تهميش الأحداث الترويجية للدولة يعكس تخبط الإعلام المصري في تحديد الأولويات

الإعلام المصري غاب وحضرت 145 قناة و40 صحافيا دوليا لتغطية حفل دار الأزياء العالمية في الأقصر.
الثلاثاء 2022/10/18
إعلام يحاول تلميع نفسه فقط

القاهرة - لم يعد ارتباك الإعلام المصري قاصرا على تجاهل معالجة السلبيات، بل طال تسطيح بعض الإيجابيات والتعامل معها بقدر ضئيل من الأهمية، في مؤشر يعكس الحالة التي صارت عليها بعض الصحف والمواقع الإخبارية والقنوات الفضائية في مصر، وكيف أصبحت تسير في اتجاه بعيد عن طموحات الدولة والجمهور.

أظهر عدم تركيز الإعلام المصري على تغطية احتفالية دار الأزياء الإيطالية ستيفانون ريتشي، والتي أقيمت في مدينة الأقصر السياحية بجنوب مصر قبل أيام، تراجع القدرة على فرز القضايا المهمة لدى وسائل الإعلام المصرية، حيث تابع الجمهور تفاصيل الحدث من خلال منابر وصحف ووكالات أنباء عالمية، بعدما فوجئ بغياب شبه كامل لإعلامه المحلي عن التطرق من قريب أو من بعيد إلى الاحتفالية وما جرى فيها.

وما أعطى الحفل أهمية عند الجمهور المصري أنه حدث في حضور أكثر من 500 ضيف من أشهر نجوم العالم في الأزياء، جاؤوا خصيصا من دول أوروبية مختلفة عبر طائرات خاصة ومشاهدة الآثار المصرية في محافظة الأقصر، وكيف أن استغلال الحدث وتوظيفه إعلاميا كان يمكن أن يعود على السياحة والدولة بفوائد كثيرة، في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها.

عدم تركيز الإعلام المصري على تغطية احتفالية دار الأزياء ستيفانون ريتشي، أظهر تراجع القدرة على فرز القضايا المهمة

وكانت الاحتفالية بمناسبة اليوبيل الفضي لدار الأزياء الإيطالية، وهو أول عرض أزياء بين أحضان معبد حتشبتسوت في الأقصر، وأحياه المطرب العالمي أندريا بوتشيلي، وبعدها أقيمت احتفالية جرى خلالها استعراض تاريخ الأزياء في مصر القديمة، وكيف أبدع المصري القديم في حياكة الأزياء وتزيينها.

وضجت شبكات التواصل الاجتماعي بمنشورات غاضبة على الإعلام المصري، وتساءل أصحابها عن دوره في مثل هذه الأحداث العالمية، ولماذا بدا كأنه موجه بألا يشير للحدث من قريب أو من بعيد، ما دفع بعض الأصوات للخروج والرد على الجمهور، ومحاولة تبرئة ساحة الإعلام من تهمة تلاحقه طوال الوقت، بأنه مغيّب عن الواقع.

وقال الصحافي محمد مصطفى شردي خلال برنامجه “الحياة اليوم” على قناة الحياة إن الحدث كان مغلقا على أفراد بعينهم، ومن واجب الإعلام أن يحترم الخصوصية حتى يتم تصدير صورة إيجابية عن مصر بأن جمهورها وإعلامها لا يتلصصان ولا ينتهكان الخصوصيات، والجميع يلتزم بالإجراءات التي تفرضها جهات سياحية.

وبالطريقة نفسها تقريبا علّق الصحافي محمود المملوك رئيس تحرير موقع “القاهرة 24”، قائلا “الحدث كان مقتصرا على شخصيات بعينها، وكان تلصص الإعلام المصري سيتسبب في تشويه صورة الحدث العالمي الذي لم يكن مفتوحا، بل كان مغلقا على المدعوين من الشركة المنظمة، ونحن لا نريد تقديم صورة سيئة عن إعلامنا”.

ويرى خبراء أن الطريقة التي تم الدفاع بها عن اتهامات التقصير التي طالت الصحف والقنوات بدت موجهة لتبرئة ساحة الإعلام بأسلوب قد يكون مقنعا للجمهور، لكن هناك شواهد أخرى تعزز ارتباك أولويات الإعلام في نشر الإيجابيات وتبييض صورة الحكومة وتصدير صورة غير سلبية عن الأوضاع في بعض القطاعات.

جلال نصار: الكثير من الصحف والقنوات والمواقع الإلكترونية تعاني من أزمة عنوانها "ارتباك الأولويات"
جلال نصار: الكثير من الصحف والقنوات والمواقع الإلكترونية تعاني من أزمة عنوانها "ارتباك الأولويات"

ودعم هؤلاء الخبراء رؤيتهم بوجود أصوات إعلامية ظهرت كأنها لم تُحسن التصرف عندما تفاخرت بالحضور الإعلامي اللافت لقنوات ووكالات أنباء دولية قامت بتغطية الحدث، وتعاملت هذه الأصوات، القريبة أيضا من الحكومة، مع الاهتمام الإعلامي الدولي باحتفالية الأزياء في مدينة الأقصر على أنه خطوة إيجابية تروج للسياحة.

