أزمة عمال الحضائر: اتفاقيات حكومية سابقة تضغط على حكومة بودن

دعوات للاحتجاج من أجل تسوية الملف والخروج من دائرة الهشاشة الاجتماعية والمهنية.
الأحد 2022/12/04
إضرابات واعتصامات للضغط على الحكومة

الحكومة التونسية وجدت نفسها منذ أكثر من عام تواجه مشاكل بالجملة وهي أمام وضع يفرض عليها تنفيذ اتفاقيات مثل اتفاقية عمال الحضائر لا تقدر على الإيفاء بها، ومع ذلك تجد صعوبة في إعلان رفضها.

تونس - تجد حكومة نجلاء بودن نفسها في مواجهة أزمة عمال الحضائر، وهي أزمة معقدة تعود إلى اتفاقيات سابقة التزمت بما تعجز ميزانية الدولة عن الإيفاء به خاصة وأن عدد العاملين وفقا لهذه الاتفاقيات يقدّر بالآلاف.

ويطالب عمال الحضائر من الفئة العمرية 45 – 55 سنة بتسوية وضعيّاتهم وإخراجهم من دائرة الهشاشة الاجتماعية والمهنية عبر تفعيل القانون عدد 27 لسنة 2021 الذي صيغ لذلك الغرض.

وقال مجمع التنسيقيات الجهوية لعمال الحضائر إن “تحركه يأتي احتجاجا على ما وصفه بعدم وفاء الحكومة لالتزاماتها بتسوية وضعيات عمال الحضائر ممن سنهم بين 45 و55 سنة”.

فوزي بن عبدالرحمن: لا يوجد أيّ داع يمنع الحكومة من تطبيق الالتزامات
فوزي بن عبدالرحمن: لا يوجد أيّ داع يمنع الحكومة من تطبيق الالتزامات

وعبر عن “رفضه لما أسماه بالمؤشرات التي تشير إلى عدم رصد اعتمادات في ميزانية الدولة لتسوية وضعيات عمال الحضائر”، مؤكدا “تمسكه بالنضال والاحتجاج من أجل إدماج عمال الحضائر”.

وأمضى رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي اتفاقا في 20 أكتوبر 2020 يقضي بتسوية وضعيات عمال الحضائر بعد مشاورات طويلة مع الحكومات المتعاقبة منذ سنوات.

ومكّنت تلك الاتفاقية من تسوية وضعية قرابة 31 ألف عامل من عملة الحضائر الجهوية وعمال الحضائر الفلاحية وشملت ثلاثة عناوين كبرى، يهمّ العنوان الأول الذين يقل سنهم عن 45 سنة في حين يهم العنوان الثاني ما فوق 45 سنة إلى حدود 55 سنة أما العنوان الثالث فيخص ما فوق 55 سنة.

وبخصوص وضعية العمال الذين بلغ سنهم 60 سنة، تقرر تمكينهم من منحة تساوي منحة العائلات الضعيفة، ومواصلة تمكين الذين سنهم بين 55 و59 سنة من العمل في إطار الحضائر وتمكينهم من المنحة المشار إليها حين بلوغ 60 سنة.

واقترحت الحكومة آنذاك إمكانية إدراج برنامج للتكوين والتدريب للراغبين من هؤلاء العملة لإكسابهم المهارات الضرورية للحصول على عمل لائق.

وتم الاتفاق خلال الجلسة التي حضرها وزير الشؤون الاجتماعية وأمناء عامون مساعدون لاتحاد الشغل على مواصلة التشاور والحوار واستكمال تحديد حاجيات بقية الوزارات.

وبعد سلسلة من الاحتجاجات، أصدرت رئاسة الحكومة الأمر الحكومي المتعلق بإدماج عمال الحضائر في الرائد الرسمي بتاريخ 18 يوليو 2021 وإنهاء العمل بآلية تشغيل عملة الحضائر الجهوية والحضائر الفلاحية.

وخلّف الاتفاق حينها غضب العمال الذين تتراوح أعمارهم بين 45 و55 سنة باعتباره نص على تسريحهم مقابل 20 ألف دينار.

وقال جمال الزموري المتحدث باسم مجمع التنسيقيات لعمال الحضائر إن “الاتفاق المبرم في أكتوبر 2020 منصف من جانب وظلم فئة معينة من جانب آخر، حيث تم اقتراح تسريح من سنهم بين 45 و55 سنة مقابل تعويضات مالية قدرت بـ20 ألف دينار”.

جمال الزموري: بدأنا نشعر وكأن الحكومة تتنصل من تلك الوعود وفي هذا الإطار يأتي احتجاجنا
جمال الزموري: بدأنا نشعر وكأن الحكومة تتنصل من تلك الوعود وفي هذا الإطار يأتي احتجاجنا

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الحكومة بدأت في تنفيذ إجراءات من هم أقل من 45 سنة بخطوات بطيئة، وعقدنا بعد ذلك جلسات مع أطراف حكومية كان آخرها في 28 مايو الماضي، لكننا بدأنا نشعر وكأن الحكومة تتنصل من تلك الوعود وفي هذا الإطار يأتي احتجاجنا حتى يتم إدراجنا في الميزانية الجديدة”.

وطالب الزموري بـ”تفعيل القانون 27 لسنة2021”، لافتا إلى أن “العدد الجملي لعمال الحضائر في حدود 47 ألف عامل، منهم 31 ألفا دون 45 سنة ، فيما يبلغ عدد العمال بين 45 و55 15280 عاملا”.

