منظمات حقوقية تستفز الحكومة المصرية لاختبار جدية الحوار الوطني

المنظمات تطالب برفع التجميد الحكومي غير المعلن للحقوق والحريات قبل بدء الحوار.
الجمعة 2022/09/02
هل السيسي واثق من نجاح الحوار

القاهرة - أحدث تصعيد العديد من المنظمات الحقوقية في مصر من مطالبها المرفوعة إلى الحكومة جدلا سياسيا واسعا، بعدما عرضت شروطا تبدو تعجيزية للاعتراف بجدية الحوار الوطني الذي أطلقه الرئيس عبدالفتاح السيسي مؤخرا لتقريب المسافات مع الأحزاب والقوى المدنية والحقوقية في البلاد، وقد يتسبب التصعيد في تعكير العلاقة بين الطرفين ويعقّد فرص إجراء الحوار الوطني بصورة جيدة.

وقالت خمس منظمات حقوقية الثلاثاء إن لديها قائمة بثمانية مطالب يجب تحقيقها على وجه السرعة لتهيئة المناخ السياسي لحوار جدي يمهد لبناء ثقة المواطن المفقودة في الحكومة، ويعيد الاعتبار إلى الدستور والقانون، ملوحة بأن تجاهل مطالبها أو الالتفاف عليها يقود إلى اتخاذها قرارا سلبيا تجاه المشاركة في جلسات الحوار.

وضمت قائمة المنظمات الموقعة على البيان، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، ومركز النديم لمناهضة العنف، منظمة مسار (مجتمع التقنية والقانون)، الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، وجميع هذه الكيانات تعمل في ملف حيوي يثير دوما العديد من المنغصات السياسية للحكومة.

أيمن نصري: هناك مساع لتحويل الحوار الوطني إلى أداة ضغط على النظام

واستند معارضو إجراء الحوار الوطني دون ضمانات مرتبطة بخطوات محددة في ملف حقوق الإنسان إلى نصوص الدستور الذي يعترف بالحريات دون شروط، وطالبوا برفع التجميد الحكومي غير المعلن للحقوق والحريات قبل بدء الحوار، وإعمال ضماناته وليس إعادة التفاوض عليها على مائدة الحوار.

وتضمنت المطالب الإفراج الفوري عن جميع سجناء الرأي، سواء المحبوسين احتياطيا أو المحكوم عليهم باتهامات ملفقة أو المحتجزين بمقار الأجهزة الأمنية، مع تعويضهم وجبر الأضرار التي لحقت بهم وبذويهم، وتقديم الرعاية الطبية والمناسبة لجميع الحالات التي تحتاجها، والوقف الفوري لجميع أشكال التعامل بشكل مخالف للقانون بالسجون ومحاكمة مرتكبيها.

وتعتقد دوائر سياسية أن شروط المنظمات الحقوقية المعارضة غير واقعية وتصل إلى حد الابتزاز السياسي، لأن الحديث عن الإفراج عن جميع المحتجزين يوحي بوجود أهداف خفية وراء المطالب، من الصعب أن تستجيب الحكومة لها لكونها قد تجلب توترات أمنية وسياسية وتُظهر الدولة كأنها ضعيفة ومضطرة إلى التنازل.

وقال رئيس المنتدى العربي الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان أيمن نصري إن مطالب المنظمات الحقوقية تندرج في إطار “الابتزاز السياسي، ومحاولة استغلال الفرصة لتحويل الحوار الوطني إلى أداة ضغط على النظام المصري، ما يضعف قيمته، لأنه يستهدف إجراء مصالحة وطنية بين جميع الأطراف”.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الدولة لديها الحق في التأكد من أن المحبوسين لا يمثلون خطراً على أمنها القومي، كما أنها تمضي في طريق الإفراجات منذ ما يقرب من عامين وتقوم تباعاً بالإفراج عن مجموعات منهم، ما يشير إلى أنها تستجيب للمطالب وفقًا لما يتماشى مع أوضاعها الداخلية.

وشدد على أن بيان المنظمات يعبر عن “خلاف سياسي وثأر شخصي بينها وبين الحكومة المصرية وليس من المستبعد أن يكون البيان لأغراض تمويلية، ومحاولة كسب أرضية للظهور أمام المجتمع الدولي كطرف فاعل يمارس ضغطاً على القاهرة، ما يجعل هناك قناعة رسمية بأن المطالبات لا ترتبط بأهداف إصلاحية”.

ويواجه ملف الإفراج عن المحبوسين تعقيدات قانونية وسياسية وأمنية، والكثير من القوى المدنية والحقوقية تتعامل معه باعتباره ورقة الضغط القوية تقريبا التي يمكن من خلالها جني المزيد من المكاسب، في حين ترى الحكومة أن استجابتها لكل أو بعض مطالب المعارضة يغري أطرافا أخرى للمطالبة بالمزيد.

