يوم "الحساب" الكهربائي

هَمُّ توفير الطاقة انطلق من الإحساس بوجوب حماية البيئة. اليوم هو حماية لما تبقى في الجيب من مال. تجول في البيت ليلا من دون ضوء وسترى بعض الأجهزة المتآمرة على البيئة والجيب معا.
الأربعاء 2022/12/14
عصر "البراءة" الكهربائية انتهى

منذ بضع سنوات انتبهت إلى أن جهاز التلفزيون الجديد لا يخبرك عمّا إذا كان موصولا بالكهرباء أم لا. منذ أن أصبح الريموت كونترول متحكما في الجهاز عن بعد، أضافت الشركات المنتجة لأجهزة التلفزيون ضوءا أحمر في ركن مرئي من أركانه. تشاهد الضوء فتعرف أن الجهاز موصولٌ بمقبس الكهرباء ومستعدّ لاستقبال إشارات الريموت كونترول. هذا اختفى الآن.

كان هذا الاختفاء من الإشارات المبكرة لتوفير الطاقة. الضوء الأحمر عادة يكون أل إي دي، أي ضوءًا من دايود إلكتروني بسيط. في عالم الإلكترونيات، الدايود المضيء من أقل القطع الإلكترونية استهلاكا للطاقة. كل أجهزة التلفزيون الحديثة عبارة عن مصفوفات من الدايودات. شاشة الهاتف المحمول بروعتها البراقة هي مصفوفة أل إي دي بمواصفات أعلى.

هَمُّ توفير الطاقة انطلق من الإحساس بوجوب حماية البيئة. اليوم هو حماية لما تبقى في الجيب من مال. تجول في البيت ليلا من دون ضوء وسترى بعض الأجهزة المتآمرة على البيئة والجيب معا. كل ضوء تراه من سيار توصيل الكهرباء أو من مقسم الإنترنت (الهب) أو من شاحنة الهاتف المركبة دائما على مقبس الكهرباء، هو مؤشّر على طاقة ضائعة. صحيح أنها قليلة وبسيطة، لكن إذا جمعت هذه الطاقة المتبددة وضربتها في عدد المنازل والمكاتب في البلد الذي تعيش فيه سترى أنها ليست كذلك. أي رقم، سواء الكيلوواط/ساعة من الطاقة أو الفلس والمليم/ساعة، اضربه في مليون من عدد المنازل، ستجد أن الرقم يتضخم ومحسوس. لا تغرّنك براءة اللون الأزرق الخافت في هب الإنترنت. إنه من المتآمرين. صحيح أنه ليس بحرارة أو ضجيج سخان الماء الكهربائي الذي يعربد عند وصوله إلى درجة الغليان، ويستهلك طاقة آنية كبيرة، لكن الفرق أن السخان يعمل لدقيقة أو أكثر قليلا ثم يسكت. تلك الأضواء الخافتة التي لا تراها تعمل 24 ساعة طوال العام.

مع ارتفاع أسعار الطاقة عالميا، صار الغربيون يحسبون حساب هذه الطاقة. تتسابق الصحف والمواقع الإخبارية إلى تقديم جردٍ لكل جهاز كهربائي يمكن أن تتخيله في المنزل. شيء أشبه بيوم الحساب، إذ كل طاقة مستخدمة أو مبددة مرصودة، بما في ذلك دلالة تراكمها في نهاية العام. الإبداع في هذه “القيامة” الكهربائية وصل إلى الكثير من التفاصيل. ما عادت المقارنة تبحث في ما إذا كان الأنسب طهو الطعام على الغاز أم بالفرن الكهربائي، أو تسخين الأكل بالفرن الغازي أو الكهربائي أم بالمايكروويف. صارت طبيعة البرامج التي تشاهدها على شاشة التلفزيون أيضا محل قياس وحساب. إذا تفرجت على فيلم هادئ أو مسلسل بمناظر بسيطة ومعتمة، فأنت توفر الطاقة. إذا جلست تتابع مباراة كرة قدم حيث الكاميرات تتحرك بسرعة لتتبع حركة الكرة واللاعبين، فاعرف أن معالج التلفزيون يشتغل بطاقة أكبر وبسرعة أعلى مما يعني استهلاكا أكثر. الفرق بين مشاهدة مسلسل درامي رتيب واللعب على فيديوغيم سريع الحركة قد يصل إلى 30 في المئة. ذهب زمان التوفير بتغيير الإضاءة من مصابيح تنغستن أو هالوجين إلى أل إي دي. ينبغي إعادة النظر في كل شيء. حتى شكل المقابس سيصير قضية الآن. البخيل البريطاني صمم المقابس مبكرا بمفتاح تشغيل وتوقيف. لا تحتاج إلى فصل الشريط. العابث الفرنسي ترك المقابس بلا مفاتيح. لإيقاف تبديد الطاقة، لا خيار لك إلا أن تسحب الشريط من مقبس الحائط. شكل المقابس المدور أجمل وأصغر بالمقارنة مع المربع البريطاني الكبير. لكنها من المتآمرين.

عصر “البراءة” الكهربائية انتهى.

20