وتفاخر الإعلامي أحمد موسى في برنامجه اليومي على فضائية صدى البلد بحجم حضور القنوات ووكالات الأنباء الدولية التي شاركت في تغطية الحدث، وعرض جزءا من التغطيات، وعلق عليها بأن ذلك “خير دعاية للدولة المصرية عندما تكون كل هذه المنابر العالمية مشاركة في إبهار العالم باحتفالية ضخمة على أرض مصر”، لكنه لم يتطرق إلى خرس الإعلام المحلي.

وما يلفت الانتباه أن مصطفى وزيري أمين المجلس الأعلى للآثار في مصر قال في تصريحات إعلامية إن هناك 40 صحافيا يعملون في صحف دولية كبرى شاركوا في تغطية الحدث وكتبوا عبر منصاتهم الإعلامية عن الزيارة، ثم أكد رئيس لجنة تسويق السياحة في الأقصر محمد عثمان أن حفل ستيفانو ريتشي شاركت في نقله للعالم 145 قناة متخصصة في الموضة، أي لم يكن مغلقا.

وأوضح جلال نصار الخبير الإعلامي المصري أن الكثير من الصحف والقنوات والمواقع الإلكترونية تعاني من أزمة عنوانها “ارتباك الأولويات”، أو “عشوائية التعامل مع القضايا الحيوية”، فهناك موضوعات إيجابية عديدة يتم التغافل عنها، لذلك تباعدت المسافات بين الإعلام والجمهور، بعد أن صار التخبط مسيطرا على الكثير من منابره، بسبب أو دون مبررات.

وقال لـ”العرب” إن هناك أصواتا تشتكي من التضييق، وإذا كان ذلك حقيقيا فمن يوجه الإعلام لعدم الوقوف عند الإيجابيات؟ وهذه حقيقة ينكرها بعض المعنيين بالمشهد الإعلامي، وترتبط بحالة تخبط في رسم خطة إعلامية مهنية تتعامل مع القضايا الحيوية بطريقة أكثر احترافية، لأن الصمت على السلبيات قد يكون مفهوما، لكن تجاهل الإيجابيات يجعل من دور الإعلام بلا قيمة.

الإعلام يخفق في إقناع الناس بأن الحكومة المصرية تقوم بخطوات صحيحة وملموسة، وإذا فعلت لا ينقلها بجدية، وإذا لم تفعل لا ينتقد سلبياتها

ويبدو غضب الجمهور المصري على إعلامه المحلي مبررا وربما مطلوبا حتى يستفيق وينتبه إلى خطورة الغياب، لأن هناك وسائل معادية تستغل الفراغ وتنجح في ملئه، ومن المهم تجنب تسطيح القضايا الحيوية، أو غض الطرف عن سلبيات قد يفضي التطرق إليها لعلاجها سريعا قبل أن تتحول إلى أزمة يتم تصديرها للحكومة.

ويشير تقصير الإعلام المحلي في تغطية حدث عالمي على أرض مصرية إلى أن الارتباك الذي ضرب الإعلام يتجاوز قدرة القنوات على تحمله أمام الجمهور، والذي قارن في هذا الحدث بين التصرف المصري ونظيره العالمي عندما شاهد الصور والفيديوهات تتوالى على صحف ووكالات أنباء وفضائيات دولية.

وأكد الإعلامي أحمد موسى في برنامجه على قناة صدى البلد أن شركة سعدي – جوهر للإنتاج الفني قامت بتنظيم الاحتفالية، وهي المعلومة التي أثارت غضب الكثيرين، على اعتبار أن هذه الشركة عضو في الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التي تمتلك النسبة الأكبر من الصحف والقنوات في مصر، وبالتالي فغياب منابرها عن الحدث، وهي شريكة نسبيا في صناعته، كان مثيرا لكثير من التكهنات.

ويؤكد هذا الواقع أن الإعلام المصري عندما يقوم بالترويج للإيجابيات لا يستطيع توظيفها بشكل مقنع للجمهور وبما يعزز ما يحدث من تغيرات كبيرة في الدولة، الأمر الذي سبق أن علّق عليه الرئيس عبدالفتاح السيسي كثيرا، معتبرا أن هناك سطحية في تناول الإنجازات، وبدا الإعلام مخفقا في إقناع الناس بأن الحكومة المصرية تقوم بخطوات صحيحة وملموسة، وإذا فعلت لا ينقلها بجدية، وإذا لم تفعل لا ينتقد سلبياتها.

16