الأسرة المصرية تلجأ إلى تغيير نمط المعيشة لمواجهة الأزمة الاقتصادية

أثرت الأزمة الاقتصادية سلبا على الأسر المصرية التي باتت مجبرة على تغيير نمط عيشها لمجاراة الأزمة، لذلك فإن 65 في المئة من العائلات قامت بالاستغناء عن بعض الضروريات بعد أن أصبحت تعاني من عدم كفاية الدخل مقارنة بالمصاريف، إضافة إلى فقدان بعض الأسر لمورد رزقها واضطرار البعض الآخر للعمل في وظيفتين. ويرى الخبراء أن الأزمات يمكن أن تمر بسلام شريطة قدرة الزوجين على إدارتها.
القاهرة - أربكت الأزمة الاقتصادية في مصر حسابات الكثير من الأسر، وأصبحت هناك أنماط استهلاكية إجبارية للمعيشة والتكيف مع الأزمة الاقتصادية المحتدمة، تعتمد على التخلي عن الضروريات والتركيز على السلع والخدمات ذات الأولوية القصوى، أملا في تجاوز الضغوط المعيشية بأقل الخسائر في ظل ارتفاع معدلات الغلاء وشح الموارد وعدم قدرة الحكومة على إيجاد حلول سريعة للأزمة الراهنة.
وأظهرت الأرقام التي أعلنها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (جهة حكومية) قبل أيام عمق الأزمة التي تواجه نسبة كبيرة من الأسر المصرية، حيث كشف عن قيام 65 في المئة منها بالاستغناء عن بعض الضروريات وتغيير النمط الاستهلاكي في شراء واستخدام السلع الغذائية للحفاظ على كيان الأسرة من التصدع وتجنب الأزمات.
وأشار جهاز الإحصاء إلى أن 74 في المئة من الأسر اضطرت إلى خفض استهلاكها من السلع الغذائية المختلفة، في حين بلغت نسبة العائلات التي تراجع استهلاكها للبروتين حوالي 90 في المئة، وهو رقم كبير ويشير إلى أن الأسر التي استمرت حياتها على نفس المنوال بعد ارتفاع حدة الأزمة الاقتصادية لا يتجاوز عددها 10 في المئة، وتمثل نحو 10 ملايين نسمة، من إجمالي عدد السكان البالغ 104 ملايين نسحة وفقا لآخر الأرقام الرسمية، وهي الشريحة القليلة التي لديها قدرة على مواجهة عدم الاستقرار الاقتصادي.
والدراسة التي أجريت على حوالي عشرة آلاف أسرة رصدت أن الحاصلين على شهادة جامعية من أكثر الفئات التي تضررت بخسارة أكثر من 20 في المئة منهم لعملهم، وأظهرت أن ثلث الأسر يعاني من عدم كفاية الدخل للوفاء بالاحتياجات الأساسية، والنسبة أعلى في الريف مقارنة بالحضر.
ولاحظ المسح الخاص بالدراسة تناسب الدخل عكسيا مع عدد أفراد الأسرة، فكانت دخول ثلث الأسر المكونة من ثلاثة أفراد لا تكفي، بينما تعجز دخول نصف الأسر ذات الستة أفراد أو ما يزيد عن كفايتها، ولجأت غالبية الأسر إلى الاقتراض لمعالجة عدم كفاية دخولها، واعتمد 2.3 في المئة على مدخراتهم الشخصية.
وكانت أسرة عماد السيد، المكونة من خمسة أبناء وزوجين، من ضحايا الأزمة الاقتصادية بعدما انقلبت أحوالها رأسا على عقب، فالأب اضطر للعمل في وظيفتين، يعمل إداريا في جهة حكومية صباحا، وبائعا في متجر مساء، والأم كذلك، تعمل معلمة في مدرسة صباحا وخلال الفترة المسائية تقوم بحياكة الملابس في منزلها.
وقالت الأم لـ"العرب" إن لديها ابنتين اقترب موعد زواجهما دون أن تشتري أي شيء، ما اضطرها وزوجها لاستقطاع النسبة الأكبر من الدخل للإنفاق على الزفاف، فلم تعد هناك رفاهيات أو تنزه ولا وقت للراحة، وبالكاد تشتري الأسرة أرخص وأقل السلع الغذائية بعد أن كانت العائلة الصغيرة تغطي احتياجاتها.
وارتفعت تكاليف الزواج في مصر على وقع غلاء الأسعار وتحرير سعر الجنيه أمام العملات الأجنبية، وتتطلب زيجات الشباب والفتيات أن تستدين الكثير من الأسر. وتحدث الأب عماد عن قرب وصوله إلى مرحلة الاكتئاب، مؤكدا لـ"العرب" أن الأزمة الاقتصادية غيّرت مسار حياته وأسرته كليا، ويتذكر وقت أن كان يشتري لأولاده ما يريدون، بغض النظر عن التكلفة، لكن اليوم يشعر أن أولاده يعيشون في حرمان.
