جدل في تونس بشأن اعتماد الشركات الأهلية كنموذج للتنمية

الخطوة تحتاج إلى دعم عبر عقد شراكات مع القطاعين العام والخاص.
الجمعة 2022/10/07
مشروعنا الأساسي رأس المال البشري

يطرح تأسيس الشركات الأهلية في تونس الكثير من النقاشات هذه الفترة داخل الأوساط الاقتصادية مع إطلاق باكورة هذه الكيانات بشأن طبيعتها وآليات نشاطها في قطاع الأعمال، وفيما ستكون نموذجا اجتماعيا ناجحا كأحد محاور تحقيق أهداف التنمية الشاملة.

تونس - ينظر العديد من الخبراء في تونس بعين الشك إلى جدوى إصرار الرئيس قيس سعيد على انتهاج خطة تعتمد على نشر الشركات الأهلية في كل مناطق البلاد والتي يرى أن لها مزايا ستؤثر بالإيجاب على النموذج التنموي، الذي تسعى الحكومة إلى ترسيخه.

وصدر بالمجلة الرسمية للدولة في مارس الماضي مرسوم يتعلق بالشركات الأهلية، وهو يهدف إلى إيجاد نظام قانوني خاص بها يقوم “على المبادرة الجماعية والنفع الاجتماعي”.

والأسبوع الماضي، شهدت تونس إطلاق أولى هذه الشركات عندما أشرف قيس سعيد على الجلسة التأسيسية للشركة الأهلية المحلية للتصرف في أراضي مجموعة بني خيار في ولاية (محافظة) نابل شمال شرق البلاد.

نبيل الرابحي: الشركات الأهلية تسهم في حلول لامتصاص البطالة

وكانت والية نابل صباح ملّاك قد كشفت لوكالة الأنباء التونسية الرسمية الشهر الماضي، على هامش ندوة تم تنظيمها بخصوص الشركات الأهلية إن “الجهة ستشهد إطلاق أول شركة أهلية قريبا”.

وستتولى الشركة الجديدة الاستثمار في أراض تعرف بغابة البندق على مساحة تفوق 900 هكتار. ومن المتوقع أن تقوم بتدشين ثلاثة مشاريع تشمل الصناعة والسياحة والزراعة.

وبحسب ملّاك فإن نابل ستشهد إطلاق شركتين جديدتين في كل من منطقتي سليمان وتاكلسة مع إتمام “إنجاز التراتيب القانونية اللازمة للتأسيس”.

ويرى خبراء أن الشركات الأهلية وضعت كحلول وقتية لامتصاص نسبة البطالة وتمكين الشباب العاطل عن العمل، كما تفتح أمام رواد الأعمال فرص تأسيس مشاريع والإشراف عليها.

وقال المحلل نبيل الرابحي، إن “الشركات الأهلية بدأت في روسيا سنة 1917 وكذلك في تونس سنة 1964، وهو نموذج لم يبتدعه الرئيس قيس سعيد، وإنما موجود في عدة دول وأنظمة بخصوص تقسيم الثروة ومكون من مكونات التنمية الاقتصادية”.

وأضاف لـ”العرب”، أن “الشركات الأهلية لن تكون المحرك الأساسي للاقتصاد، بل هي حلول لامتصاص البطالة التي يعاني منها الشباب، باعتبار وجود أراض زراعية مهمشة”.

وأكد أنها مجرد نموذج لحلول اقتصادية، وأنه “لا بد أن تعزّز بتدعيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتفعيل الاقتصاد التضامني حتى تعطي نتائج اقتصادية واضحة”.

وتابع الرابحي “هذه الشركات ستمكن الشاب المهمش والمعطل من أن يصبح عضوا في شركة، وستكون فرصة حقيقية للشباب لتحقيق ذاتهم”.

ووفق أحكام هذا المرسوم تعد شركة أهلية كل “شخص معنوي تحدثه مجموعة من أهالي الجهة”، ويكون الهدف من تأسيسها “تحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات عبر ممارسة جماعية لنشاط اقتصادي انطلاقا من المنطقة المستقرين بها”.

ويعتقد أمين عام التيار الشعبي، زهير حمدي أن “الاقتصاد التضامني إذا لم يكن ضمن نموذج تنموي واضح وإستراتيجية لا يمكن أن يعطي نتائج واضحة، وهو ما يقتضي توفر رؤية كاملة للاقتصاد في تونس”.