مشاورات جدية
مشاورات جدية

وتسعى قوى المعارضة إلى التأكيد على أن مواقفها التي اتخذتها بالانفتاح على السلطة كانت سلمية عندما فرضت على الحكومة شروطها، وتم تحقيق جزء منها، لكن ثمة قوى مدنية معارضة لم تدرك بعد أن الحكومة عندما وافقت على إجراء الحوار الوطني رغبت في توسيع نطاق التفاهم مع المعارضة، لا جلب تصدعات سياسية.

وتُدرك دوائر حكومية أن مطالب المنظمات الحقوقية بشأن الإفراج عن السجناء وفتح المناخ العام مشروعة نسبيا، لكنها تعي أنه من الجنون السياسي الاستجابة لها دفعة واحدة، فلا يمكن التنازل غير المنضبط أمام معارضة هشة بلا جماهيرية أو نفوذ، كل ما تمتلكه اللعب بملف الحقوق والحريات المؤيد من منظمات وحكومات غربية.

وتميل بعض الدوائر الحكومية إلى التشدد في الاستجابة لأي قوى مدنية أو حزبية تتحدث عن إطلاق سراح سجناء الرأي أو المحبوسين احتياطيا، بما يمكّن الحكومة من القبض على أداة مهمة قد تلجأ إليها لاحقا، وتميل إلى البطء في الإفراجات لتبدو استجابة لما يتناسب مع تقديراتها دون ضغوط سياسية.

ما يثيرمخاوف الجهات الأمنية في مصر أن المنظمات الحقوقية طالبت بتنقية قوائم الإرهاب من المعارضين السياسيين الذين لم يرتكبوا جرائم عنف، وهو شرط تستفيد منه شخصيات محسوبة على جماعة الإخوان وتيارات إسلامية متطرفة، لأن الوضع على قوائم الإرهاب يأتي لمخاطر أمنية وفكرية.

ودعت المنظمات الخمس إلى الوقف الفوري للقيود الأمنية على نشاط الأحزاب والنقابات المهنية والجمعيات الأهلية والمنظمات الحقوقية المستقلة لتمكينها من ممارسة أنشطتها بحرية، وانسحاب الشركات التابعة للأجهزة الأمنية من ملكية وسائل الإعلام (في إشارة إلى المتحدة للخدمات الإعلامية) ووقف ما أسمته بالتكميم الأمني للأصوات الانتقادية على وسائل التواصل الاجتماعي وإلغاء حجب المواقع.

المطالب تضمنت الإفراج الفوري عن جميع سجناء الرأي، سواء المحبوسين احتياطيا أو المحكوم عليهم باتهامات ملفقة أو المحتجزين بمقار الأجهزة الأمنية

وضاعفت المنظمات من تصعيدها بأنها قررت إرسال قائمة تضم أسماء سجناء ليمثلوها في الحوار الوطني كنوع من الضغط على السلطة للإفراج عنهم إذا أرادت أن يسير بشكل ديمقراطي بعيدا عن الاستهداف والإقصاء السياسي.

واللافت أن بعض هذه الأسماء تتمسك الأجهزة الأمنية بعدم الإفراج عنها، ورفضت توصيات عديدة من جهات مختلفة، مثل النشطاء علاء عبدالفتاح الذي منحته بريطانيا جنسيتها في أبريل الماضي، وزياد العليمي، ومحمد الباقر، وهيثم محمدين، وعزت غنيم، وإبراهيم متولي.

وتظهر قوى معارضة قلة اكتراث بالتعقيدات القانونية الخاصة بتسوية ملف المطلوب الإفراج عنهم من سياسيين، وهناك توافق على أن تحقيق مطالبها من الضروري أن يشمل الإفراج عن المحبوسين لتقليص الفجوة مع الحكومة وتثبيت قواعد الحوار الوطني، لذلك تم وضع مسؤولية نجاح وفشل الحوار في جعبة السلطة لاختبار إرادتها.

وصارت المطالب شبه التعجيزية من جانب بعض القوى السياسية والحقوقية إشكالية معقدة تواجه حكومة على قناعة بوجود أطراف تريد تلغيم وإفشال الحوار الوطني عقب انطلاقه فعليا، ما ينذر بإمكانية تعقيد المشهد وعدم استبعاد تجميد مشاورات الحوار إذا لم يتم الاتفاق على آليات محددة للاستجابة لمطالب المعارضة.

وتحاول جهات حكومية الاستجابة لمطالب محدودة، من بينها الإفراج عن بعض سجناء الرأي وشخصيات سياسية من دون أن تظهر أمام الأحزاب والمنظمات الحقوقية كطرف مضطر إلى تقديم تنازلات، وترى أن مكانة الجهات القضائية لا بد أن تسبق الأهداف السياسية مع الحفاظ على هيبة الحكومة عند مخاطبتها.

وتجد أحزاب ومنظمات حقوقية معارضة نفسها في مأزق، لأنها تدرك ضعف وزنها السياسي بما لا يسمح لها بالمزيد من الضغط، وحال انسحابها من الحوار الوطني ستكون هي الخاسرة، لأنها ستفقد فرصة قد تفتح فيها الدولة الباب أمام دمج المنظمات في الحياة السياسية، وأمام عناد الطرفين سيظل الحوار الوطني على المحك.

2