الصوت المستفز أزمة جديدة للإعلام المصري مع الجمهور

برامج مفتعلة تعبّر بشكل واقعي عن ارتباك الإعلام في المرحلة الراهنة.
الاثنين 2023/01/16
هل يختفي الصوت المستفز

القاهرة - أعاد الصوت المستفز والمفتعل غالبا على بعض الفضائيات المصرية استنفار الهيئات الإعلامية ضد عدد من مقدمي البرامج، عقب ارتفاع نبرة الغضب عند شريحة كبيرة من المتابعين بسبب الطريقة التي يصل بها الخطاب الإعلامي إلى الجمهور، ومحاولة إلهاء الناس بقضايا جانبية بعيدة عن أزماتهم الحقيقية.

وقررت قناة “النهار” الفضائية السبت وقف برنامج “الجمهورية الجديدة” الذي تقدمه المذيعة منى العمدة وإحالتها وفريق العمل والمسؤولين عن البرنامج إلى التحقيق الفوري، مؤكدة حرصها الدائم على تقديم محتوى وأداء مهني محترف يليق بالمشاهدين والالتزام بالأكواد المنظمة للإعلام.

وأوضحت القناة بأنها رصدت بعض الأخطاء والتجاوزات في إحدى حلقات البرنامج، وعلى إثر ذلك قررت وقفه إلى حين إعادته إلى المسار الصحيح أو إلغائه بشكل نهائي، بعد جدل واسع أثارته المذيعة منى العمدة، وتعرضت بسببه إلى موجة شديدة من الانتقادات لحديثها المثير للغرائز، ومظهرها على الشاشة الذي بدا مثيرا أيضا.

وكانت المذيعة استضافت متخصصا في التنمية العمرانية لسؤاله عن المشروعات القومية، لكن طريقة الحديث بينهما بدت كأنها على مقهى شعبي من دون مراعاة لكونهما على الهواء مباشرة، وأجرت مكالمة هاتفية أخرى مع ضيف وتحدثت معه بطريقة بدت عاطفية.

ويرى خبراء إعلام أن وقف برنامج “الجمهورية الجديدة” قد يرتبط باستياء جهات رسمية من أداء المذيعة، على اعتبار أن الطريقة التي يتم بها تقديم المحتوى مسيئة لوصف الجمهورية الجديدة الذي يطلقه الإعلام المصري على المرحلة الحالية في مصر، ويوحي بإعادة بناء الدولة، على الرغم من التحديات الصعبة.

وظهرت مذيعة برنامج “الجمهورية الجديدة” مثيرة للريبة وخارجة عن المألوف بالنسبة إلى شريحة كبيرة من الجمهور، وهو ما ينطبق إلى حد كبير على طريقة وأسلوب الإعلامية ياسمين عز في قناة “إم.بي.سي مصر”، والتي طلبتها نقابة الإعلاميين أخيرا للتحقيق معها، إذ تتعمد تقديم محتوى مستفز لعموم النساء المصريات.

وقال طارق سعدة نقيب الإعلاميين في بيان رسمي إن قرار إحالة ياسمين عز مقدمة برنامج “كلام الناس” للتحقيق مرتبط بما هو منسوب إليها من مخالفات مهنية وقانونية، حيث تلقى المرصد الإعلامي التابع للنقابة شكاوى عديدة ومن جهات كثيرة.

تقديم محتوى بطريقة لا تتفق مع تطلعات الجمهور يجلب المزيد من الغضب على المنظومة الإعلامية
تقديم محتوى بطريقة لا تتفق مع تطلعات الجمهور يجلب المزيد من الغضب على المنظومة الإعلامية

ولا تزال المذيعة ياسمين عز واحدة من أكثر مقدمي البرامج في مصر الذين يستهويهم خطاب يتعمد دغدغة مشاعر الرجال والإثناء عليهم وحث الزوجات على طاعة الأزواج وتدليلهم، وتسببت في إثارة الانقسام بعد أن حققت شهرة واسعة باختيار الطريق السهل، وهو النبش في قضايا أسرية مرتبطة بتقديس الرجل.

ودخلت عز، قبيل إحالتها للتحقيق، في مواجهة كلامية حامية مع مايا مرسي رئيسة المجلس القومي للمرأة التي اتهمتها بتحقير النساء والترويج لإذلالهن، ووصفت المحتوى الذي تقدمه في برنامجها بـ”السطحي ولا يمت للمهنية الإعلامية بصلة”.

وردت المذيعة عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بهجوم معاكس على رئيسة المجلس القومي للمرأة، متهمة إياها بترديد اتهامات “لا تعكس توازن شخصية مسؤولة يفترض ألا تنحدر إلى مستوى الشخصنة وعدم الموضوعية”.

