الحوار الوطني في مصر: الحكومة تتدخل لاسترضاء المعارضة

القاهرة - عقد مجلس أمناء الحوار الوطني بمقر الأكاديمية الوطنية للتدريب في القاهرة جلستهم السابعة، السبت، والتي تندرج ضمن الجلسات الإجرائية التي تهيئ الأجواء لعقد جلسات حوارية مباشرة في القضايا التي جرى التوافق حول مناقشتها.
وخصّصت هذه الجلسة للحوار مع مقرّري اللجان ومنسقيها ومساعديهم للتعرف على آليات إدارتهم للجلسات عندما يشرع المتحاورون في مناقشة القضايا المطروحة على المسارات الثلاثة الرئيسية، وهي: السياسية والاقتصادية والمجتمعية، والتي شهدت فروعها شدّ وجذبا بين مؤيدي الحكومة المصرية ومعارضيها.
واستقبلت قيادات في الحركة المدنية الديمقراطية بمصر تجاوب مجلس أمناء الحوار الوطني مع مطالبها في الجلسة السادسة الأسبوع الماضي بإيجابية جعلتها تتخلى عن خطاب التصعيد ضد الحكومة وعدم التلويح بانسحاب ممثليها من الحوار بعد تنامي الشعور بإمكانية تحقيق تقدم يفتح الطريق أمام إصلاحات مختلفة خلال الفترة المقبلة.
إعادة النظر في تشكيل لجان المحور السياسي توحي وكأن الحكومة تريد أن تتصدر الإصلاحات السياسية المشهد
وكاد الحوار الوطني يتأثر سلبا بعد تلويح الحركة المدنية التي تضم أحزابا وشخصيات معارضة بالانسحاب اعتراضا على طريقة تشكيل لجان المحور السياسي، بعدما وجدت ما يشبه الإقصاء لها وضم أحزاب موالية وتصنيفها على أنها مناوئة.
وأعاد مجلس أمناء الحوار الوطني تشكيل لجان المحور السياسي استجابة لطلب المعارضة ليصبح خمس لجان بدلا من ثلاث، هي: لجنة الأحزاب السياسية، والنقابات والمجتمع الأهلي، ومباشرة الحقوق السياسية والتمثيل النيابي، والمحليات، وأخيرا لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة.
قالت مصادر سياسية لـ”العرب” إن الاستجابة لوجهات نظر المعارضة لم تخل من تدخل حكومي للحفاظ على زخم الحوار، حيث تعهد الرئيس عبدالفتاح السيسي مسبقا بمتابعة كل تفاصيل الحوار الوطني للحيلولة دون استبعاد أيّ طرف أو فئة أو فصيل، طالما أن الاختلاف مع الحكومة قائم على المصلحة الوطنية.
لم تكن لجنتا الأحزاب والنقابات والمجتمع الأهلي ضمن تشكيلة المحور السياسي، في حين كانت باقي المحاور، الاقتصادية والمجتمعية، تضم العديد من اللجان، ما اعتبرته أصوات معارضة محاولة لتقزيم الحوار وقصره على جوانب بعيدة عن أهدافه.
وارتبطت مخاوف بعض قوى المعارضة من تهميش لجان المحور السياسي مقابل التوسع في القضايا الاجتماعية والاقتصادية بشكل يجعل الحوار الوطني غير محدّد الملامح، ويصعب الإمساك بتفاصيله وطبيعة مخرجاته، ما يصبّ في صالح الحكومة بحيث يتم تسويف المطالب السياسية والحقوقية وارتباكها بين القضايا العامة.
وتم التوافق على اختيار 12 مرشحا للمحور السياسي ولجانه الخمس، و18 مرشحا لنظيره الاقتصادي ولجانه الثماني و14 مرشحا لنظيره الاجتماعي ولجانه الست بإجمالي 44 مرشحا، بينهم مؤيدون ومعارضون وشخصيات متوازنة، واختير حسام بدراوي القيادي البارز في الحزب الوطني خلال حكم حسني مبارك مستشارا للحوار.
وعكس تصعيد شخصية معارضة للحكومة مثل مصطفى كامل السيد الذي أصبح منسقا مساعدا للمحور السياسي رغبة النظام المصري في نجاح الحوار، وتقريب المسافات مع المعارضة لتكون شريكة في تحمل المسؤولية.
وأوحت إعادة النظر في تشكيل لجان المحور السياسي أن الحكومة أدركت ضرورة أن تتصدر الإصلاحات السياسية المشهد، وتتشارك القوى المختلفة في وضع حلول للمشكلات ولا يكون هناك انغلاق أو إقصاء أو احتكار لوجهة نظر بعينها.
وقال مدحت الزاهد رئيس حزب التحالف الشعبي لـ”العرب” إن التشكيل الجديد الذي صارت عليه لجان الحوار أعاد إليه التوازن، لأن الشخصيات التي تم الاستقرار عليها في المحور السياسي مقبولة وتؤسس لحوار عقلاني يناقش جميع القضايا الملحّة، مثل العمل الحزبي والنيابي وملف سجناء الرأي.
وأشار إلى أن القبول بمقترحات الحركة المدنية الديمقراطية يمهد للتفاعل مع متطلبات الأحزاب المعارضة التي لها رؤى وطنية مرتبطة بملفات حيوية مثل حرية الرأي والتعبير وحسم ملف الحبس الاحتياطي، خاصة أن الحركة المدنية لا تسعى للصدام وتتحرك وفق المسؤولية الواقعة عليها، حيث تمثل شريحة كبيرة من المصريين.
ويدرك الكثير من دوائر صناعة القرار السياسي في مصر أن فشل الحوار الوطني له انعكاسات سلبية بالغة على سمعة النظام بشكل عام، بالتالي لا بديل عن الحفاظ على استمراريته وتقديم أكبر قدر ممكن من التسهيلات التي تعزز فرص نجاحه، حتى لو بلغ الأمر حد التنازل أمام بعض مطالب المعارضة، فمن المهم ألا يفشل الحوار.
كانت هناك خلافات بين رؤية الحكومة والمعارضة في تفاصيل الحوار، لكن تشكيل اللجان والمحاور التي تم الاستقرار عليها يشيران إلى إمكانية وجود مخرجات واقعية، لأن الطّرفين في حاجة إلى نجاح الحوار، فكلاهما يدرك أنه يمثل فرصة للخروج من الأزمة التي يتعرض لها جماهيريا.
وتنازلت القوى المعارضة عن موقفها المتشدد بتقديم ممثلين لها في الحوار الوطني أغلبهم كانوا من المحبوسين احتياطيا بعدما لاحظت وجود محاولة من جانب الحكومة لترضيتها بعيدا عن هذا الشرط، وتم توصيف ذلك على أنه من قبيل “الابتزاز السياسي” لن تتم الاستجابة له، فقررت التعامل بعقلانية طالما أن الحكومة حريصة على تقديم تسهيلات لنجاح الحوار.
تعتقد دوائر سياسية أن قبول مجلس أمناء الحوار الوطني بوجود ممثلين من المعارضة بأعداد معقولة داخل لجان ملف المحور السياسي يدعم عدم ممانعة السلطة إجراء تعديلات تمهّد لحل أزمة الحبس الاحتياطي والإفراج عن جميع سجناء الرأي وسهولة العمل الحزبي ورفع سقف الحريات العامة.