الزمن المدرسي في تونس يرهق الآباء ويستنزف طاقة الأبناء

دعوات لتقليص ساعات الدراسة والملاءمة بين الجانبين المهني والتربوي.
الجمعة 2022/09/09
تغيير الزمن المدرسي يستوجب إصلاح المنظومة التربوية برمتها

يشكل الزمن المدرسي في تونس عبئا على الآباء والتلاميذ على حد سواء، فنظام الحصتين يربك الوالدين وخصوصا الأمهات العاملات اللاتي لا يتلاءم توقيت دوامهن مع توقيت مغادرة الأبناء لفصولهم. ويطالب خبراء التربية بضرورة تقليص ساعات الدراسة والمواءمة بين الجانبين المهني والتربوي، والتخفيف من البرامج الدراسية وتعديل المناهج بما يخدم مصلحة التلميذ وأسرته.

تونس - بات الزمن المدرسي “التقليدي” يرهق الآباء ويؤثر على الطلاّب والتلاميذ في تونس، ومع كل عودة مدرسية، تصطدم الأسر بضغوطات التوقيت المدرسي وصعوبات الملاءمة بين الجانبين المهني والتربوي لأبنائها.

ويجمع الخبراء والمراقبون على أن الزمن المدرسي والأكاديمي المكتظ بالبرامج والحصص يعمّق مشاكل الأولياء كمتغير جديد بعد الراحة المطولة في العطلة الصيفية، فضلا عن كونه يكبّل التلميذ ويحدّ من قدراته على مجاراة نسق التعليم.

ووصف متابعون الزمن المدرسي في تونس بـ”الكارثي”، لكونه يثقل كاهل الأولياء والطلاّب ويتسبب في إهدار الكثير من الطاقة، وسط دعوات لضرورة الاكتفاء بحصة صباحية واحدة وتطوير مهارات التلميذ وصقل مواهبه وميولاته.

ناجي جلول: الزمن المدرسي يرهق التلميذ والمربّي وفيه إهدار كبير للطاقة

وقال ناجي جلول، وزير تربية سابق، “بادرت بتغيير الزمن المدرسي في فترة إشرافي على وزارة التربية”، معتبرا “الزمن المدرسي في تونس كارثي، وكل مدارس العالم تسـتأنف نشاطها يوم 1 سبتمبر إلا تونس يعود الطلاّب يوم 15 سبتمبر”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “من غير المعقول أن يدرس تلميذ صغير السن حصة صباحية وأخرى مسائية، وكنّا قد اقترحنا الاكتفاء بحصّة صباحية على أن تخصّص الحصص المسائية للأنشطة الثقافية والرياضية لإنماء قدرات التلميذ وصقل مواهبه”.

وتابع جلّول “الزمن المدرسي، يرهق التلميذ والولي والمربّي، وفيه إهدار كبير للطاقة، واقترحنا زمنا جديدا يعتمد نظام السداسي الواحد، وعودة يوم 1 سبتمبر والحدّ من العطلة الصيفية، فضلا عن تناول التلميذ لوجبات الطعام داخل المؤسسة التربوية”.

وأكّد الآباء والأكاديميّون أن الزمن المدرسي الحالي يرهق التلميذ بدنيا، داعين لاعتماد نظام العمل بالحصة الواحدة لتحسين المستويات العلمية والثقافية وتمكين الأولياء من مراقبة أبنائهم وتخصيص أكثر ما يمكن لهم من وقت.

وأفاد عبدالعزيز البكّوش، وليّ وأستاذ مميّز بالمدارس الابتدائية، أن “هناك من يتأقلم مع الزمن المدرسي، خصوصا العائلات التي يشتغل فيها أحد الزوجين، أما الآباء والأمهات الذين يشتغلون فإنهم يجدون صعوبات كبيرة في مرافقة أبنائهم إلى المؤسسات التربوية أو العودة بهم منها”.

وقال في تصريح لـ”العرب”، “يمكن أن يكون نظام العمل بحصة واحدة أنجع أكاديميا، ويمكن التفكير في حصّة من الثامنة صباحا حتى الثانية ظهرا، وتخصّص الحصة المسائية لمزاولة الأنشطة الترفيهية، كما أن العمل يجب أن يكون متناسقا مع الزمن المدرسي”.

وأردف البكوّش “نظام الحصة الواحدة أفضل من نظام العمل بحصّتين، لأن التلميذ يعود في السادسة مساء مرهقا من المؤسسات التربوية، فضلا عن كون التوزّع الجغرافي للمدارس والمعاهد خصوصا في المناطق البعيدة والأرياف يتطلب مجهودا بدنيا كبيرا أثناء التنقّل”.

وتابع “في ألمانيا مثلا الدراسة 45 دقيقة للحصة الواحدة، وينتهي اليوم الدراسي على الساعة الواحدة والربع كل يوم، يدرسون تربية بدنية يوم الاثنين مساء، وباقي الأيام يتمتع فيها التلميذ بالوقت لأنشطة فنية أو رياضية أو مراجعة دروسه، أما في تونس فالزمن المدرسي ونظام الحصتين صباحا ومساء مع حشو البرامج والمواد التي أكثر من نصف محتواها لا يفيد التلميذ في شيء بل ينساها بنهاية العام الدراسي، هذا النظام قاتل.. نعم قاتل ومدمّر للتلاميذ بدنيا ونفسيا وهو سبب من أهم أسباب تخلف المستوى التعليمي وضعفه في تونس”.

