المهندسون التونسيون منشغلون بأزمة شح المياه في ظل غياب الدولة

عمادة المهندسين تعد دراسة حول الأزمة وتطالب بتنفيذ الحلول المقترحة.
السبت 2022/12/03
المزارعون أول المتضررين

تونس - تشغل أزمة شح المياه المحتدمة التونسيين وهو ما دفع عمادة المهندسين إلى تنظيم ندوة للتحذير من استمرار الدولة في تجاهل الأزمة. ودعا مهندسون وخبراء إلى إعلان حالة الطوارئ المائية، في ظلّ التحديات القائمة وتزايد الطلب العالمي على الماء، وسط إقرار بأن البلاد أصبحت مهددة بالفقر المائي، وتحذيرات متواصلة من تعمّق أزمة شحّ المياه عبر ترشيد الاستهلاك وتطوير الكميات القابلة للاستغلال.

ويؤكّد هؤلاء أن إطلاق هذه "الدعوة الملحة" يأتي بعد أن كشفت دراسة أشرف على إنجازها مجلس علوم الهندسة التابع لعمادة المهندسين بتونس أن الوضع المائي الحالي في تونس بلغ درجة “التوتر المائي وما دونه هو شح المياه ويجب التفكير في اتخاذ إجراءات استثنائية لضمان عيش الأجيال القادمة".

وطالب عميد المهندسين كمال سحنون بـ"ضرورة التسريع في اتخاذ إجراءات استثنائية وترجمة الدراسات التي تم إنجازها في علاقة بالشح المائي تفاديا لبلوغ تونس مرحلة الفقر المائي". وأضاف "لا بدّ من ترجمة جملة من الدراسات على أرض الواقع والدفع حتى لا تبقى حبرا على ورق، من أجل ضمان عيش الأجيال القادمة".

وقال إن الدراسة حول الوضع المائي في تونس والحلول الممكنة له أجريت بين يوليو ونوفمبر الماضيين بمشاركة 28 مهندسا وخبيرا تونسيا تحت إشراف مجلس علوم الهندسة وتم إرسالها إلى رئاسة الجمهورية والحكومة ووزارة الفلاحة في الأسبوع المنقضي، وهي تهم أيضا مجلس الأمن القومي بهدف “إعطائها الفاعلية التنفيذية”.

روضة قفراج: نطالب بوضع نماذج تتأقلم مع الشح المائي وفترات الجفاف
روضة قفراج: نطالب بوضع نماذج تتأقلم مع الشح المائي وفترات الجفاف

وأوضح أن أهم المقترحات الواردة في الدراسة يتمثل في "الحوكمة المائية وهي الآن حوكمة ضعيفة جدا وعقلية التونسي لا تعرف التحكم والاقتصاد في المياه". وشدد على أهمية دور الإعلام في معاضدة جهود اتخاذ “الإجراءات الاستثنائية وتنبيه السلطات وأصحاب القرار والرأي العام من مشكلة المياه والحلول المقترحة”.

وتفيد الدراسة بأنه خلال فترة الستينات كان الفرد التونسي يتوفر على 1000 متر مكعب من الماء سنويا كمعدل عام خلال الستينات أما الآن فأصبح يتوفر على 450 مترا مكعبا سنويا، في حين أن المستوى الدولي الأدني هو 1000 متر مكعب لأن ما دون هذا المستوى هو الشح المائي.

وتؤكّد أن 55 في المئة من المياه الطبيعية المتوفرة على سطح الأرض من الأمطار في تونس تتبخر أو تذهب إلى البحار، وهذا فيه عمل أساسي للحوكمة الرشيدة للحفاظ على المياه المتوفرة.

بدوره، قال مدير عام مكتب التوازنات المائية وممثل وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري في الندوة حمادي الحبيب إن "تنظيم الندوة هو مبادرة طيبة من عمادة المهندسين لأن الوضع المائي في البلاد  صعب وصعب جدا ويتطلب دعم الحلول المائية التقليدية بحلول غير تقليدية أو صناعية". وأوضح أن "البلاد مرت مؤخرا بسبع سنوات جافة نتيجة لارتفاع الحرارة ونقص الأمطار، ما تسبب في نقص الموارد الطبيعية للمياه مما يتطلب مستقبلا زيادة كمية المياه المحلاة من البحر والمعالجة من المياه المستعملة".

وتُصنّف تونس من بين البلدان الفقيرة مائيا نتيجة الجفاف وزيادة الاستهلاك والتغيرات المناخية، ما يجعل من الكميات المجمعة في السدود الضمانة المتوفرة لتدارك العطش. وأفادت الدكتورة روضة القفراج، عضو مجلس علوم الهندسة لعمادة المهندسين والخبيرة في الموارد المائية والتأقلم مع التغيرات المناخية، بأن “الكميات المائية الحالية مهددة، بسبب تدني كل المؤشرات المتعلقة بكمية المياه ونوعية المياه المتوفرة للمواطنين".

