ترسانة القوانين والتشريعات لم تحدّ من انتشار عمالة الأطفال في تونس

عدم جدية السلطة في معالجة الظاهرة كرّس الإفلات من العقاب.
الجمعة 2022/12/16
عمالة الأطفال تؤدي إلى إستغلالهم

لم تقلّص ترسانة القوانين والتشريعات في تونس من نسب ظاهرة عمالة الأطفال، حيث يجسّد استغلال القصّر، حسب الإحصائيات والدراسات، عدم الخوف من القانون وغياب الصرامة في تطبيقه على المخالفين، فضلا عن عدم جدية السلطة في الاهتمام بهذا الملف وتوفير الآليات اللازمة لمعالجته. ويرى مراقبون أن ارتفاع نسبة تشغيل القصّر في تونس يمكن أن يجعلهم عرضة للمخاطر والاستغلال من قبل المشغّلين.

تونس - زاد الانقطاع المدرسي للأطفال في سنّ مبكرة ودون تحصيل مستوى أكاديمي ومعرفي متوازن في ارتفاع ظاهرة تشغيل الأطفال، إلى جانب الظروف الاجتماعية الصعبة التي تواجهها الأسر تبعا لارتفاع تكاليف المعيشة وتزايد الطلبات والنفقات، ما كرّس نشاط شبكات الاتجار بالبشر وتنامي العنف والجريمة في البلاد.

وانتفع 600 طفل من مختلف معتمديات محافظة صفاقس (جنوب) بصفة مباشرة من مشروع “فرصة جديدة.. أمل جديد” المنجز بالشراكة بين الكشافة التونسية بالجهة ومشروع “بروتاكت” المموّل من منظمة العمل الدولية، وفق ما تم الكشف عنه في حفل اختتام هذا المشروع الذي انتظم مؤخرا بمقر المنظمة في صفاقس.

وقال مدير المشروع القائد في الكشافة سليم الحديجي إن “المستفيدين ضمن هذا المشروع الرامي إلى مجابهة معضلة الانقطاع المدرسي يتوزعون على 300 طفل مشارك في نوادي اختصاص و200 مشارك في مراكز الدعم المدرسي و100 شاركوا في التكوين في مجال الحرف والمهن الصغرى”، لافتا إلى أنه “تمّ في إطار المشروع كذلك توزيع 150 إعانة تتمثل في أدوات مدرسية و50 إعانة غذائية للأمهات وتنظيم 75 عملية تكوين في مجالات مدرة لموارد مالية للأمهات بما يساعدهن على مجابهة خطر الانقطاع عن الدراسة الذي يواجهه أطفالهن”.

ويهدف هذا المشروع الذي دام 7 أشهر إلى مكافحة عمالة الأطفال والحدّ من الانقطاع المبكر عن الدراسة من خلال تكوين مسؤولي وأفراد الكشافة على كيفية التعامل والتأثير على هذه الفئة الهشة لدمجها وتأطيرها حتى تكون فاعلة داخل المجتمع ولمساعدتها على الولوج إلى سوق الشغل أو مراكز التكوين وخلق فرص جديدة لها وتنفيذ نماذج إعادة الدمج التربوي وبدائل أخرى في حوالي 20 تجمعا محليا عبر مناطق محافظة صفاقس المختلفة.

نجاة الزموري: لا بدّ من تطبيق القانون وتركيز هيئة عليا لحقوق الطفل
نجاة الزموري: لا بدّ من تطبيق القانون وتركيز هيئة عليا لحقوق الطفل

واعتبرت عايدة الهنتاتي إحدى المستفيدات بتدخلات البرنامج في مستوى التكوين أن “التكوين الذي تلقته في مجال صنع مربّى المعجون الطبيعي كان سببا في تفادي خطر الانقطاع عن الدراسة الذي كان يهدد أطفالها”، داعية كل الأمهات اللاتي تعانين من هذه المشكلة إلى الانخراط في مثل هذه المبادرات التي من شأنها أن تنقذ أطفالهن من براثن الانقطاع عن الدراسة”.

وقال مدير المشروع إنه “ينتظر أن تتواصل جهود الكشافة في مجابهة معضلة الانقطاع المبكر عن الدراسة في تونس من خلال قسط إضافي للمشروع يساهم في التصدي للظاهرة وبلورة حلول تربوية لتثبيت المنقطعين وإعادتهم إلى مقاعد الدراسة أو توجيههم إلى مسالك التكوين المهني وغيرها من الحلول التربوية البديلة”.

واعتبر أن النتائج المحققة في المشروع جعلت المموّل (برنامج “بروتاكت” التابع لمنظمة العمل الدولية) يقترح على الكشافة مواصلة المشروع من خلال عرض مقترح جديد بنفس الأهداف ونفس التمشّي خلال شهر ديسمبر القادم على أن تمتد النسخة الثانية من البرنامج من يناير إلى يونيو 2023 ويستفيد منها 450 تلميذا إضافيا.

وتشير تقارير عدد من الجمعيات والمنظمات الدولية والمحلية إلى تصاعد مقلق في معدلات استغلال الأطفال في سوق العمل في تونس بشكل غير قانوني خلال السنوات الأخيرة، وذلك في ظل غياب الرقابة وعدم تطبيق القانون بسبب الأوضاع غير المستقرة التي شهدتها البلاد بعد الثورة.

وأقر القانون المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة الصادر في الحادي عشر من أغسطس 2017 في الفصل 20 بأنه “يعاقب بالسجن من 3 إلى 6 أشهر وبخطية من ألفين إلى خمسة آلاف دينار كل من يتعمد تشغيل الأطفال كعملة منازل بصفة مباشرة أو غير مباشرة. كما يسلط نفس العقاب المذكور بالفقرة المتقدمة على كل من يتوسّط لتشغيل الأطفال كعملة منازل”.