واتهم المجلس القومي للمرأة في بلاغ رسمي موجه إلى نقابة الإعلاميين مقدمة البرنامج (ياسمين عز) بأنها تتعمد تقديم محتوى مسيء، ويمثل إهانة وتحقيرا وتقليلا من شأن النساء ويضرّ بهن وبسمعتهن، لأنه يستهدف تغييب الوعي المجتمعي، ويكرس الرجعية والتخلف والعنف ضد المرأة.

ويقدم برنامج “كلام الناس” محتوى يحمل سخرية وتنمرا على حال الأسرة، ما يؤدي إلى تدمير البنية الاجتماعية وخلق نزاعات داخل العائلة، وتمثل الطريقة الاستفزازية التي يتم بها تقديم الرسالة الإعلامية في البرنامج خطورة على العلاقات الزوجية.

ويكاد يكون برنامج المذيعة ياسمين عز الوحيد على الشاشات المصرية الذي يقدم محتوى يثير غضب النساء أمام تخمة من البرامج التي تتحدث بلسانهن وتدافع عنهن، ما جعلها (أي عز) تحقق شهرة واسعة لكونها تسير ضد التيار في عملية مساندة الرجل ظالما أو مظلوما.

وقال الخبير الإعلامي جلال نصار إن الصوت المستفز على الفضائيات المصرية، وإن كان يحقق نسب مشاهدات ومتابعة عالية، لكنه يجلب جماهيرية عكسية تقوم على النفور والغضب من الرسالة الإعلامية التي يحملها، لأن أغلب من يشاهدون المحتوى يرغبون في الاطلاع على مستجدات الاستفزاز للتسلية والمتعة، وليس أكثر.

وأضاف لـ”العرب” أن تقديم محتوى بطريقة لا تتفق مع تطلعات الجمهور يجلب المزيد من الغضب على المنظومة الإعلامية برمتها، مع أنها تعاني من تراجع في مستوى المصداقية والمهنية، مقابل التركيز على قضايا سطحية مثيرة للجدل، للحصول على مزيد من المشاهدات، وهذا في حد ذاته يؤدي إلى تغييب الوعي.

ويستهوي خطاب ياسمين عز شريحة واسعة من الرجال يشعرون بالظلم والتهميش مقابل اهتمام البرامج بالسيدات، لكن المعضلة ترتبط بكونها منصفة للعقلية الذكورية على الدوام، وتتعمد الترويج لنشر فكرة تركيع المرأة أمام الرجل بلا قيود.

ولا توجد ممانعات في وجود برامج أسرية واجتماعية تناقش القضايا العائلية، لكن الانحياز الأعمى لأي منبر إعلامي إلى فكرة محددة أو فصيل معين والدفاع عنه دون النظر إلى الأمور بشكل متوازن يفضي إلى مزيد من ابتعاد الجمهور عن الإعلام.

قناة "النهار" أعلنت وقف برنامج "الجمهورية الجديدة" وإحالة المذيعة وفريق العمل والمسؤولين إلى التحقيق

وتروج عز لضرورة أن تتحدث المرأة مع زوجها بصوت “ناعم شتوي” إذا أرادت كسب رضاه، وتقوم بتقليد الأصوات الناعمة على الهواء، وهي الأزمة التي وقعت فيها الإعلامية منى العمدة، حيث تحدثت بطريقة ناعمة وحميمية إلى حد الاستفزاز.

ويؤكد الخبراء أن هذه النوعية من البرامج تعبر بشكل واقعي عن حال الإعلام المصري في المرحلة الراهنة، والذي يميل إلى اللعب على وتر الجدل والإثارة والإلهاء على مستوى المحتوى وطريقة التقديم نفسها، فالمهم زيادة المشاهدات والبقاء على قائمة “الترند” لأطول فترة ممكنة.

وكثيرا ما يتحقق مراد بعض الإعلاميين الذين ينزلقون إلى دوامة الإثارة طوعا، بالتحول إلى مادة خصبة للجدل على شبكات التواصل الاجتماعي، وبات من الصعب أن تنتهي أي من حلقات هذه البرامج إلا ويتحول المذيع أو المذيعة إلى محور حديث الناس على المنصات الرقمية، ويحقق أو تحقق شهرة من هذه الطريقة.

ومن غير المتوقع أمام التحقيقات التي تجريها نقابة الإعلاميين مع ياسمين عز أو توقف برنامج منى العمدة أن يختفي الصوت المستفز من الشاشات المصرية طالما هناك قناعة راسخة لدى الكثير من الوجوه الإعلامية بأنه لا بديل عن اختصار مسارات الشهرة سوى تكثيف جرعات الإثارة والخروج عن المألوف والتركيز على القضايا الشاذة، لأن مسار المهنية والاحتراف معقد وطويل.

5