وقالت لـ"العرب" "مؤشر التوتر المائي في تونس ارتفع من 66 في المئة عام 2000 إلى 109 سنة 2020”، وطالبت بـ”وضع نماذج جديدة تتأقلم مع حالة الشح المائي وفترات الجفاف المتتابعة التي تمر بها البلاد، فضلا عن وضع إطار وطني للحوكمة يتميز برؤية واضحة ومشتركة بين الجهات الفاعلة، مع ضمان فاعلية وظائف الإشراف والرقابة والتنسيق والاندماج بين جميع الأنظمة السياسية والاجتماعية والإدارية القائمة، بهدف إدارة الموارد المائية وحوكمتها”.

وأضافت “الحفاظ على أمن المياه في تونس يتطلب تطوير بدائل وابتكارات مؤسساتية وتكنولوجية مستدمة، لأن الأمن القومي مرتبط بالماء، لذلك وجب إعلان حالة الطوارئ للمياه حتى نتفادى خطر انهيار كلي للمنظومات المائية وللاقتصاد ككل”.

ودعت القفراج، إلى “تنفيذ الإجراءات الأكثر إلحاحا لتجنب مخاطر حدوث حالة انهيار مائي قبل 2030، إلى جانب إعلان حالة الطوارئ المائية مدعومة بإطار قانوني وتنظيمي يمكن تكييفه بسهولة مع الظروف المتغيرة للمياه، فضلا عن إنشاء مؤسسة شاملة لحوكمة وإدارة المياه مثل مجلس أعلى للأمن المائي تحت إشراف رئاسة الجمهورية أو الحكومة”.

ويبلغ إجمالي قدرة استيعاب السدود التونسية مليارين و337 مليون متر مكعب، غير أن الجفاف يمنع تعبئة أكثر من نصف طاقتها سنويا. وقال الخبير في البيئة والتنمية المستدامة عادل الهنتاتي إن “التغيرات المناخية الطارئة على العالم عمقت الأزمة، حيث توجد مناطق بها أمطار وفيضانات وأخرى تشهد جفافا مستمرا”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “هناك أزمة مناخية وتونس بلد فقير مائيا، فضلا عن مشكلة سوء الحوكمة واستغلال كميات المياه المتاحة، في ظل شحّ الأمطار خلال السنوات الأخيرة، وهو ما أدى إلى ارتفاع استعمال المياه المعلبة إلى أكثر من 10 مرات، أي من 900 مليون لتر إلى أكثر من 4 مليارات لتر في السنة”.

◙ مياه الخزان الجوفي تتوزع على 80 في المئة داخل الأراضي الجزائرية، و13 في المئة في ليبيا، و7 في المئة فقط في تونس

وتابع الهنتاتي، “هناك 62 في المئة من تجهيزات شبكة استغلال وتوزيع المياه متهالكة، وأصبح هناك ضياع في الشبكة مع أن مياه السدود نائمة لأكثر من 10 أشهر وهذا يسبب مشكلة التبخّر”، لافتا إلى أن “التونسيين يستغلّون في سنوات الجفاف ما بين 750 و800 مليون متر مكعّب في إطار الاستهلاك المنزلي، وشحّ المياه يأتي من سوء الحوكمة، والمواطن يواصل التبذير”.

وكانت الأمم المتحدة قد حثت تونس والجزائر وليبيا على “ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لإيقاف تضرر الخزان المائي الجوفي المشترك في الصحراء الحدودية للبلدان الثلاثة”.

وتتوزع مياه الخزان الجوفي على 80 في المئة داخل الأراضي الجزائرية، و13 في المئة في ليبيا، و7 في المئة فقط في تونس. وتواجه تونس إضافة إلى مشكلة شحّ المياه تحدّيات أخرى، لاسيّما ارتفاع درجات الحرارة، إذ يُتوقّع أن ترتفع درجات الحرارة بأكثر من 3 درجات في أفق عام 2050.

كما يحذر خبراء بيئة من تداعيات إهمال أزمة المياه في تونس على القطاع الصحي، في ظل مؤشرات على تسبب تلوث المياه في أمراض ظهرت في عدد من مناطق البلاد. وباشرت تونس منذ عام 2015 العمل بحلول بديلة لتوفير المياه، من بينها إنشاء محطات لتحلية مياه البحر، خصوصا في مناطق الجنوب.

وتوجد في تونس ثلاث محطات لتحلية مياه البحر في جربة وقابس وصفاقس (جنوب شرق) وتوفر 15 مليون متر مكعب سنويا وستصل الكمية في 2050 إلى 300 مليون متر مكعب بزيادة عدد محطات التحلية.

4