صراع المحافظين ورؤساء المجالس المحلية في تونس: من منهم على حقّ؟

منع رؤساء البلديات من الترشح للانتخابات يعمّق الخلافات بين مناصري الرئيس ومعارضيه.
الأحد 2022/10/30
صراع على السلطة يربك المؤسسات

تونس - طفا على سطح المشهد السياسي في تونس مؤخرا صراع بين الولاة (المحافظون) الممثلين لرئيس الدولة في الجهات، ورؤساء المجالس المحلية (البلديات)، ما كرّس حسب المراقبين اختلافا في وجهات النظر بينهما بشأن القرارات على حساب مصلحة المواطن والمناطق والجهات، وطرح سؤالا مفاده من منهم على حق؟

وفي الوقت الذي تدافع فيه البلديات عن وجودها باعتبارها مجالس منتخبة من أبناء المنطقة، يريد الولاة تحويلها إلى أداة تنفيذية وخاصة منعها من الترشح للانتخابات التشريعية القادمة وجمع التزكيات.

ويبدو أن الصراع يأخذ منحى تصاعديا خصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية نهاية العام الجاري، فضلا عن بدء جمع التزكيات وتقديم الترشحات استعدادا للاستحقاق المرتقب.

والأسبوع الماضي، قالت هيئة الانتخابات التونسية إنها تتجه لإقصاء رؤساء البلديات من الانتخابات البرلمانية المقبلة.

وأفاد نائب رئيس الهيئة ماهر الجديدي أن “فرضية إقصاء رؤساء البلديات من الانتخابات التشريعية القادمة واردة طبقا للتعديل المنتظر في القانون الانتخابي”.

زهير المغزاوي: هناك محافظون ليس لهم دراية بالشأن السياسي
زهير المغزاوي: هناك محافظون ليس لهم دراية بالشأن السياسي

وأفاد في تصريح إذاعي أن “وجود فرضية أخرى تتمثل في إضافة فصول تتعلق بالتصدي إلى الخروقات والممارسات غير الأخلاقية، التي قد تصل حدّ رفض الترشح”، مشيراً إلى أنه “بإمكان المترشح التوجه نحو المحكمة الإدارية للطعن في قرار إقصائه من الترشح”.

وينظر إلى مشروع اللامركزية، الذي خصصت له موارد مالية هامة، وباركه فاعلون سياسيون والمجتمع المدني على أنه يمكن أن يكون أداة تنفيس للضغط المسلط على كاهل الدولة.

وتجمع أطراف سياسية على قصور التشريعات المتعلقة بتنظيم الوظائف والأدوار بشأن اللامركزية والمجالس الجهوية، وسط صراع سياسي بالنيابة بين المحافظين الذين عيّنهم الرئيس قيس سعيد، ورؤساء البلديات المنتخبين وينتمي ثلثهم إلى حركة النهضة التي كانت تقود المنظومة السابقة.

وقال أمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي “هناك فشل قانوني بالأساس، حيث لم يحدد القانون العلاقة بين المحافظين ورؤساء المجالس المحلية وترك بعض الثغرات في هذا الجانب”.

وأضاف لـ”العرب”، “هذا الصراع كان موجودا قبل قرارات 25 يوليو وتعمق بعد ذلك باعتبار أن أغلب رؤساء البلديات ينتمون إلى حركة النهضة ويسعون مثل حزبهم لإسقاط المسار”.

وتابع المغزاوي “هناك محافظون منعدمو الكفاءة وليس لهم دراية بالشأن السياسي أو الوضع القائم في تلك الجهة وخصوصياتها”.

ولم يخف مراقبون وجود تجاذبات سياسية و”سلطوية” في ذلك الصراع “الخفي – المعلن”، حيث يسعى كل طرف للمحافظة على مصالحه وحمايتها، مهملا مصالح المواطنين والجهات من حيث التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

أطراف سياسية تجمع على قصور التشريعات المتعلقة بتنظيم الوظائف والأدوار بشأن اللامركزية والمجالس الجهوية

وقال القيادي في حزب التيار الديمقراطي نبيل الحجّي “في مستوى معيّن من المسؤولية بقطع النظر عن رئيس بلدية أو محافظ جهة، لا يتعامل المسؤولون بهذه الطريقة، ويمكن التعبير عن وجهات النظر عبر اللقاءات والتحاور”.

وأكّد في تصريح لـ”العرب”، “سنحطّم كل ما بنيناه، والمسؤول عندما يتولى المسؤولية عليه أن يكون هدفه الأول إنجاح تلك المهمّة، ولكن الآن أصبح كل طرف يدافع عن مصالحه السياسية”.

وتابع الحجيّ “هناك حسابات ضيّقة تهدم هذا البلد على حساب مصالح الجهة والمواطن”.

