الحكومة المصرية متّهمة بافتعال الأزمات بسبب البروتين المستورد

تقول الحكومة المصرية إنها لجأت لاستيراد الدواجن المجمدة من الخارج للسيطرة على ارتفاع الأسعار في الداخل وتعديل السوق، إلا أن الخطوة أحدثت شكوكا حول ما تروج له القاهرة بشأن أزمة العملة الصعبة “غير المتوفرة” لاستيراد الأعلاف.
القاهرة - أدى فتح الحكومة المصرية باب استيراد الدواجن المجمدة من الخارج للسيطرة على انفلات أسعار البروتين المحلي إلى توجيه انتقادات واتهامات حادة لها، وقيل إنها تفتعل الأزمات وتتذرع بحجج غير منطقية لتبرير عجزها.
وأعلنت الحكومة أخيرا عن استيراد كميات كبيرة من البروتين المجمد من البرازيل بأسعار زهيدة مقارنة بنظيرتها المحلية، وضربت عرض الحائط بمبررات سوّقت لها وسائل الإعلام التابعة لها بأن ارتفاع أسعار جميع السلع مرتبط بأزمة اقتصادية عالمية.
واستنكر مواطنون استيراد الدواجن بعد تربيتها وذبحها وتجميدها وشحنها إلى الموانئ المصرية ودفع جماركها وتصل كلفتها بالنسبة إلى المستهلك إلى نصف سعر الدواجن المحلية.
وبدت الحكومة عاجزة عن إدارة أزمة انفلات الأسعار، وظهر خطابها حول الأسباب واهيا، بما أدى إلى تهاوي ثقة المواطنين فيها أمام التمسك بتبييض صورتها.
ويرتبط اتهام الحكومة بافتعال أزمة نقص العملة الأجنبية بأنها سوّقت للشارع أنها عاجزة عن تصريف الأعلاف القابعة في الموانئ، بما أفضى إلى ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن بسبب الاعتماد على مكوّن أجنبي (الأعلاف) يستدعي توافر الدولار.
وتسبب تصرف الحكومة في العملة الصعبة لاستيراد البروتين في استهجان واستنكار واسعين، إذ بررت ارتفاع أسعار اللحوم المحلية بعدم وجود عملة صعبة لاستيراد الأعلاف، ثم وجدت حلا لاستيراد البروتين بعد أن صدّرت للشارع أزمة الدولار.
وبلغ التشكيك في نوايا الحكومة حد اتهامها بالتربح من استيراد البروتين بأسعار زهيدة، حيث تقمصت دور التجار الذين من المفترض أن يقوموا بهذه المهمة، وهي اتهامات أغضبت الحكومة ودفعتها للرد ونفي هذه الادعاءات.
وقال السفير نادر سعد المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء إن الدولة لم تفتعل أزمة نقص الأعلاف لترتفع أسعار الدواجن المحلية، ولم تهدف من وراء هذه المشكلة إلى التربّح باستيراد البروتين، لأن هذا غير منطقي ويصعب أن تفعله أي دولة رشيدة.
واعترف متحدث الحكومة في تصريحات إعلامية بأن تأخر خروج الأعلاف من الموانئ لا يزال سببه عدم كفاية الدولار، وهناك نقص في الخامات التي تذهب إلى مزارع الدواجن والحيوانات انعكس على أسعار البروتين ولا بد من استيراده.
وتبدو مبررات الحكومة منطقية بشأن اضطرارها لاستيراد البروتين المجمد من الخارج ولو كانت تعاني أزمة حادة في توفير العملة الصعبة، لأنها خصصت أكثر من مليار وست مئة مليون دولار لتصريف الأعلاف من الموانئ على أمل انخفاض أسعار الدواجن، لكن ذلك لم يحدث.
وتشعر دوائر رسمية بأن الدخول في معركة حامية مع جماعات المصالح من التجار والمستوردين مغامرة غير محسوبة العواقب، فقد ينقلبون عليها ويضعونها في مواجهة مع الشارع باتخاذ المزيد من الإجراءات التي تزيد الأزمة الاقتصادية تعقيدا.
وفضّلت الحكومة أن تبارز التجار بطريقة غير مباشرة من خلال عدم التعويل عليهم في حل أزمة نقص البروتين وارتفاع أسعاره، وقررت أن تقوم بنفسها باستيراد الدواجن واللحوم وطرحها في الأسواق، طالما أن هناك من يستغل الأزمة لمزيد من التربّح.
