الصمت على فوضى البرامج الرياضية يعقّد ضبط الإعلام المصري

التهاون مع مقدمي البرامج الرياضية يرتبط بالخوف من ردة فعل الجمهور.
الأربعاء 2022/11/16
تهديد وتحد بمساندة الجمهور

يحاول المجلس الأعلى للإعلام في مصر ضبط المنابر الرياضية المثيرة للفوضى عبر وقف برامج ومعاقبة مذيعين والتلويح بإلغاء تراخيص محطات تلفزيونية، لكن ذلك لم يفلح في القضاء على الانفلات الإعلامي.

القاهرة - تحرك المجلس الأعلى للإعلام في مصر أخيرا بفتح تحقيق عاجل بشأن تجاوزات قناة رياضية مملوكة لنادي الزمالك تحمل اسمه، بعد أن تلقى شكاوى من أطراف عديدة حول مخالفات إعلامية ارتكبتها القناة.

جاء التحرك عقب قيام مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك بتقمص دور المذيع على مدار الأيام الماضية، واستغلال القناة في تصفية حساباته مع خصومه في الوسط الرياضي، وتحويل برنامجه إلى منبر سياسي من خلال الهجوم على معارضي الحكومة، وفضح مخططات الإخوان بعد دعوات الاحتجاج في الحادي عشر من نوفمبر الماضي.

واستخدم منصور عبارات خارجة عن الآداب العامة باعتبار أن ذلك سيكون مقبولا من الهيئات الإعلامية التي تدير المشهد لأنه يدافع عن النظام المصري ويوجه خطابه إلى الإخوان، ما أثار حفيظة شريحة واسعة من الجمهور، فمثل هذه الألفاظ لا يجب ترديدها على الشاشات حتى لو كانت موجهة إلى إرهابيين.

وقال مجلس الإعلام في بيان رسمي السبت إنه يحذر كل الأطراف من الاستمرار في ارتكاب مخالفات تتنافى مع السلوك الرياضي النظيف بعد أن أعطى فرصة طويلة للجميع وعلى مدى شهور عديدة بممارسة حق النقد والرأي والرأي الآخر والبعد عن التعصب، ولكن أسيئ استخدام هذا الحق، ما يحتم التدخل الحاسم والفوري.

بعدها خرج مرتضى منصور ليعلن أنه لم يخطئ عندما تحدث بهذه النبرة في القناة، مبررا موقفه بأنه كان يدافع عن الدولة المصرية، متعهدا بأن “القناة لن يتم غلقها مهما حدث”، واصفا نفسه بـ”الأسد” الذي لا يخاف.

بدت رسائل التهديد والتحدي الصادرة عن رئيس نادي وقناة الزمالك موجهة ضمنيا إلى المجلس الأعلى للإعلام، في إشارة إلى عدم امتلاك الجهة المسؤولة عن إدارة المشهد صلاحيات أو نفوذا قد يجعلها قادرة على المحاسبة.

وهذه ليست المرة الأولى التي يتحرك فيها مجلس الإعلام للتحقيق مع قناة الزمالك، لكن في كل مرة تعود، مثل باقي المنابر الرياضية، لتمارس هواية الانفلات والفوضى ونشر التعصب الجماهيري دون رادع، ما كرس خروج الإعلام الرياضي عن النص، رغم وجود مدونة سلوك ببنود مشددة، إذا تم تطبيقها بحذافيرها لن تتكرر المخالفات.

حاول مجلس تنظيم الإعلام ضبط المشهد أكثر من مرة عبر وقف برامج ومعاقبة مذيعين والتلويح بإلغاء تراخيص محطات تلفزيونية، لكن ذلك لم يفلح في القضاء على الانفلات الإعلامي وردع المنابر الرياضية المثيرة للفوضى.

جلال نصار: التدخل المتأخر لمحاسبة المتجاوزين في الإعلام الرياضي يعمق الفوضى ويجعل كرسي المذيع مستباحا
جلال نصار: التدخل المتأخر لمحاسبة المتجاوزين في الإعلام الرياضي يعمق الفوضى ويجعل كرسي المذيع مستباحا

في كل مرة تعاقب الهيئات الإعلامية مذيعا أو مسؤولا بناد رياضي لاتهامه بإثارة التعصب وزيادة الاحتقان الجماهيري وتصفية الحسابات يعود ليؤدي الدور نفسه حتى أصبحت الإثارة سمة في الكثير من البرامج الرياضية وخارجة عن السيطرة، ووصل البعض من مقدمي البرامج إلى كرسي المذيع بالشهرة وليس بالخبرة والمهنية.

هناك مدونة سلوك مطبقة على الإعلام الرياضي في مصر منذ فبراير الماضي، تنص على عدم قيام المذيعين بوظيفة يمكن أن تؤدي إلى تعارض المصالح أو تظهر شبهة سواء أكان التعارض حقيقيا أو من المحتمل حدوثه، في حين أن مرتضى منصور هو رئيس ناد، كما أن أشهر مقدمي البرامج الرياضية والمحللين يعملون في أندية.

