تونس أمام حتمية إقرار قانون جديد لتحفيز الاستثمار

التعقيدات البيروقراطية ومخلفات تراكم الأزمات جعلتا بيئة الأعمال طاردة لرؤوس الأموال.
الجمعة 2023/02/17
الأدوات والمهارات متوفرة فقط نحتاج إلى التمويل

تونس- تراهن تونس على تحسين مناخ الأعمال إثر تراجعه في السنوات الأخيرة، وسط ضغوط من أوساط الخبراء للإسراع في إقرار قانون استثماري جديد بعدما أثبت القانون السابق أنه لم يضف نتائج واضحة وأن بيئة الأعمال ظلّت طاردة لرؤوس الأموال.

وأكّد فيصل دربال الرئيس الشرفي لهيئة الخبراء المحاسبين الثلاثاء الماضي أن “الاستثمار في تونس يتهاوى ويستغيث”، داعيا الحكومة إلى “التعجيل بإصدار قانون لدفع الاستثمار يلغي أو يعدل قانون 2016”.

واعتبر في تصريح لإذاعة محلية أن القانون الجاري به العمل حاليا ورغم دعمه بعدة إجراءات في عام 2018 هو “سبب انتكاسة الاقتصاد، خصوصا بعد خسارة 155 مؤسسة اقتصادية في السنة الماضية”.

رضا الشكندالي: كلفة الاستثمار ترتبط بالسياسة الجبائية والصرف المالي
رضا الشكندالي: كلفة الاستثمار ترتبط بالسياسة الجبائية والصرف المالي

وربط دربال ذلك بضرورة “التراجع عن عدة إجراءات واردة بقانون المالية إذا كانت هناك إرادة المواصلة في الإصلاحات”. وقال إن “غرامات التأخير مرتفعة جدا وستنعكس سلبا على المؤسسة، فضلا عن زيادة الرسوم على القيمة المضافة التي تتناقض مع الرغبة في تشجيع التصدير”.

وأشار إلى أنه مع غياب حوار جاد وفي ظل عدم وجود مجلس اقتصادي واجتماعي، فإن ثمة العديد من الإجراءات التي يمكن اعتمادها، معتبرا أن “هناك خلطا بين وصف الوضعية وأسبابها وأن عجز الميزانية هو نتيجة لارتفاع المصاريف والمديونية الكبيرة”.

وسبق أن أعلنت وزارة الاقتصاد عن إستراتيجية جديدة تمتد لثلاث سنوات حتى 2025 لتحسين مناخ الأعمال. وتتضمن 229 إجراء قصير المدى، و34 محورا و94 هدفا تمت صياغتها في ورقات توجيهية تمثل قاعدة بيانات تضم أفكارا من مختلف الأطراف.

واعتبرت الحكومة أن الإستراتيجية تهدف إلى الترويج للوجهة التونسية في الأسواق الدولية وإرساء تصور مشترك بين القطاعين العام والخاص لمناخ أعمال مُحفّز يرتكز على قاعدة شاملة قادرة على توفير فرص العمل والقيمة المضافة والاستدامة.

ولا تزال القوانين الخاصة بالاستثمارات والبيروقراطية تشكلان أحد أهم العراقيل التي تجعل المستثمرين ينفرون من السوق، وهو ما يقلص فرص نجاح عملية الترويج لبيئة الأعمال بالبلاد كونها ستكون أكثر من مجرد دعاية نظرا لوجود تجارب سابقة لم تنجح.

وقال أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي، في تصريح لـ”العرب”، إن “الدعوات المطالبة بتغيير قانون الاستثمار لها ما يدعمها، وأن وتيرة الاستثمار تسجل تراجعا في الوقت الحالي”.

وأضاف “تحفيز الاستثمار يمرّ عبر تخفيض نسب الجباية ومراجعة السياسات المتعلقة بها، فضلا عن الإجراءات البيروقراطية، وكلفة الاستثمار عموما مرتبطة بالسياسة المزدوجة النقدية والضريبية، فضلا عن سياسة الصرف المالي”.

واعتبر أن القانون الحالي للاستثمار “أعرج وغير محفز لبعث المشاريع”، وهذا “يتطلّب رؤية شاملة مرفوقة بمناخ مستقر سياسيا وجبائيا”.

وأظهرت بيانات لوكالة النهوض بالاستثمار الخارجي أواخر يناير الماضي أن تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة للسوق المحلية نما بمقدار 18.4 في المئة بنهاية 2022 على أساس سنوي ليبلغ 2.2 مليار دولار (نحو 694 مليون دولار).

