قاعات السينما في تونس تواجه شبح الاندثار

أعلن عدد من قاعات السينما التونسية عن إغلاقها نهائيا في الفترة الأخيرة متأثرة بضعف التمويل والإقبال وتداعيات التكنولوجيا. وجاءت الإعلانات المتتالية لتثير ضجة في الوسط السينمائي التونسي وتنذر بتراجع اهتمام السلطات بالقطاع الثقافي وهو ما ستكون له انعكاسات كبيرة على المجتمع وخصوصياته الثقافية.
تونس - تعاني الساحة الثقافية في تونس من الإغلاق المتكرّر لقاعات السينما أو من اضطرار أصحابها إلى بيعها وتحويلها إلى فضاءات تجارية ربحية، حيث تشير الأرقام إلى أن البلد كان يضم أكثر من مئة قاعة سينما بعد الاستقلال في 1956، لم يبق منها سوى بضع قاعات.
وتواجه قاعات السينما مشكلات مادية ورقمية تتعلق بمنصات وتطبيقات المشاهدة التي تعرض أحدث الأفلام العالمية، ما يجعلها مهددة بالإغلاق الكلي الذي سيؤدي حتما إلى اندثار السوق الداخلية للسينما التونسية.
وأفادت الممثلة المسرحية والسينمائية ليلى الشابي أن “إغلاق قاعات السينما في تونس هو بالأساس إغلاق للمشهد الثقافي، ورغم أن القطاع تأثر بعد أزمة كورونا، إلا أنه لم يتم تجديد قاعات سينما في البلاد أو تشييد الجديد منها”.
وقالت لـ”العرب” إن “قاعات السينما تعاني من نقص الموارد، والمواطن التونسي لا يقبل على القاعات إلا عند عرض فيلم تونسي، وعلى الدولة أن تقوم بإحداث مراكز ثقافية للسينما والمسرح حتى تستعيد القاعات نشاطها”.
وأشارت الشابي إلى أن “ميزانية وزارة الشؤون الثقافية ضعيفة، حيث تخصّص نسبة 87 في المئة منها للأجور، وهذا ما يعكس غياب رؤية واضحة للدولة في المجال”.
ولم تهتم السلطات السياسية المتعاقبة منذ الاستقلال بدور العرض السينمائي التي بيعت بأبخس الأثمان وتحولت إلى قاعات لإقامة الأفراح وفضاءات تجارية خاصة.
وأعلنت إدارة سينما أميلكار في بلاغ لها بداية مارس الجاري عن غلق القاعة وتسليمها لأصحابها، وذلك بعد نشاط واستغلال لهذه القاعة منذ أكتوبر 2015. وتوجهت إدارة السينما بالشكر لكافة الفريق الذي أثّث وأمّن نشاط القاعة ولكل المتدخلين والمتعاونين معها.
ودعت الجهات المعنية وخاصة وزارة الشؤون الثقافية إلى الاهتمام الجدّي بدور السينما في تونس، وطالبت الدولة بضرورة تحمل مسؤولياتها للنهوض بهذا القطاع الأساسي في الحياة الثقافية.
وتمثل أيام قرطاج السينمائية التي تأسست قبل أكثر من 50 عاما نافذة للسينما التونسية على السينما العالمية والقارة الأفريقية بشكل خاص، وكانت تقام سابقا كل عامين قبل أن تتحول إلى حدث سنوي.
ويرجع البعض تراجع أعداد قاعات السينما في تونس إلى غياب الإرادة السياسية الحقيقية للنهوض بهذا القطاع والتي يجب أن تتضمن المحافظة على القاعات وتطويرها وتدعيمها بقاعات أخرى.
وسبق أن أفاد علي صولة صاحب قاعة السينما “سيني جميل” ونائب رئيس غرفة المشغلين والموزعين في قطاع السينما، بأن عدد قاعات السينما في تونس انخفض من 160 قاعة خلال عام 1957 إلى 33 قاعة فقط في الوقت الحالي.
وأضاف في تصريح لإذاعة محلية أن “حوالي 13 قاعة سينما متواجدة في تونس الكبرى (4 محافظات متجاورة باعتبار العاصمة تونس)، وأكد أن عديد القاعات لا تنشط إلا خلال فترات نهاية الأسبوع نظرا لضعف الإقبال وغياب الدعم المتراكم والمتواصل”.
وأوضح أن “الأزمة في قطاع السينما في تونس لم تبرز بحدة إلا خلال سنة 2018، حيث أن دخول الجانب الأوروبي إلى النشاط في قطاع السينما في تونس عزّز الحركية في القطاع وجلب خبرة الجانب الأوروبي للقطاع في تونس”.
وأضاف في المقابل أن “الوزارة لم تحم الناشطين في قطاع السينما في تونس، ولم تضع آليات لحماية قاعات السينما الموجودة في تونس، كمرفق ثقافي عام، حاول الصمود رغم كل الصعوبات”.
وأشار إلى أن “القطاع كان أول من أغلق خلال فترة كوفيد – 19، وعانى الناشطون في القطاع من مشاكل مالية كبيرة، ورغم فتح المجال للتمتع بمساعدات من الدولة، إلا أن المبالغ المتوفرة لم تكن تفي بالحاجة، لافتا إلى أن “قاعة ‘سيني جميل’ تحصلت آنذاك على مبلغ 7 آلاف دينار (2.24 ألف دولار)، ولم تكن كافية لتغطية النفقات”.