وأكد جلال نصار الخبير الإعلامي أن غياب مهنية الإعلام الرياضي مرتبط باعتماد الكثير من البرامج على نجوم سابقين للقيام بمهمة المذيع، وعدم تطبيق الأكواد الإعلامية بشكل صارم، فأصبحت الكثير من الوجوه التي تظهر على الشاشات منحازة وتفتقد للشفافية وتخاطب الجمهور كمشجعين وليس كمذيعين.

ويفسر خبراء المجلس الأعلى للإعلام ونقابة الإعلاميين مسؤولية الفوضى التي ضربت المنابر الرياضية في مصر بأن معظم مقدمي البرامج لم يحصلوا على رخصة مزاولة المهنة، أي أنهم مخالفون للحد الأدنى من المعايير والاشتراطات المنصوص عليها في اللوائح المنظمة للإعلام، ويتم غض الطرف عن هذه المخالفة.

وأحيانا تتم محاسبة مقدمي برامج رياضية على هفوات وعبارات خارجة بتهمة تغذية التعصب الجماهيري من دون التطرق إلى أصل المشكلة المرتبط بكون هؤلاء ليسوا مذيعين ولم يحصلوا على ترخيص بالظهور على الشاشة، حتى أصبح كل من لديه شهرة سابقة أو حالية في ناد يجلس على كرسي المذيع ليتحدث إلى الجمهور.

ولدى الخبراء شعور متصاعد بأن تراخي الهيئات الإعلامية في التعامل بحزم مع مقدمي البرامج الرياضي مرتبط بخشية ردة فعل الجمهور الذي قد يصنف ذلك على أنه استهداف متعمد، ويتم جر الحكومة إلى المشكلة، والإيحاء بأنها تسعى لهدم ناد بعينه من خلال التربص بالمنبر الإعلامي الذي يدافع عنه ويتحدث بلسانه.

التنافس الرياضي بين قناتي الزمالك والأهلي تخطى المستوى المسموح به مهنيا، وتسربت السياسة إلى القناتين

وأشار جلال نصار في تصريح لـ”العرب” إلى أن التدخل المتأخر لمحاسبة المتجاوزين في الإعلام الرياضي يعمق الفوضى ويجعل كرسي المذيع مستباحا، وهذا يتطلب تحركا صارما قبل أن تصبح عشوائية البرامج الرياضية مسيطرة على باقي المنابر الأخرى، مضيفا أن المشهد لم يعد يتحمل التجاوزات المتكررة.

تكمن المعضلة في أن بعض قنوات الرياضة في مصر خرجت عن الإطار المخصص لها وانخرطت في صراعات سياسية واجتماعية، وتعمدت توظيف جماهيريتها ونسب مشاهداتها المرتفعة في تحصين نفسها من المساءلة، بالتالي لم تعد متنفسا للفئات التي ملت من القنوات العادية وانحيازها الكامل إلى الحكومة.

وتخطى التنافس الرياضي بين قناتي الزمالك والأهلي المستوى المسموح به مهنيا، وتسربت السياسة إلى المحتوى المقدم في القناتين، فبرامج محطة الأهلي تبدو كأنها تتحدث بلسان حزب الحكومة الضمني الذي يدعم خطوات التخلص من مرتضى منصور بعد أن أصبح عبئا على الدولة، وتعددت مزايا إبعاده عن الساحة.

ويوحي المحتوى المقدم على شاشات قناة الزمالك بخطاب حزب يشعر بالاستهداف والمظلومية ومحاولة إبقائه غارقا في المشكلات على أمل توظيف قاعدته الجماهيرية للضغط على دوائر صناعة القرار للتدخل في حل أزماته، ولا مانع من تحويل القناة إلى منبر سياسي يستهدف المعارضين لنيل رضاء النظام.

ترتب على هذا الواقع أن العديد من المنابر الإعلامية، العادية أو الرياضية، تبارز نفسها عبر التلاسن اللفظي وتبادل الاتهامات، فإذا انتقد برنامج بعينه منبرا لانحيازه إلى اسم ناد محدد يأتي الرد الصاعق من مقدم البرنامج المتهم بالانحياز، حتى صار الإعلام الرياضي أقرب إلى ساحة معارك مع بعضه البعض.

وإذا استمر إخفاق الهيئات الإعلامية في وقف انفلات وفوضى المنابر الرياضية فإن الحكومة ستواجه أزمة في مخاطبة الناس لأن الجمهور ينجذب إلى صراعات الإعلام الرياضي في ذروة حاجة الدولة إلى اهتمام الشارع بما تقوم به من إنجازات على الأرض، لكن المنابر الرياضية تلهي الناس عن الإيجابيات.

16