ولاحظ البكوش أن “المدارس والمعاهد أصبحت تشبه السجون، منفّرة للتلميذ وللمدرّس على حد سواء، يغيب فيها التحفيز والإبداع والاكتساب الحقيقي للمعارف والمهارات ويحضر القلق والعزوف عن التعلم فيصبح المناخ متوتّرا، وهذه أرضية ملائمة للانحراف والعنف”.

واستطرد “إذا لم يتم الإصلاح، فالمنظومة التربوية الحالية تعتبر جريمة في حق جيل كامل”.

ويشتكي التلاميذ من تراكم الدروس والمواد إلى جانب طول ساعات الدراسة وانعكاساتها السلبية على الجانبين الذهني والنفسي، وسط اقتراحات بتقليص عدد الساعات.

o

وقالت رانية غرايري، تلميذة (17 سنة)، “هناك صعوبات كبيرة في إيجاد التركيز اللازم من خلال طول ساعات الدراسة، فضلا عن عدم إيجاد المجهود الكافي مساء لمراجعة الدروس والقيام بالأعمال المنزلية”.

وأضافت في تصريح لـ”العرب”، “يمكن لوزارة التربية أن تحافظ على حصّة صباحية وأخرى مسائية، لكن مع تقليص عدد الساعات، وعوض أن تتوقف الدروس على الساعة السادسة، من الأفضل أن تتوقف على الساعة الرابعة مساء”، مستدركة “يمكن الاقتصار على حصة صباحية، لكن يبدو الأمر صعب التطبيق”.

وانتقد خبراء غياب لجان وهياكل متخصصة لتنظيم الجوانب التربوية والوظيفية للآباء، وسط اقتراحات متعددة للتقليص من عدد ساعات الدراسة لتمكين الأولياء من حسن الإشراف على تربية أبنائهم.

وقال خبير التربية فريد الشويخي “لا توجد هياكل منظمة للجانب المهني والجانب التربوي، وهذه مهمة مشتركة بين وزارة التربية ووزارة شؤون الشباب والرياضة ووزارة الثقافة وغيرها، والدولة عليها أن تتكفل بالملاءمة بين الزمن المدرسي والجانب الاجتماعي”.

إصلاح واقع التعليم المتردي يبدأ عبر مراجعة الزمن المدرسي وتحيينه، ومراجعة البرامج البيداغوجية، فضلا عن الحياة العامة داخل المؤسسة التربوية

وصرّح لـ”العرب”، “الأولياء يخرجون صباحا للعمل ويعودون في المساء، والتلميذ مرهق من الدراسة انطلاقا من الساعة الثامنة صباحا حتى المساء، كما أن توقيت الدراسة متزامن مع توقيت العمل، وهو ما يحدث تأخيرا في المؤسسات الحكومية والخاصّة”.

ودعا الشويخي إلى “مراجعة الزمن الوظيفي للأولياء من الساعة التاسعة صباحا إلى حدود الساعة الرابعة مساء، لإيجاد الوقت الكافي للاهتمام بأبنائهم وتمكينهم من التنقل إلى المؤسسات التربوية وتقليص الضغط الاجتماعي عليهم”. وفي وقت سابق، قال وزير التربية فتحي السلاوتي إنه “بداية من السنة الدراسية 2023 – 2024، تعتزم الوزارة تقليص عدد الكتب بكل مستويات المرحلة الابتدائية إلى 3 كتب على أقصى تقدير بهدف تخفيف البرامج في التعليم الأساسي.”

وأضاف في تصريح لوكالة الأنباء التونسية “في إجراء مماثل سيقوم خبراء بوزارة التربية بتطوير محتوى الكتب الخاصة بمرحلتي الإعدادي والثانوي وتخفيض عددها حتى تلبي متطلبات العملية التربوية أمام توفر المعلومات وسرعة تدفقها على شبكة الإنترنت. هذا إلى جانب إدخال أنشطة ثقافية ورياضية وإعادة تنظيم الزمن المدرسي.”

وتابع الوزير “هذه التعديلات تهدف إلى تنفيذ إصلاحات ترجع بالفائدة على المنظومة التربوية”، مذكرا أن “البرامج التربوية لم تقع مراجعتها منذ سنة 2002″، معتبرا أن “زيادة الأنشطة الترفيهية ودعم التأطير الرياضي والثقافي بالمؤسسات التربوية سيمكنان من زيادة حماية التلاميذ من الظواهر والسلوكات المحفوفة بالمخاطر (استهلاك التبغ، تعاطي المخدرات)”.

وإثر صدور قائمة بأفضل الأنظمة التعليمية في العالم حلّت تونس في المركز الرابع والثمانين عالميا والسابع عربيا في مؤشر جودة التعليم ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﺍﻟﺼﺎﺩﺭ ﻋﻦ المنتدى الاﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻓﻲ دافوس لسنة 2021.

وتعتبر أوساط تربوية أن إصلاح واقع التعليم المتردي يبدأ عبر مراجعة الزمن المدرسي وتحيينه، ومراجعة البرامج البيداغوجية، فضلا عن الحياة العامة داخل المؤسسة التربوية في مستوى المعاملات والعلاقات والأنشطة المعرفية والترفيهية.

17