كما أشار إلى أن قاعة سينما “الكوليزي” وسط العاصمة تحصلت على مبلغ 4 آلاف دينار فقط (1.28 ألف دولار)، وأن آخر دعم تلقته قاعة “سيني جميل” كان عام 2015، موضّحا أن “هناك بعض الفصول القانونية التي تعطل الاستثمار في قطاع السينما في تونس، ومن الضروري مراجعتها”.
وقالت الإعلامية والممثلة السينمائية أسماء بن عثمان إن “إغلاق عدد من قاعات السينما في تونس يعود بالأساس إلى أزمة عالمية وأسبابها منها المادية والصحية على غرار تداعيات أزمة كورونا، فاضطرت عدة قاعات للإغلاق”.
وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن “هناك تراجعا في عدد رواد قاعات السينما، بسبب المنصات الإلكترونية والهواتف الجوالة، وكل طرق مشاهدة الأفلام تغيرت بسبب الثورة التكنولوجية”.
وبخصوص أهمية دور وزارة الشؤون الثقافية ومن ورائها الدولة في الاهتمام بالسينما اعتبرت أسماء بن عثمان أن “هناك مشاكل اقتصادية واجتماعية ومناخية، وعلى الدولة أن تنظم أولوياتها وتبدأ بمعالجة القطاعات الحيوية على غرار التعليم والصحة والأزمة المائية والثقافية”.
ولم تنف بن عثمان “وجود اهتمام بالجانب الثقافي من خلال تعدد الإنتاجات في الفترة الأخيرة، والمثقف يحاول أن يبقى في المشهد بكل الإمكانيات التي يملكها”.
ولولا إنشاء مدينة الثقافة في السنوات الأخيرة، التي ضمت قاعات سينما جديدة بالإضافة إلى قاعة الأوبرا الكبرى المبهرة التي يمكن استغلالها لعرض الأفلام ولسهرات الافتتاح والاختتام للمهرجانات، لحصلت الكارثة ولربما عجزت البلاد عن تنظيم التظاهرات السينمائية الكبرى.
وأكّد الناقد السينمائي خميّس الخيّاطي أن “الأسباب الرئيسية لتراجع عدد قاعات السينما في تونس هو أن الدولة لا تملك مشروعا ثقافيا متكاملا، فاضطر الرأس مال الخاص للتدخّل، لكن قاعات السينما والقنوات التلفزيونية اليوم لا تعرض أفلاما”.
وقال في تصريح لـ”العرب” إن “هناك المئات من المحلات التي تؤجّر الأفلام، ولم تعد قاعات السينما تجلب الناس، والكثيرون أصبحوا يشاهدون الأفلام في بيوتهم عبر اشتراكات في قنوات تلفزيونية ونسخ إلكترونية”.
انتشار تقنية الفيديو ساهم في عزوف الجماهير عن القاعات بعد أن أصبح بالإمكان الحصول على الأفلام بأسعار منخفضة
وتابع خميّس الخيّاطي “ميزانية وزارة الشؤون الثقافية تبلغ 0.73 في المئة من ميزانية الدولة، وهذا ما يعكس أن القطاع الثقافي ليس من أولويات الدولة”. واستطرد قائلا “مع الأسف هناك تراجع ثقافي كبير في تونس، من بينه نقص إنتاج الأفلام ومبيعاتها”.
وتجدر الإشارة إلى أن انتشار تقنية الفيديو ساهم في عزوف الجماهير عن قاعات السينما بعد أن أصبح بالإمكان الحصول على أحدث الأفلام بأسعار منخفضة، وأصبحت محلات بيع أشرطة الفيديو واستئجارها تستقطب الجماهير، فضلا عن محلات نسخ الأفلام على الأقراص المضغوطة.
وساهم تشييد قاعات سينما في بعض الفضاءات التجارية الكبرى الخاصة في عودة الاهتمام بما يعرض في قاعات السينما في بلد لديه أعرق المهرجانات السينمائية العربية والأفريقية على الإطلاق وهو مهرجان قرطاج السينمائي أو مهرجان أيام قرطاج السينمائية كما يسمّيه التونسيون.
وتعتبر تونس قطبا ثقافيا لمنطقة المغرب العربي بامتياز وذلك بالنظر إلى عراقة مهرجاناتها في شتى الفنون وأهميتها وذيوع صيتها إقليميا وقاريا ودوليا، وبالنظر أيضا إلى اهتمام شعبه بالثقافة وإقباله بكثافة على مختلف العروض والتظاهرات الثقافية وانفتاحه على محيطه العربي والأفريقي والمتوسطي وعراقة حضارته التي اهتمت بالفنون منذ ما قبل العهد القرطاجي أي قرونا طويلة قبل ميلاد المسيح.
وتعود بدايات السينما في تونس إلى عام 1896 تاريخ تصوير الأخوين لوميار لمشاهد حية لأنهج تونس العاصمة، وفي سنة 1908 افتتحت “أمنية باتي” كأول قاعة سينما في البلاد وتعد أيام قرطاج السينمائية أهم فعالية سينمائية وأقدمها تم تأسيسها في العام 1966.