعايتهم داخل العائلات التي كفلتهم وتسميتهم بألقابها.

ووفق النظام المعمول به في دور الرعاية الاجتماعية بمصر، فإن الطفل مجهول النسب فور العثور عليه أمام مسجد أو كنيسة أو في أحد الشوارع يتم تسليمه إلى أقرب قسم شرطة وتسميته باسم ثلاثي وهمي يعبر عن الديانة الإسلامية التي تُستمد منها غالبية التشريعات الخاصة بالأحوال الشخصية.

غير أن الأزهر أبدى مرونة غير معهودة في قضية الطفل شنودة بإسقاط الديانة الإسلامية عنه، فيما رأى البعض أنها حيلة تستهدف تحسين صورة الأزهر.

قال أحمد مصيلحي، رئيس مؤسسة الدفاع عن الطفل المصري، لـ”العرب” إن كفالة الأطفال مجهولي النسب، ومنحهم لقب العائلة، تنهي أزمة معقدة مرتبطة بالرفض الفقهي للتبني، لأن تسميتهم بأسماء وهمية يضاعف من تعرضهم للتنمر، داعيا إلى ضرورة أن تتاح للطفل عندما يكبر حرية تحديد مصيره ليختار الأسرة التي يريدها كي لا يتحول الأمر من كفالة إلى احتكار أبدي.

يُنظر إلى موقف الحكومة بتجاوز عقبة الرفض المجتمعي لتسمية الأطفال مجهولي النسب والسماح بنسبهم إلى أسماء العائلات الكافلة على أنه تمهيد لتفصيل قانون أسرة خاص بالأقباط، ليتاح لهم التبني وفق ما تنص شريعتهم دون أن يعيشوا أسرى لرؤى دينية يتبناها علماء بالأزهر وشيوخ التيار السلفي، في ظل محاولات النظام المصري اتخاذ خطوات عديدة لتكريس مدنية الدولة ودعم الحريات الدينية.

يُعتبر حصول الطفل على لقب العائلة دون أن يُمنح اسم الأب الذي كفله حلا وسطا، للتعامل مع قضية هؤلاء الصغار بشكل إنساني وعدم الانصياع لأصوات متشددين يصرون على تصوير الأمر باعتباره مدخلا للتبني، مع أن ما يدور في الكواليس، يشير إلى أن إقرار التعامل بهذه الطريقة قد ينطوي على محاولة لتمرير فكرة التبني بشكل هادئ لإقناع المجتمع بالقضية لخلق أرضية خصبة يمكن التطبيق عليها مستقبلا.

أطفال يبحثون على الدفء الاسري
أطفال يبحثون على الدفء الاسري

وأكد الباحث عادل بركات، المتخصص في العلاقات الاجتماعية، لـ”العرب” أن قضية الطفل تفرض حسم أزمة التبني من خلال حوار مجتمعي فقهي قانوني عصري، لكن الانصياع لرؤى وقناعات شخصية تتعارض مع الإنسانية سوف يكرس بقاء الوضع الراهن على ما هو عليه.

ودعم بركات توجه الحكومة المصرية بأن تكون الكفالة بالاسم في نظام الأسر البديلة حلا وسطا لإشكالية التبني، لأن ذلك ينهي أزمة إنسانية متجذرة عن الأسر التي حُرمت من الإنجاب، وبالتالي سوف تصبح الفائدة مشتركة، فالأب والأم سيكون لديهما ابن مثل شنودة، والطفل أيضا سيصبح لديه أبوان بشكل يبعده عن التنمر، وهذه ثقافة مطلوب نشرها بتعميم التحضر الفكري والنظر إلى القضية بشكل إنساني.

يشير الدعم الأسري لحصول مجهولي النسب على ألقاب عائلتهم الكافلة كحل لإشكالية التبني إلى أن شريحة كبيرة في المجتمع لا يروق لها إقحام رجال الدين في مسار حياتهم، أو التقيد بنصوص تراثية في مواقف إنسانية بحاجة إلى مرونة، لأنه يصعب ظلم طفل ووصمه طوال حياته بحصوله على اسم وهمي لمجرد أن متطرفين رفضوا تسميته بمن يحتضنه أو يتم تبنيه من جانب أسر تعتنق نفس عقيدة الطفل.

ويعد النمط المتحجر من التفكير سببا في اختزال التعامل مع التبني في إطار جنسي فقط، بدعوى أن ذلك يقود إلى اختلاط الأنساب أو أن يطلع الأب على جسد فتاة كفلها وتبناها مع أنه يحل له الزواج منها، والابن المكفول سيجتمع بالأم الكافلة ويحتك بها في المنزل بشكل يتناقض مع أخلاقيات الدين، مع أن هناك حلولا يمكن أن تضمن عدم الخلط بين الأنساب إذا تم الإقرار بتطبيق التبني عبر وضع معايير صارمة تضمن التنفيذ دون إلحاق الضرر بأي طرف.

ويتفق مؤيدون لكفالة الأسرة البديلة منح الطفل لقب العائلة على حقيقة هامة ترتبط بأنه سواء نجحت الحكومة في إقرار التبني أم لا، فنسب الصغير مجهول لأسرة غريبة، ولو بالكفالة، يحميه من البقاء عرضه للسخرية والحياة البائسة، وسيكون من الصعب مستقبلا أن يتبرأ من العائلة التي تعاملت معه بحنان وعاطفة وحصّنته من التمييز والعنصرية ومنحته اسمها ولقبها ليكون في مأمن من التربص والتنمر.

من شأن السماح للعائلة الكافلة بأن يحمل مجهول النسب اسمها ولقبها، كما حدث مع الطفل شنودة، إغراء الكثير من الأسر التي حُرمت من الإنجاب بالتكفل برعاية أطفال تعج بهم دور الرعاية المصرية التي لا توفر الاحتضان والجو الأسري المناسب للصغار، ويكفي أن هؤلاء الصغار سوف يصبح لهم آباء وأمهات يرفعون عنهم التنمر في بيئة تتعامل معهم كلقطاء.

15