هل تستغل تونس التوتّر القائم في ليبيا لتلعب دور الوسيط

يفترض بتونس أن تبحث عن دور فعّال لها في ليبيا من خلال كسب ثقة مختلف الأطراف للقبول بوساطة تونسية في ملف يهمّها بشكل مباشر لاعتبارات أمنية واقتصادية، وهذا يحتاج إلى أن تغادر تونس مربع الانحياز لطرف دون آخر، وهو الموقف الذي أضعف تأثيرها في السنوات الإحدى عشرة الأخيرة.
تونس - دعا مراقبون سياسيون السلطات التونسية إلى استغلال التوتر القائم بين الفرقاء في ليبيا والاضطلاع بدور وسيط من أجل إرساء أرضية سياسية ملائمة لإجراء الانتخابات، في خطوة لتدارك الجمود الدبلوماسي والسياسي الذي رافق الدور التونسي خلال السنوات العشر الماضية.
ويعتبر هؤلاء المراقبون أن احتضان تونس للمفاوضات من أجل إيجاد حلّ لصراع “الحكومتين” المتنازعتين في ليبيا والذي غذته الميليشيات المسلحة، يمكن أن تحقق من خلاله مصالح ذات أبعاد سياسية وأمنية واقتصادية.
وقال الباحث في الشؤون الجيوسياسية رافع الطبيب الأربعاء إن “تونس وبمعية مصر والجزائر يمكن أن تكوّن الملتقى المجتمعي للأخوة الليبية من أجل المرور إلى الانتخابات ومرحلة بناء المؤسسات”.
وأضاف في تصريح لإذاعة محلية أن “تونس لديها ورقة ناجحة وهي حوارات اجتماعية مع المجتمعات القبلية من أجل إيجاد اتفاق مجتمعي والمرور إلى الانتخابات”، لافتا إلى أن “الحل الوحيد لصرا ع الميليشيات في ليبيا هو رحيل كل الأطراف المتصارعة وعلى رأسها الدبيبة وباشاغا، والمرور لإجراء الانتخابات تحت إشراف مغاربي أو الاتحاد الأفريقي”.

منتصر الشريف: يجب أن تكون لدينا دبلوماسية موحّدة بين الرئيس ووزارة الخارجية
وأشار رافع الطبيب إلى أن “الصراعات في طرابلس بصدد التمدد إلى المدن الأخرى وهو ما سيتحول إلى خطر مجتمعي يهدد ليبيا”.
وتشكلت حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس مطلع 2021 في إطار عملية رعتها الأمم المتحدة ومهمتها الرئيسية تنظيم انتخابات في ديسمبر الماضي لكن الانتخابات تأجلت إلى أجل غير مسمى بسبب خلافات شديدة على الأساس القانوني للانتخابات.
ونظرا إلى انتهاء مدة ولاية حكومة عبدالحميد الدبيبة عيّن البرلمان في فبراير الماضي فتحي باشاغا رئيسًا للوزراء ما دفع البلد إلى أزمة سياسية خطيرة مع إصرار الدبيبة على البقاء في السلطة إلى حين إجراء انتخابات.
ويرى متابعون أن الدبلوماسية التونسية مطالبة باسترجاع نشاطها خصوصا في الملف الليبي الدقيق والمهم في نفس الوقت، بعد فترة من التشتت والانقسام في مساندة الأطراف الليبية وفقا للمصالح والأجندات.
وأفاد الخبير في الشأن الليبي منتصر الشريف أن “الأزمة الليبية تهم تونس أمنيا وسياسيا واقتصاديا، وللأسف تونس دبلوماسيتها كانت مريضة بسبب انحياز الحكومات السابقة لطرف دون غيره في ليبيا (صراع الشرق والغرب)”.