واعتبر متابعون أن مفهوم السلطة المحلية يكتنفه الغموض لدى بعض رؤساء البلديات، حيث يعتبر البعض أن لديهم الاستقلالية التامة في تنفيذ كل القرارات والحال أن هذه الاستقلالية مقيدة في إطار وحدة الدولة وأنهم مكلفون بتنفيذ تشريعات أصدرتها السلط المركزية.

ووصف الناشط السياسي حاتم المليكي الصراع بـ”المعقّد”، قائلا “هو ليس حكرا على هذه المرحلة، والمحافظ يعتبر من أهم الشخصيات في النظام السياسي لأنه يمثّل رئيس الجمهورية في الجهة، وهو كذلك رئيس المجلس الجهوي وممثّل وزير الداخلية في تلك المنطقة”.

الصراع يأخذ منحى تصاعديا خصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية نهاية العام الجاري

وأضاف لـ”العرب”، “كان هناك رفض كبير من الإدارة القديمة لتأسيس مجلس بلدي مستقل لتعارضه مع وحدة الدولة، كما وجد خيار خاطئ بإنشاء وزارة الشؤون المحلية في حين أن العلاقة بين المحافظين ورؤساء البلديات مفصلية”.

وأشار المليكي إلى أن “القانون الأساسي للولاة من حيث طريقة تعيينهم واختيارهم محلّ جدل، واليوم حتى محاربة الكلاب السائبة والمخالفات العمرانية أصبحت صعبة، حيث كان سابقا رئيس البلدية لا يحتاج إلى مشاورات حتى ينفذها”.

واستطرد “تجربة استقلالية المجالس البلدية لم نترك لها الإطار القانوني اللازم حتى تشتغل”.

وقال الإعلامي لطفي العماري في تصريح لقناة تلفزيونية محلية “هناك صراع خفي بين الولاة ورؤساء البلديات حول الانتخابات البرلمانية القادمة”.

وكشف رئيس بلدية بنزرت كمال بن عمار، الأسبوع الماضي، أنه تلقى مراسلة من والي بنزرت سمير عبداللاوي يطالبه فيها بتزيين الولاية استعدادا لزيارة الرئيس سعيّد، بمناسبة عبد الجلاء، لكنه رفض هذا الطلب، مؤكدا أنه لم “يتم تجميل المدينة من أجل زيارة خاطفة للرئيس بينما الوضعية الحقيقية مختلفة وصعبة”.

نبيل الحجي: كل ما بنيناه سنحطّمه، وأصبح كل طرف يدافع عن مصالحه السياسية
نبيل الحجي: كل ما بنيناه سنحطّمه، وأصبح كل طرف يدافع عن مصالحه السياسية

وكانت بلدية بنزرت نشرت بيانا تؤكد فيه “عدم الانخراط في أيّ مصاريف لتزيين المدينة هذه السنة” بسبب تعرّض بنزرت للتهميش، ودعا رئيس البلدية رئيس الجمهورية أن يرى المدينة على حقيقتها خلال عهدة الوالي المعين حديثا، من طرف الرئاسة.

من جهته، أكّد المحافظ سمير عبداللاوي أن رفض بلدية بنزرت الامتثال لقرارات المحافظة هو خروج عن القانون، متهما رئيس البلدية بالانتماء إلى حركة النهضة وأن العريضة نوع من التزييف والمغالطة ولا تتضمن معلومات دقيقة مثل قائمة بالأسماء والإمضاءات وأرقام بطاقات التعريف.

وفي وقت سابق، عبّر رؤساء وممثلو المجالس البلدية، عن استنكارهم “التدخل في الشأن البلدي وهرسلة رؤساء البلديات وأعضاء المجالس البلدية والإطارات والعملة البلديين”.

وأكدت الجامعة الوطنية للبلديات التونسية، في بيان لها على إثر الجلسة العامة العادية العاشرة المنعقدة بمحافظة سوسة، رفضها القطعي لما أسمته “تعمّد البعض مغالطة الرأي العام والزج بالبلديات في صراعات واهية مع مؤسسات الدولة ومع المواطنين”.

ويؤكّد الخبراء على وجود صراع قائم بين السلطتين المحلية والمركزية بسبب عدم صدور الأمر التطبيقي المنظم للسلطات في مجلة الجماعات المحلية.

وسبق أن أوضح الخبير في الحوكمة المحلية محمد الضيفي أن تغييب الدستور ذكر مصطلح الحكم المحلي واكتفاءه بذكر اللامركزية هو ما جعل الإشكال يتعمق بين السلطات في فهم وتنفيذ صلاحيات رئيس البلدية والوالي (المحافظ).

وأكّد في تصريح إعلامي، أن رئيس البلدية مطالب بإعلام الوالي بالقرارات ذات الصبغة المالية فقط، مشيرا إلى أن رئيس البلدية يمكنه الاستنجاد بالوالي في صورة تسجيل صعوبة في تنفيذ قرار بلدي”، لافتا أن “قرارات الهدم من اختصاص رؤساء البلديات”.

2