الأسر التونسية تواجه ارتفاع كُلفة العودة المدرسية بالتداين

لم يعد بإمكان جل العائلات التونسية توفير مستلزمات العودة الدراسية لأبنائها دون اللجوء إلى التداين، ما يفاقم من مشاكلها المادية ويخل بموازناتها المالية. ويرجع الخبراء ارتفاع أسعار الكتب والأدوات المدرسية إلى سياسة الاحتكار والمضاربة من جهة وإلى غياب الكراس المدعّم وعدم تعميم الأدوات والتقليص من أعداد الكتب والكراسات التي تثقل كاهل التلاميذ والآباء من جهة أخرى.
تونس - تواجه الأسر التونسية هذه الأيام صعوبات كبيرة في توفير مستلزمات أبنائها من التلاميذ والطلاّب بالتزامن مع العودة المدرسية والجامعية، في وقت تأخذ فيه أسعار الكتب والأدوات ومعاليم تسجيل التلاميذ منحى تصاعديا، ما دفع العائلات إلى التداين لمواجهة تلك الكلفة المرفوقة بنفقات الاستهلاك اليومي.
ويبدو أنه لم يبق من شعار “مجانية التعليم” الذي كرّسته دولة الاستقلال في 1956 في تونس سوى الاسم، حيث تصاعدت تشكيات الأولياء من غلاء أسعار الأدوات المدرسية التي استنزفت ميزانيات الأسر.
وأكد عمار ضيّة رئيس المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك أن "انخرام المعادلة بين مدخول العائلة وغلاء الأسعار أدى إلى عجز العائلات عن مواكبة ارتفاع كلفة الحياة”، معتبرا أن "المواطن هو الحلقة الأضعف".
وقال في تصريح لإذاعة محلية إن "سبب غلاء المعيشة يعود إلى ارتفاع أسعار العديد من المواد على المستوى الدولي وتراجع قيمة الدينار التونسي فضلا عن تمرد بعض الأشخاص على الدولة والقانون بتحكمهم في السوق بسلوكيات سلبية كالمضاربة والاحتكار عند حدوث أزمات في المواد خاصة المدعمة منها"، لافتا إلى أن "مواد الزيت المدعم والسكر والقهوة غير متوفرة لجميع المواطنين لكنها في المقابل متوفرة للنزل والمطاعم".
وشدّد عمار ضيّة على أن كلفة العودة المدرسية ليست في متناول الجميع وعلى أن غلاء المواد المدرسية دفع العديد من العائلات إلى التداين لمواجهة كلفة العودة، قائلا إن "العودة المدرسية لم تعد في متناول المواطن.. كلفة التلميذ ارتفعت والعائلة متوسطة الدخل لم تعد قادرة على التكفل بأطفالها دون تداين".

فريد الشويخي: هناك نقص في الكراس المدعم والمسؤولية مشتركة بين المستهلك (الولي) والمنتج والدولة
ويرى خبراء أن غلاء أسعار الأدوات المدرسية عامل مشترك بين مختلف أطراف المنظومة، وسط دعوات لوزارة التربية بأن تعمّم الأدوات، فضلا عن قبول المدرّسين بالحد الأدنى المطلوب منها.
وأفاد خبير التربية فريد الشويخي أن "هناك ثلاثة أطراف مشتركة في هذه العملية، وهي أن وزارة التربية لم تعمّم الأدوات وتقلص من أعداد الكتب والكراسات التي تثقل كاهل التلاميذ والأولياء، كما أن الأولياء يتأثّرون بتوجهات أبنائهم وشروطهم، والدولة التي كانت تملك الورق المدعّم تم تحويل وجهته من قبل المطابع، والتعويض تم في الورق وليس في الكراس الجاهز".
وأضاف في تصريح لـ"العرب" أن هناك نقصا في الكراس المدعّم، والمسؤولية مشتركة بين المستهلك (الولي) والمنتج والدولة، فضلا عن عمليات البيع المشروط.
واقترح الخبير في التربية أن "يقبل المدرّس تقليص عدد الكراسات، والولي عليه أن يفهم أنه مساهم في البيع المشروط، علاوة عن كون وزارة الشؤون الاجتماعية مطالبة بتعميم المنح على التلاميذ".
وسبق أن قال رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي إن تكلفة التلميذ الواحد في العودة المدرسية المقبلة تتراوح بين 800 و850 دينارا.
وقال في تصريح لإذاعة محلية "ارتفعت أسعار اللوازم المدرسية بنسبة 20 في المئة مقارنة بالسنة الماضية"، مطالبا بترشيد قائمة اللوازم المدرسية التي يطالب بها منظورو وزارة التربية من التلاميذ في العودة المدرسية المقبلة.
وعزا مراقبون ارتفاع أسعار الأدوات المدرسية إلى الأزمات الاقتصادية التي تشهدها البلاد، على غرار التضخّم المالي وارتفاع أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، ما دفع الكثير من الأسر إلى التداين لمواجهة تلك النفقات.