وقال الشريف لـ”العرب” إن “العديد من المؤتمرات عقدت في أوروبا والمغرب من خلال اتفاق الصخيرات، والآن يجب على الدبلوماسية التونسية أن تسترجع الثقة وتلعب دورا مهمّا، لأن الليبيين أيضا لديهم ثقة في تونس، كما يجب أن تكون أرض لقاء ومدّهم بحلول لإعادة بناء المؤسسات الليبية”.
وتابع الشريف “الأسباب أمنية وسياسية واقتصادية، واستتباب الأمن في ليبيا لا يمكن إلا أن تستفيد منه تونس في المقام الأول، لأن تواجد الجيش التونسي على الحدود المشتركة بين البلدين سيستنزف الجهود، أما اقتصاديا، فليبيا هي سوق مهمة جدا وقد تعود الاستثمارات الليبية، فضلا عن تعزيز التبادلات التجارية”.
وأردف “الدبلوماسية التونسية بدأت في التعافي بعض الشيء، وأصبح لدينا قائد وحيد للدبلوماسية (الرئيس قيس سعيد)، لأن أحد أهم أسباب توتر الدبلوماسية هو تشتتها في السنوات الماضية، ورأينا كيف أن رئيس البرلمان يخرج وحده ويهنئ أحد الأطراف الليبية دون علم أو تنسيق مع وزارة الشؤون الخارجية”.

عزالدين عقيل: تونس انشغلت بمشاكلها ولم تؤسس لجنة دعم ليبية
ودعا إلى أن “تكون لدينا دبلوماسية موحّدة بين رئيس الجمهورية ووزارة الخارجية، وهناك أطراف فاعلة في ليبيا لديها عداء في تونس، على غرار حركة النهضة التي وصفت المشير خليفة حفتر بالانقلابي”، لافتا إلى أن “ترشّح خميس الجهيناوي لخطة مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا كان يمكن أن يلعب دورا كبيرا، لكن ملفّه لم يحظ بالدعم الكافي”.
ووصفت أطراف سياسية ليبية التعاطي التونسي مع الملف بـ”الضعيف” بسبب انشغالها بأزماتها السياسية والاقتصادية المتواصلة بعد ثورة يناير 2011، مستدركة أنه كان بالإمكان على صنّاع القرار السياسي في تونس وضع سياسة دبلوماسية واضحة للملف تشرف عليه هيئة متخصصة تحت إشراف وزارة الشؤون الخارجية.
وأفاد المحلل السياسي الليبي عزالدين عقيل أن “اللقاءات السابقة بشأن الأزمة الليبية كانت تحت إشراف الأمم المتحدة، ولدينا 90 في المئة من الأزمات تفتح في مقر الأمم المتحدة، بينما في مصر وتونس والمغرب تقام في فنادق، وأي دولة جوار مثل تونس يمكن أن تلعب دورا مهما في الأزمة الليبية”.
وصرّح عقيل لـ”العرب” أنه “منذ اليوم الأول، كان هدف التدخل الغربي في ليبيا الانتقام من العقيد الراحل معمر القذافي واستغلال ثروات البلاد، ولاحظنا صراع الثنائية على الحكومة بين المشير خليفة حفتر وفايز السراج في طرابلس في عهد المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، فضلا عن صراع باشاغا والدبيبة في عهد المبعوثة السابقة ستيفاني ويليامز”، لافتا إلى أنه “عندما ألغيت انتخابات 2021 واختلفوا، قرّروا تجميد الانتخابات وأرادوا أن يتركونا في الصراع، لتبقى ليبيا تحت الوصاية الدولية”.
خليفة الشيباني: كان على تونس ضبط سياسة خارجية واضحة مع ليبيا
وتابع عقيل “إذا كان هناك ملتقى للأطراف الليبية في تونس وبمبادرة تونسية، فستسعى الأمم المتحدة لإفساده، أمّا إذا أشرفت عليه الأمم المتحدة بنفسها في تونس فيمكن أن يأتي بنتائج، والتونسيّون يتأثّرون بليبيا نظرا إلى وجود علاقات تاريخية قديمة”.