وصرّح لـ”العرب”، بأن “هذه ليست أولوية، ولا بد من الحديث عن خلق الثروة وتحرير الاقتصاد ومراجعة نموذج التنمية، وهي شكل من أشكال العملية الاقتصادية ولا تفي وحدها بالغرض”.

وفي وقت سابق، تساءلت المنظمات النقابية عن أهمية وجود الشركات الأهلية والأهداف المنتظرة منها.

وسبق أن قال نورالدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر نقابات البلاد، إنّ “الاتحاد لا يعرف ماهية أو أهداف الشركات الأهلية”.

قيس سعيد يناشد نموذج تنموي جديد
قيس سعيد يناشد نموذج تنموي جديد

وأوضح أنه سيحاول أن يفهم مقاصدها من عند صاحب المشروع، في إشارة إلى قيس سعيّد.

وتساءل الطبوبي في تصريح صحافي “هل ستعوّض الشركات الأهلية الاقتصاد الاجتماعي التضامني؟ وهل سيتم عبرها منح الأراضي الدولية لأطراف معينة”.

وقال إنه “من واجب صاحب المشروع أن يفسر مضامين هذا المشروع والتفسير الموثوق فيه هو تفسير مؤسسات الدولة”.

وتهدف الشركات الأهلية إلى تحقيق التنمية الجهوية وأساسا بالمناطق الصغيرة وفقا للإرادة الجماعية للأهالي وتماشيا مع حاجيات مناطقهم وخصوصياتها، وتمارس الشركات الأهلية نشاطا اقتصاديا انطلاقا من الجهة الترابية المنتصبة بها.

ولا توجد تقديرات حكومية تحدد مساهمة الشركات الأهلية في الناتج المحلي الإجمالي سنويا، وهو ما يعمق الضبابية حول جدواها حتى في ظل سن تشريعات لجعلها ذات فائدة اقتصادية.

وبحسب المرسوم يمكن الجمع بين صفة المشارك في الشركة الأهلية وصفة العامل، ولا يمكن أن يقل رأس مال الشركة الأهلية المحلية عن 10 آلاف دينار (3.36 ألف دولار).

زهير حمدي: هي شكل لتحفيز النمو ولكن لا تفي وحدها بالغرض

وإذا كانت الشركة الأهلية جهوية فإن رأس مالها لا يمكن أن يقل عن عشرين ألف دينار (6.71 ألف دولار).

وقال أستاذ القانون العام الصغير الزكراوي في تصريح لوسائل إعلام محلية إن “الشركات الأهلية لن تعطي نتائج إلا بعد سنوات طويلة من العمل”.

وأكد أن نموذج التنمية في تونس لا يمكن أن يكون من خلال صلح جزائي وشركات أهلية لن تعطي نتائج إلا بعد مرور مدة من الزمن، واعتبر أن هذا المرسوم لا يعترف بكل المراسيم الصادرة قبله.

وتتمتع الشركات الأهلية بالشخصية القانونية وتتولى إطلاق المشاريع الاقتصادية استجابة لاحتياجات المتساكنين وتماشيا مع خصائص الجهة المعنية.

كما أن المسؤولين عليها سيسهرون على التصرف وإدارة المشاريع الراجعة لهم بالنظر في مستوى الجهة المعنية، فضلا عن التصرف في الأراضي الاشتراكية مع مراعاة التشريع الجاري به العمل بخصوص الملكية العقارية بناء على قرار مجلس التصرّف.

وإلى جانب ذلك فإنها ستساهم في مسار التنمية المستدامة والحوكمة في كل جهة استنادا على مبدأ المسؤولية المجتمعية للمؤسسة.

وتخول القوانين الجديدة للشركات الأهلية، التي يفترض أن تضم قرابة 50 شخصا، ممارسة نشاطها على المبادئ الخاصّة بالمبادرة الجماعية والتنمية الجهوية والنفع الاجتماعي.

ويتم تأسيس مختلف الشركات الأهلية وفق نظام أساسي نموذجي يضبط بأمر رئاسي ويحدد خاصة التنظيم الإداري والمالي للشركات الأهلية وطرق تسييرها.

10