وقال عامر الجريدي كاتب عام المنظمة التونسية للتربية والأسرة إن "غلاء الأدوات المدرسية وتدنّي القدرة الشرائية ليسا بمعزل عن التضخم المالي والارتفاع المتواصل لأسعار المواد الاستهلاكية المترتّب عن تسارع هذا الارتفاع في بورصات المواد الأولية العالمية الغذائية وغيرها مثل الحبوب والقهوة والورق والمحروقات من جهة، وغياب الاستثمار والإنتاج من جهة أخرى".
وأضاف لـ"العرب" أنه أمام هذه الوضعية تجد الأسَر التونسية نفسها بين مطرقة العزوف عن العمل والإضرابات والاحتجاجات وسندان الارتفاع المشطّ للأسعار من جهة أخرى، فالأدوات والمواد المدرسية لئن كان معظمها محلّي الصنع، إلاّ أن جزءا منها مستورد والمواد الأوّلية لصنعها مستوردة كذلك مثل الورق.
وأردف الجريدي "هكذا تجد الأسرة التونسية نفسها في وضعية مادّية تتأزّم يومًا بعد يوم، وعاما بعد عام وتنزل بها رويدا رويدا من وضعية ‘وسطى’ إلى وضعية أدنى لتقترب من عتبة الفقر الذي بلغ رقمه القياسي منذ استقلال البلاد عام 1956 خلال السنوات الأخيرة".
ووصفت أوساط تربوية الأسعار بـ"المشطّة جدّا"، مشيرة إلى أن القدرة الشرائية للمواطنين انهارت، وسط معادلة صعبة بين ضرورة توفير المستلزمات مقابل عدم القدرة على اقتنائها.
وقالت باسمة المنّوبي أستاذة تفكير إسلامي ووليّة “من خلال ما يروّج له من أسعار في المكتبات، فهي مشطّة جدّا، ولم نعد قادرين على شراء مستلزمات أبنائنا التلاميذ، حيث أن القدرة الشرائية للمواطنين انهارت".
وأضافت في تصريح لـ"العرب" أنه "في بداية السنة الدراسية لدينا برنامج معيّن ومن الضروري إنجازه كاملا، والتلميذ مطالب بتوفير أدواته للتسريع في استكمال ذلك البرنامج، وتنظيم الكراس منذ البداية مهم، والبدايات دائما ما تكون صعبة".
◙ ارتفاع أسعار الأدوات المدرسية يعود إلى الأزمات الاقتصادية التي تشهدها البلاد، على غرار التضخّم المالي
وتابعت "دائما ما نطلب من التلاميذ في بداية السنة الدراسية وخصوصا في حصص التعرّف عليهم تسجيل معطيات تتعلق بهم في استمارة، لمعرفة الحالات الاجتماعية كما هو الحال في محيطنا، ونلاحظ وجود خجل كبير لديهم في التعبير عن حالاتهم، وهناك تعامل خاص معهم وتوجيه كذلك".
وأردفت المنوبي "أصبحنا لا نشترط توفير كل المستلزمات ونريد توفير الحد الأدنى المطلوب لأننا نعرف مسبقا التكلفة الباهظة لتلك الأدوات التي تثقل كاهل الأولياء، فمواد التربية التشكيلية مثلا مشطّة جدا، حيث تبلغ تكلفة الحصةّ الواحدة على الولي أكثر من 10 دنانير كل أسبوع، ودروس التدارك أيضا تعمّق المشاكل المادية للأولياء والأسر".
واستطردت "من يريد التوفيق في العودة المدرسية والجامعية وتوفير كل مستلزماته عليه أن يبادر بالاختيار باكرا حتى لا يجد نفسه في مأزق مادي عند بداية الموسم الدراسي".
والأسبوع الماضي أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية في بلاغ لها أنه سيتّم "بداية من شهر سبتمبر القادم الانطلاق في توزيع المساعدات المدرسية لفائدة التلاميذ والطلبة من أبناء العائلات الضعيفة ومحدودة الدخل بعنوان السنة الدراسية 2022 – 2023".
وسبق أن أكّد الرئيس التونسي قيس سعيّد في لقاء بوزيرة التجارة وتنمية الصادرات فضيلة الرابحي بن حمزة على ضرورة مواجهة المحتكرين بوجه عامّ ومواجهة من يهدّدون بإتلاف عدد من المواد للترفيع في الأسعار.
وذكّر بضرورة "تكامل كلّ أجهزة الدولة في مواجهة المحتكرين والمضاربين"، مشيرا إلى "ضرورة توفير الأدوات المدرسية بأسعار تتناسب مع القدرة الشرائية للمواطنين وعلى أن تكون هذه الأدوات المدعومة ذات جودة مقبولة".
كما دعا سعيّد "كافة الأطراف المتدخلة إلى عدم التسامح مع أيّ شخص أو جهة تسعى لاستغلال هذه المناسبات وغيرها لمزيد من الإثراء غير المشروع".