الحوافز المالية لخفض الإنجاب في مصر تصطدم بتمرد أسري

الإغراءات الجديدة للحكومة مقابل إنجاب طفلين فقط لا تلقى ترحيبا.
الثلاثاء 2023/03/21
الأسرة المصرية تنظر إلى زيادة عدد الأبناء على أنها رزق

باءت جهود الحكومة المصرية في إقناع أغلب الأسر بالاكتفاء بإنجاب طفلين والحصول على حوافز مالية بالفشل، نظرا إلى اقتناعها بأن تحديد النسل حرام شرعا. وبناء على ذلك لن تغامر تلك الأسر بمعصية دينية من أجل إغراءات مالية هي زهيدة في اعتقادها. وترى الأسر القاطنة في المناطق الريفية أن كثرة الأبناء عزوة ورزق، لذلك لم تغرها قرارات الحكومة.

القاهرة - استقبلت المصرية نادية فكري قرار الحكومة بادخار مبلغ مالي سنويا للمرأة المتزوجة إذا التزمت بإنجاب طفلين فقط بعدم اكتراث بالأمر، لأنها لن تلجأ إلى تحديد النسل بناء على تعهدات حكومية بصرف حوافز مالية لا تزال في علم الغيب.

وأعلن مجلس رئاسة الوزراء المصري الثلاثاء أن الحكومة سوف تدخر مبلغ ألف جنيه سنويا (32 دولارا) لكل امرأة متزوجة لديها طفلان بحد أقصى، وتقوم كل سيدة بتحصيل المبلغ العام مع بلوغها الـ45 عاما، ويسقط هذا الحق إذا أنجبت طفلا ثالثا.

وقالت آية (30 عاما) إنها تحدثت مع زميلاتها في العمل حول قرار الحكومة واستقر الرأي بينهن على المضي في إنجاب الأبناء بأريحية، بغض النظر عن الإغراءات المالية، قائلة “لا توجد زوجة عاقلة تتوقف عن الإنجاب لمجرد أنها سوف تحصل سنويا على ألف جنيه مصري”.

تعيش آية ظروفا اقتصادية صعبة، وتتعرض لعبارات تحمل تنمرا وسخرية من عائلة زوجها لأنها لم تنجب سوى بنتين فقط، وتعاني ضغوطات يومية لإنجاب ولد ذكر يرث والده، وزوجها يرغب في الإنجاب مرة ثالثة ورابعة ولا تستطيع رفض ذلك.

وقعت وزارتا التخطيط والتنمية الاقتصادية والمالية برنامجا للحوافز المادية بالمشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية، وعلى إثره قال محمد معيط وزير المالية إن الدولة ستقوم بادخار المبلغ ويستحق صرفه عند بلوغ المرأة 45 عاما.

مبررات كثيرة لرفض التعاطي بجدية مع خطة الحكومة، حيث لا تزال الأسر مقتنعة بأن تحديد النسل حرام شرعا

ويسقط حق الزوجة في المطالبة بالمبلغ المتراكم، في حال إنجابها الطفل الثالث أو أكثر، وتتم محاسبة كل امرأة ماليا على أساس عمرها وقت الاشتراك في البرنامج.

وأوضحت هالة السعيد وزيرة التخطيط أن البرنامج يستهدف النساء بين سن الـ21 والـ45 عاما لمواجهة تحديات الزيادة السكانية.

يبدو العائد المادي الذي سوف تتحصل عليه الزوجة الملتزمة بإنجاب طفلين زهيدا بالنسبة للكثير من الأسر، ثم إن ربط صرف مستحقات المرأة الملتزمة ببلوغها سن الـ45 عاما لا يبدو مقنعا للكثير من النساء والأزواج، ولا يخرج عن كونه حيلة حكومية.

تزوجت وفاء يحي، وهي موظفة بوزارة الزراعة، في سن الـ18 عاما، وأنجبت طفلين حتى وصولها إلى الـ22 عاما، وترغب في إنجاب طفل ثالث رغم ظروفها المعيشية الصعبة، وهي غير مهتمة بما تقوله الحكومة، “وهل أحرم نفسي من الإنجاب حتى أحصل على عدة آلاف من الجنيهات بعد 23 عاما”.

لدى وفاء مبررات كثيرة لرفض التعاطي بجدية مع خطة الحكومة، فلا تزال مقتنعة بأن تحديد النسل حرام شرعا، ولن تغامر بمعصية دينية من أجل الإغراءات المالية للدولة التي ستكون بلا قيمة بعد كل هذه السنوات، ثم إن الأبناء عزوة في رأيها.

وأضافت الأم لـ”العرب” أن الحكومة أصبحت تلعب على وتر سوء الأوضاع المعيشية، ووجدت المال أسهل طريقة لإقناع الأسر بخفض الإنجاب، لكن مشكلة الحكومة أنها ساومت العائلات على أبنائها بأسلوب “لا تنجبوا واحصلوا على ألف جنيه سنويا”.

أظهرت القيمة المادية التي أعلنتها الحكومة للأسر الملتزمة بالإنجاب إلى أي درجة تتعامل مع الزيادة السكانية بتقشف يصل إلى البخل، حيث أكد مصدر حكومي لـ”العرب” أن الطالب الواحد في المدراس الحكومية يكلّف الدولة سنويا سبعة آلاف جنيه.