ويبدو أن هذه القوانين لا تكفي لوقف عمالة الأطفال، وحسب آخر مسح في 2017 في تونس أكّد وزير الشؤون الاجتماعية السابق محمد الطرابلسي أن 180 ألف طفل يشتغلون ونسبة كبيرة منهم يشتغلون في أعمال خطيرة.

وترى أطراف حقوقية أن ظاهرة عمالة الأطفال تنتشر بشكل كبير في شوارع تونس، ما يشير إلى قصور القوانين الحالية عن حماية الأطفال، فضلا عن وجود إفلات من العقاب.

وأفادت نجاة الزموري عضو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بأن “عمالة الأطفال تأخذ أوجها عديدة وهي تتغير عبر الزمن، وبعدما لاحظنا أطفالا يشتغلون في الورشات والمقاهي، هناك أيضا عاملات قصّر في المنازل”.

عمالة الأطفال تنتشر بشكل كبير
عمالة الأطفال تنتشر بشكل كبير

وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن “هيئة مكافحة الاتجار بالبشر لديها أرقام مفزعة أيضا، والإطار القانوني متوفّر، لكن ما ينقص في علاقة بعاملات المنازل، والظاهرة تتفاقم لأنه يوجد إفلات من العقاب وعدم ملاحقة للمجرمين”.

وتابعت الزموري “هناك 100 ألف تلميذ يخرجون من المدارس سنويا، والأطفال لا يجدون حاضنة اجتماعية وبالتالي سيدخلون سوق الشغل ما يجعل الأرقام ترتفع”، مؤكّدة على “وجوب تطبيق القانون، وتركيز هيئة عليا لحقوق الطفل، وإذا لم يتم التفكير في احتضان الأطفال، فإن سوق الشغل سيستقطبهم”.

ويعدّ تشغيل الفتيات القاصرات ضمن الخدمة المنزلية أحد أبرز ملامح هذه الظاهرة، حيث تشير بعض المصادر غير الرسمية إلى الآلاف من الحالات لفتيات دون السن القانونية اللواتي يتعرضن للاستغلال والانتهاك والعمل في ظروف غير لائقة في المنازل.

وفي وقت سابق، كشف المخطط الوطني لمكافحة عمالة الأطفال في تونس عن تنوع المجالات والقطاعات ذات التشغيلية الكبيرة للأطفال وتفاوتها بحسب الجهات والمناطق، ومنها أساسا امتهان بعض الأطفال المتواجدين بالأوساط الريفية للأعمال الزراعية واليدوية كجني الزيتون ورعاية الماشية مقابل لجوء غيرهم من الأطفال القاطنين بالوسط الحضري أو شبه الحضري إلى أعمال أخرى كجمع القوارير البلاستيكية وغسيل السيارات وتنظيفها، وبيع التبغ أو التسول والعمل المنزلي والعمل لدى ورشات الميكانيك والنجارة.

الخبراء يرجعون سبب انتشار الظاهرة إلى ارتفاع مشاكل الفقر وضعف البنية التعليمية وغياب المتابعة الإدارية والنفسية للأطفال

ويتم استقطاب بعض أطفال المناطق الحدودية إلى بؤر التهريب والتجارة الممنوعة واستدراجهم إلى القيام بشتى أعمال التهريب، وتتنوع أنماط وأشكال عمالة الأطفال بحسب الجنس وتشتغل البنات بالأعمال المنزلية.

ويفسر الخبراء سبب انتشار تلك الظاهرة بارتفاع مشاكل الفقر وضعف البنية التعليمية وغياب المتابعة الإدارية والنفسية للأطفال، إلى جانب صعوبة الأوضاع المادية وسوء الظروف الاجتماعية للأسر.

وقالت كريمة الرميكي أخصائية نفسية ورئيسة جمعية “نحب نعيش مع أمي وبابا” إن “ظاهرة عمالة الأطفال تتفاقم، ولا تقتصر على تونس فقط”، مفسّرة عوامل تفاقمها بـ”أسباب مادية واقتصادية بالأساس تتعلق بارتفاع تكاليف المعيشة تبعا للأزمة الاقتصادية، فضلا عن الانقطاع المبكّر عن الدراسة وحالات الطلاق، حيث يلتجئ الكثير من الأطفال إلى العمل عندما تكون الحضانة صعبة عند الأم بهدف توفير الحاجيات والنفقات”.

وأكّدت في تصريح لـ”العرب” أن القوانين موجودة في تونس لمواجهة الظاهرة، لكن توجد أيضا سياسة الإفلات من العقاب وعدّة ثغرات، كما أن النظام التعليمي به خلل يجعل عددا كبيرا من الأطفال ينقطعون عن الدراسة، علاوة على غياب دور الأولياء والتقصير الإعلامي بعدم وجود حملات تحسيسية ضد مخاطر تشغيل القصّر.

وتابعت الرميكي “الأزمة التي تعيشها البلاد تؤثر كثيرا في تنامي نسبة عمالة الأطفال، والمسؤولية جماعية بالأساس، كما أن نمط الحياة تغير لالتزامات مهنية قلّصت من التواصل بين أفراد العائلات، ورأينا اليوم أيضا أسرا وأطفالا تستقطبهم الهجرة غير النظامية”.

وتشير وزارة التربية في تونس إلى أن قرابة 100 ألف تلميذ يغادرون سنويا مقاعد الدراسة دون تحديد وجهاتهم، بما يعرضهم لمختلف أشكال الانتهاك وخاصة استغلالهم في سوق العمل.

17