وأوضح أن “تونس لم تهتم بالملف الليبي لأنها انشغلت بمشاكلها الداخلية، وكان عليها أن تؤسس لجنة دعم ليبية أو هيئة تهتم بالملف الليبي على عكس مصر التي انشغلت بالملف، كما كان يمكن أن تعمل تلك الهيئة تحت إشراف وزارة الخارجية ورئاسة الجمهورية وتشتغل على تفاصيل الملف”.
واستطرد “أصبحت علاقة تونس في غياب الاهتمام بليبيا علاقة عادية جدا مثلها مثل علاقاتها بزيمبابوي أو أي بلد أفريقي آخر”.
وربط خبراء أمنيون أمن تونس بأمن ليبيا نظرا إلى الامتداد الجغرافي والاقتصادي بين البلدين، وسط توصيات بضرورة ضخّ دماء جديدة في مستوى العلاقات وضبط سياسة خارجية فعّالة بعد أن أصبحت بيد الرئيس سعيّد.
واعتبر المحلل السياسي والخبير الأمني العميد خليفة الشيباني أن “تونس لها امتدادات سياسية وجغرافية وبشرية، فضلا عن علاقاتها الاقتصادية والإستراتيجية مع ليبيا، ولا يمكن أن يستقر الوضع في تونس كليّا إلا باستقرار ليبيا”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “تونس فوّتت العديد من الفرص لتلعب هذا الدور، والفرصة الآن سانحة لضبط سياسة خارجية واضحة مع ليبيا، ومن يريد التدخل عليه أن يكون على نفس المسافة من كل الأطراف الليبية، وهناك عناصر ليبية فاعلة في تونس، والآن توجد دبلوماسية واحدة في تونس يشرف عليها الرئيس سعيّد”.
وأوضح الشيباني أن ” ليبيا تاريخيا هي العمق الإستراتيجي لتونس، ولا بدّ من السعي لاستتباب الأمن فيها، خصوصا في ظل التوتر القائم في الجنوب، وفي علاقة حتّى بمعالجة ظاهرة الهجرة السرّية، والليبيون عليهم أن يجلسوا مع بعضهم، وكفانا إضاعة للوقت في تونس للسعي نحو حلّ الأزمة الليبية”.
وفي نوفمبر 2020 احتضنت تونس “الحوار السياسي الليبي في تونس” بمشاركة 75 شخصية من مختلف الأطراف الليبية، وبحضور الرئيس قيس سعيد الذي أكد على أن هذه الخطوة جاءت “من أجل السلام”.
ودعت مسودة الحوار الليبي في تونس إلى إنهاء الصراع المسلح ووقف إطلاق النار، وتشكيل حكومة وحدة وطنية على أساس التخصص والكفاءة، فضلا عن تشكيل مجلس رئاسي مكون من رئيس ونائبين “بشكل يعكس التوازن الجغرافي”، لكن لم تتوصل البلاد إلى إرساء الأمن بالشكل المطلوب الذي يضمن بناء المؤسسات.
ويرى الملاحظون أن تونس كانت الأولى باحتضان مختلف الملتقيات والمؤتمرات التي تخصّ الأزمة الليبية، باعتبار الجوار والعلاقات التاريخية بين البلدين، على غرار اتفاق الصخيرات المغربية في 2015، علاوة عن مؤتمري برلين الألمانية.
وغرقت ليبيا في أزمة سياسية منذ نهاية حكم معمر القذافي مع التنافس بين المناطق الرئيسية وصراعات على السلطة والتدخل الأجنبي.
وخلفت الاشتباكات العنيفة التي وقعت بين مجموعتين مسلحتين الأسبوع الماضي في العاصمة طرابلس 12 قتيلا و87 جريحا على الأقل، وفقا لحصيلة أوردتها وزارة الصحة.
وتبادلت الحكومتان المتنافستان الاتهامات بشأن المسؤولية عن اندلاع الفوضى، فيما تزداد المخاوف من تجدد النزاع المسلح في البلاد.