ورغم أنه في منتصف الخمسينات من العمر، إلا أن ملامحه تظهر عليها علامات الشيخوخة من كثرة الهموم والضغوط النفسية، قائلا "الأزمة الاقتصادية تسببت في فتور العلاقة الأسرية، وغابت المشاعر والعاطفة وحل مكانهما المزاج السلبي بعدما تمحورت الأحاديث حول طرق التدبير وعبور الأزمة والبحث عن حل للمشكلات". وأضاف "ما يجعل الرجل صامدا في وجه الأزمة الاقتصادية أن تكون شريكة حياته وفيّة وأصيلة وصابرة وتتحمل الصعوبات دون أن تشتكي من ضيق الحال".
وأشار عماد إلى أن أي رب أسرة يمكن أن يعبر الضغوط المالية والنفسية والمشكلات التي تعصف بالأسرة شريطة أن تكون الزوجة راضية وتتقاسم الهموم والمسؤوليات.
ويعتقد متخصصون في العلاقات الأسرية أن تدهور الأحوال الاقتصادية للأسرة أمر وارد في أي مجتمع، وبين الكثير من الفئات والشرائح، لكن المهم في كيفية التشارك والتفاهم بين الزوجين لتجاوز تلك الصدمة، ومن الصعب أن يظل تماسك الأسرة وقت الأزمات بلا تفاهم وتجنب صدامات قد تقود لانهيار العلاقة الزوجية.
ويقول المتخصصون إن المشكلة الأخطر وقت الأزمات الاقتصادية المفاجئة التي تواجه الأسرة ترتبط بطريقة إدارة العلاقة بين الآباء والأبناء، وتكون هناك مشاركة جماعية في تحمل المسؤولية والحفاظ على كيان الأسرة، ومنع تسلل سلوكيات سلبية خطيرة تسرع من وتيرة الفتور والتمرد والعصيان من الأبناء تجاه الآباء.
◙ ثلث الأسر يعاني من عدم كفاية الدخل للوفاء بالاحتياجات الأساسية والضرورية، والنسبة الأعلى في الريف
وأكدت عنان حجازي خبيرة الاستشارات الزوجية والعلاقات الاجتماعية بالقاهرة أن تغيير النمط الاستهلاكي للأسرة وقت الأزمات إجراء جيد، والعبرة في استمرار استقرار العلاقة الزوجية، لأن التحديات الراهنة اختبار جاد للشريكين وطريقة التربية التي تم اتباعها مع الأبناء ومدى تنشئتهم على تحمل المسؤولية.
وقالت لـ"العرب" إن المزاج السلبي داخل بعض الأسر نتاج طبيعي لتغير الأنماط الاستهلاكية والاستغناء عن الكثير من الاحتياجات الضرورية، وهناك أسر لم تعتد العيش على القليل من الإمكانيات، وتكمن الخطورة في سلبية أحد الشريكين وترك الطرف الآخر يتحمل المسؤولية بمفرده، وهذا يؤدي إلى تصدع العلاقة في المستقبل، خاصة مع شعور الزوج أو الزوجة بأنه يجاهد وحيدا لأجل استقرار الأسرة.
ولجأت مريم حلمي إلى شراء البروتين الحيواني مرة واحدة كل أسبوعين، على أن يتم تدبير السلع الغذائية بأقل تكلفة، لكن ذلك لم يُعجب زوجها الذي يصر على استمرار نمط حياة الأسرة ولو عن طريق الاستدانة لحين تجاوز الأزمة، حتى صارت الأم تتحمل وحدها المسؤولية، فهي لا تستطيع فعل ذلك، ولا تقدر على تدبير المال.
وتعمل مريم مدرّسة وتجاهد لتدبير شؤون الأسرة، بينما يجلس زوجها في المنزل بعد إحالته إلى المعاش من وظيفته الحكومية. وأوضحت لـ”العرب” أن أزمة المرأة في البيئات البسيطة أنها تواجه وحدها عملية الحفاظ على استقرار الأسرة ومنعها من الانهيار، فهي مطالبة بتدبير الاحتياجات والنفقات وتوفير متطلبات الأبناء في التعليم، وتلبية رغبات الزوج، وتحافظ على جمالها ومرحها طوال الوقت.
وتعبر هذه الحالة عن أزمة معقدة يعيشها عدد كبير من النساء، فالزوجة تظل الحلقة الأضعف داخل الأسرة كلما تعرضت لضائقة مالية، وهذا ينعكس سلبا على علاقتها بالزوج والأولاد، وبالتالي فإن التفاهم وتقسيم المهام بين الشريكين والأبناء هو السبيل الأمثل لحياة هادئة.