فوزي بن عبدالرحمن: بين 200 و400 مؤسسة تعيش صعوبات مالية كبيرة
فوزي بن عبدالرحمن: بين 200 و400 مؤسسة تعيش صعوبات مالية كبيرة

وتبدو الأرقام الرسمية التي توضح حجم الاستثمار الأجنبي في قطاعات مختلفة تشمل الصناعات التحويلية والخدمات والزراعة والطاقة ضئيلة قياسا بالسنوات الثلاث التي سبقت تفشي الوباء، كما أنها قليلة إذا ما تم النظر إلى أسواق المنطقة مثل المغرب ومصر.

وتعاني تونس التي يبلغ حجم ناتجها المحلي الإجمالي السنوي نحو 40 مليار دولار من أزمة مالية واقتصادية بسبب تداعيات الأزمة الصحية ثم عمّقتها آثار الحرب في أوكرانيا، وسط مساع لتعديل الأوضاع وترقب الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي.

وتعوّل الحكومة على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار لمعالجة اختلال توازناتها المالية وفتح آفاق لإبرام اتفاقات ثنائية مع أطراف مانحة أخرى، مقابل الالتزام بحزمة إصلاحات تشمل نظام الدعم وهيكلة شركات القطاع العام المتعثرة والتحكم في فاتورة الرواتب وغيرها.

وتشير أوساط اقتصادية إلى عدم وجود الضمانات الكافية التي يمكن أن توفرها الدولة حتى تقنع المستثمرين بالقدوم ولاسيما حمايتهم من تغوّل الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر النقابات العمالية بالبلاد، والذي يلقي الكثيرون عليه باللوم في هروب رؤوس الأموال.

ويعتبر هؤلاء أن التعقيدات البيروقراطية وضعف النظام المصرفي من أبرز معوقات دفع الاستثمار بالبلاد، فضلا عن استشراء الفساد المالي والإداري.

وقال وزير التشغيل السابق فوزي بن عبدالرحمن “هناك عدة عقبات تعيق الاستثمار من بينها المناخ الإجرائي والقانوني الذي يستدعي إعادة النظر فيه، إذ أصبح حزب الإدارة يتحكم في كل الإجراءات، والإدارة لم تعد تتعامل مع المواطن بعقيدة التسهيل”.

18.4

في المئة نسبة نمو تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة للسوق المحلية

وأوضح في تصريحات لـ”العرب” أن “المنظومة المصرفية لا تشجع على الاستثمار، ولدينا اليوم بين 200 و400 مؤسسة تعيش صعوبات مالية كبيرة، وكل القطاعات تعاني على غرار الصناعة والزراعة”.

وتابع “هناك غياب للشفافية ما يكرس للفساد المالي والإداري، وثمة قطاعات خارجة عن القانون وأخرى تشهد ممارسات فساد، فضلا عن كون الاقتصاد غير مهيكل، وقانون الاستثمار لسنة 2016 لم يعط نتائج فعّالة ما أدى إلى تراجع الأعمال بشكل واضح”.

وفي وقت سابق كشفت السلطات عن رهاناتها على التمويل التشاركي لتحفيز الاستثمار عبر توفير التمويل اللازم للمشاريع والشركات.

وأكد رئيس جمعية المستثمرين في رأس المال محمد صالح فراد أنه من الضروري تقديم معلومات جماعية لدفع الأشخاص لاستثمار أموالهم في هذه الآلية، مبينا أنه “لا بدّ من أن يكون منسوب الشفافية والمحاسبة كبيرا جدا لإنجاح هذه العملية”.

وتعاني تونس، التي تلقت الأسبوع الماضي دعما ماليا من البنك الدولي بقيمة 120 مليون دولار لدفع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، من فجوة تمويل كبيرة مما عرقل رواد الأعمال في ظل نقص الموارد وأزمة اقتصادية حادة، بينما تحاول الحكومة البحث عن آليات مناسبة لتشجيع الاستثمار.

ويطالب الشباب بتوفير فرص العمل حيث تتواتر الاحتجاجات المطالبة بذلك، فيما تحاول السلطات إيجاد آليات للتمويل، وحث هذه الفئة على إطلاق المشاريع لتعزيز إيرادات الدولة المتضررة من الأزمات المتراكمة منذ سنوات.

11