وتختلف تقديرات الأرقام بخصوص عمال الحضائر حسب احتياجات الدولة منذ ما يزيد عن 10 سنوات.

وسبق أن قدّر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عددهم بحوالي 100 ألف عامل يشتعلون وفقا لهذه الآلية، لكن عضو التنسيقية جمال الزموري أكد أن عدد عمال الحضائر يقدّر بحوالي 74 ألفا أغلبهم (47 ألفا) يعملون في الحضائر الجهوية أي في منشآت ومؤسسات عمومية فيما يعمل البقية في الحضائر الفلاحية.

ويرى مجمع التنسيقيات الجهوية لعمال الحضائر ما بعد 2011، أن الحكومة لم تنفذ التزاماتها بتسوية وضعيات هؤلاء العمال، في خطوة قد تشير إلى تنصّل الحكومة من مسؤولياتها.

وقالت الممثلة عن التنسيقيات الجهوية لعمال الحضائر إيمان العزري الأربعاء إنهم تلقوا وعودا بتسوية وضعية عمال الحضائر 44 – 45 سنة لكن الحكومة لم تف بتعهداتها.

ويطالب مراقبون بضرورة التواصل الحكومي في إدارة هذا الملف الشائك مع التزام الحكومة بتنفيذ تعهدات من سبقوها.

وأفاد فوزي بن عبدالرحمن وزير التشغيل السابق أنه “لا يوجد من يتابع الموضوع بجدية حتى تطبّق الحكومة التزاماتها، نظرا إلى ضعف الميزانية وعدم الزيادة في كتلة الرواتب”.

وقال في تصريح لـ”العرب”، “لا يوجد أيّ داع يمنع الحكومة من تطبيق الالتزامات، ويفترض أن يكون هناك تواصل حكومي، كما أن الاتفاق المبرم مع صندوق النقد الدولي موجود كهاجس دائم لديها”.

ويشترط مجمع التنسيقيات الجهوية لعمال الحضائر ما بعد 2011 تراجعه عن التصعيد الميداني الذي سيتوجّه له، “بتمكين الحكومة عمال الحضائر من حقهم في الإدماج الوظيفي، وتفعيل القانون عدد 27 لسنة 2021 بفتح باب الخروج الطوعي لمن يرغب في ذلك، وانتداب البقية على دفعات بتركيز منصة إلكترونية في أقرب وقت، على ألا يتجاوز ضبط القائمة النهائية موفى شهر ديسمبر 2022، قبل المرور مباشرة في التسوية”.

كما تم التنصيص على وجوبية الخروج الطوعي للعمال الذين يتراوح سنهم بين 45 و55 سنة مقابل منحة مغادرة تناهز الـ20 ألف دينار مع مواصلة الانتفاع بالتغطية الصحية على أن تتكفل الدولة بالمساهمات الموافقة للفترة الدنيا المُستوجبة لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهو ما رفضه عدد كبير من المعنيين.

محكمة المحاسبات أشارت سابقا إلى تسجيل الآلاف من الأسماء الوهمية في هذه القوائم والحصول على رواتب دون ممارسة العمل

واقترنت بالملف العديد من التجاوزات، حيث أكدت محكمة المحاسبات في تقارير سابقة تسجيل الآلاف من الأسماء الوهمية والحصول على رواتب ومنح من دون ممارسة العمل الموكل إليهم، فضلا عن عمل بعض الأشخاص ضمن هذه الآلية من دون استكمال شروط الانتفاع بها، من قبيل العمل في وظيفة أخرى غير تلك التي منحه إياها هذا الإجراء، وذلك إلى جانب التجاوزات المتعلقة بعمليات تسوية الأوضاع.

كما بيّنت المحكمة من خلال عملية تدقيق شملت أوضاع أكثر من 70 ألف عامل حظائر في مختلف الجهات أنّ نحو 9 آلاف عامل يتقاضون منحا مزدوجة أو لديهم مشكلات تتعلق بحصولهم على معرّف جبائي أو أرقام تخص التغطية الاجتماعية.

وفي 2019، قامت وزارة التنمية والتعاون الدولي بعملية تدقيق أدت إلى تسريح أكثر من 30 ألف عامل كانوا يتقاضون رواتب من دون وجه حق، وكان بعضهم يعمل في قطاعات أخرى، سواء خاصة أو عامة، وتبيّن أنّ آخرين من الموتى أو تجاوزوا الستين عاما، كذلك ثمّة أشخاص يتقاضون رواتب شهرية منذ سنوات، وهم يلزمون بيوتهم وعاطلون عن العمل.

وسبق أن أعلنت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد تلقيها عريضة تفيد تعمّد موظّفين في إحدى معتمديات الكاف تسجيل 40 شخصا كعمّال حظائر يحصلون على قسط من رواتبهم في حين أنّهم لا يعملون فعلياً، مضيفة أنّ “هؤلاء الأشخاص بالإضافة إلى كونهم من أصحاب الأملاك، لا تتوافر لديهم شروط العمل بمقتضى الآلية المذكورة”.

وغرقت الدولة في الانتدابات العشوائية منذ 2011 في إطار الترضيات، بتقديم وظائف وهمية لإسكات أصوات قد تحتج ضد السلطة وتطالب بالتشغيل في أيّ لحظة.

وفضلا عن وضعية عمال الحضائر تواجه تونس حزمة من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية أحالت الكثير من المواطنين على البطالة، كما ارتفعت نسبة الفقر وتراجعت القدرة الشرائية للتونسيين.

2