دوائر رسمية تشعر بأن الدخول في معركة حامية مع جماعات المصالح من التجار والمستوردين مغامرة غير محسوبة العواقب
وسواء تدخلت الدولة بتوفير الدولار لاستيراد الأعلاف أم لا، فالأسعار لم تنخفض، وكان البديل المثالي أن تنتقم الحكومة من التجار الجشعين وأصحاب المصالح لإجبارهم على تخفيض أسعار المنتج المحلي قسرا، وهو ما حدث بالفعل، حيث شهدت الأيام الماضية تراجعا نسبيا في أسعار البروتين.
وترك هذا التحرك امتعاضا غير مسبوق في الشارع المصري، لأن الحكومة تتعمّد وضع الأعباء المضافة على المواطنين على عاتق الحرب الروسية – الأوكرانية، وصدّقوها قبل ذلك، لكنها صارت بالنسبة إليهم مجرد حيلة قديمة لتبرير الفشل.
وأسست قطاعات عريضة من المصريين اتهاماتها للحكومة بالعجز وقلة الحيلة عن حل الأزمة الاقتصادية على أن أسعار بعض السلع والمنتجات في دول أخرى أقل من نظيرتها المحلية، مع أنه من المفترض أن تكون تداعيات الحرب مؤثرة على كل دول العالم.
وفسّر نادر نورالدين أستاذ الاقتصاد ومساعد وزير التموين سابقا انخفاض أسعار الدواجن المستوردة أخيرا، مقارنة بنظيرتها المحلية، بأن دولة البرازيل لا تعاني من أزمة أعلاف، فهي من أكبر مصدري البروتين في العالم، وكان يجب على الحكومة المصرية أن تتدخل بقوة لضبط السوق ومواجهة جشع بعض التجار.
وأشار لـ”العرب” إلى وجود شبهات بشأن استهداف الحكومة جراء استيراد البروتين، لأنه لا يُعقل الهجوم عند المشكلة وبعد حلّها، وهناك أطراف مستفيدة من استمرار الأزمة لأهداف سياسية وأخرى مرتبطة بالتربّح، ولذلك تم التشكيك في سلامة الدواجن المستوردة، خاصة أن توقيت القرار يحمل مآرب خفية.
ويرى متابعون أن التحدي الأكبر أمام الحكومة يرتبط بدخول أطراف مناوئة لها، مثل جماعة الإخوان، على خط الأزمة لزيادة مخاوف الشارع من نوايا الحكومة من منطلق أن أزمة الدواجن سببها نقص الدولار لاستيراد الأعلاف، في حين ظهرت العملة الصعبة لإتمام صفقات لاستيراد الدواجن بأسعار زهيدة.
أصوات إعلامية تتهم اللجان الإخوانية الإلكترونية بأنها المحرك الرئيسي للشائعات الرائجة حول شحنات الدواجن البرازيلية
واتهمت أصوات إعلامية مقربة من الحكومة، مثل عمرو أديب ومحمد الباز، اللجان الإخوانية الإلكترونية بأنها المحرك الرئيسي للشائعات الرائجة حول شحنات الدواجن البرازيلية، وأنها شنّت حملات ضد القرار وزعمت أن الشحنات وراءها مصالح من الدولة للتربح، وأن الدواجن المستوردة غير صالحة للاستهلاك.
وتحدثت وسائل إعلام محلية بنفس النبرة تقريبا، فهي تدافع بقوة عن قرارات استيراد البروتين لتجنب الغلاء والجشع وتتهم الإخوان بإثارة الرأي العام الداخلي، لكن الشارع المصري استقبل الاصطفاف الإعلامي خلف الحكومة بمزيد من الامتعاض لتنامي الشعور بأنه موجه سياسيا.
وتظهر مشكلة البروتين كيف صارت المعضلة الأكبر للنظام مرتبطة بمصداقية الحكومة التي تهاوت بشكل غير مسبوق وأصبح من السهل على أيّ من خصوم السلطة النفاذ إلى الشارع من هذه الثغرة، بالتشكيك في القرارات والإجراءات والسياسات، ولو كانت إيجابية وتمهد لحل أزمة معقدة.
وتترتب على ذلك منغصات سياسية كثيرة للدولة، فهي تعاني من تشكيك عن جهل أو تعمّد، في حين تبدو الحكومة عاجزة عن إقناع الناس بتوجهاتها بعدما بدت مبرراتها للتحديات الداخلية مبنية على أزمات عالمية، مثل الحرب الروسية – الأوكرانية، وتبين لاحقا أنها مجرد “شماعة” وخدعة كشفتها “الدجاجة البرازيلية” زهيدة الثمن.