وتطرق المصدر، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، إلى إنفاق الحكومة مبالغ مالية طائلة سنويا على الخدمات والمرافق لمواجهة الانفجار السكاني، بينها بناء الآلاف من الفصول لاستيعاب معدلات الإنجاب، إذ يزيد طلاب المدارس كل عام حوالي سبعمئة ألف طفل، فكم يتكلف تعليمهم، من بناء فصول ورواتب معلمين وغير ذلك، مقارنة بألف جنيه كحافز سنوي للأسرة الملتزمة بإنجاب طفلين.

هل حقا كثرة الأبناء عزوة ورزق
هل حقا كثرة الأبناء عزوة ورزق

هناك أسر تؤمن بحتمية خفض الإنجاب بسبب الأوضاع المعيشية السيئة لا طمعا في الحوافز الحكومية، فهناك أزواج صاروا مقتنعين بأن إنجاب عدد كبير من الأبناء سوف يضعهم في مآزق ومشكلات اقتصادية واجتماعية وسط نظرة تشاؤمية إلى مستقبل، وعدم وجود أفق حقيقي لكسب المزيد من المال.

كما أن برامج تنظيم الأسرة التي ترعاها وزارة الصحة لم تقنع سوى 50 في المئة من الأسر بالمشاركة فيها، على الرغم من تقديم البرامج بالمجان في الوحدات الصحية المنتشرة في الدولة، جراء ارتفاع المعارك الفقهية بين شيوخ السلفية المتشددين والمؤسسات الدينية حول مشروعية تنظيم الأسرة وتحديد النسل.

ويزيد عدد سكان مصر حاليا عن 104 ملايين نسمة، ويستحوذ ملف الزيادة السكانية على جزء من اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسي، لكن لا تزال حلول ضبط النمو السكاني غائبة عن إستراتيجية المؤسسات الرسمية، في حين تتمرد غالبية الأسر على كل توجه يجري إقراره كجزء من الحل، ويبدو غير واقعي أحيانا.

قال عمرو حسن، مقرر المجلس القومي للسكان بالحكومة سابقا، لـ”العرب” إن كل جنيه تنفقه الدولة على ضبط النمو السكاني توفر أمامه مئة جنيه، لكن هناك عدم اقتناع من بعض الأسر بوقف الإنجاب عند طفلين مقابل الحصول على عوائد مالية بعد سنوات طويلة.

وذكر لـ”العرب” أن الفجوة بين الأسر والحكومة بشأن الزيادة السكانية واسعة وترميمها بحاجة إلى جهود غير تقليدية، لأن كل طرف يتعامل من وجهة نظره، فالعائلات تنجب أبناء لاستخدامهم في جلب عوائد مالية، وحوافز الحكومة لا تقنع هذه الشريحة، ولا بد من تجييش الأسر خلف خطة الحكومة وإقناعها بالهدف قبل المال.

عدد سكان مصر يزيد عن 104 ملايين نسمة، ويستحوذ ملف الزيادة السكانية على جزء من اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسي، لكن لا تزال حلول ضبط النمو السكاني غائبة عن إستراتيجية المؤسسات الرسمية

وتنظر بعض الأسر في الأحياء الشعبية والمناطق الريفية إلى زيادة عدد الأبناء على أنها “رزق” وكثرة الأولاد تضاعف دخل الأسرة من خلال تشغيلهم، انطلاقا من الاعتقاد بأن “كل طفل يأتي برزقه”، وهذه ثقافة عجزت الحكومة عن تغييرها، وتحاول الآن تعويض هذا الرزق بحوافز سنوية للملتزمين.

ولا تزال الحملات التوعوية لإنجاب طفلين غير مؤثرة في قناعات الكثير من الأسر، وتصطدم برفض شعبي وديني وثقافي، لأنها تقدم خطابها عبر إعلامي غير موثوق فيه، وتجاهلت مخاطبة أرباب أسر المستقبل، من المراهقين في المدارس والشباب في الجامعات.

تخلو المناهج التعليمية من أيّ خطاب يحمل مزايا إنسانية وصحية ومجتمعية واقتصادية من وراء خفض الإنجاب، حتى صار الشباب والفتيات أسرى لتوجهات عائلاتهم، وثقافات بيئاتهم السكانية، في حين يتم استفتاء شيوخ السلفية في كل ما يرتبط بالعلاقات الأسرية، وهم يحرمون تحديد النسل.

يضاف إلى ذلك أن الحوافز المالية المقدمة لا تمثل قيمة للناس أمام الغلاء والجباية والضرائب التي تتحصل عليها الحكومة بغير وجه حق، حتى أصبحت هناك أسر مقتنعة بأنها ستحصل على حوافز لخفض معدلات الإنجاب من تلك الأموال التي دفعوها للدولة بغير رضاء.

وبعيدا عن إمكانية رفع قيمة العوائد المالية للملتزمين بإنجاب طفلين، فقد لا يحقق ذلك أيضا نتائج ملموسة بخفض معدلات الزيادة السكانية، لأن الكثير من العائلات لا تثق في تصورات الحكومة ولا تعهداتها، وهناك فجوة غير مسبوقة بينها وبين الشباب مع أنهم هم أرباب الأسر في المستقبل القريب.

15