الحكومة المصرية تسترضي الشارع بإلغاء قرارات لوزراء سابقين

تطمين المواطنين بالموازنة بين تحقيق مطالبهم ورفع معدلات التنمية.
الخميس 2022/08/25
الوضع الاقتصادي يؤرق المصريين

تسعى الحكومة المصرية من خلال حزمة تعديلات وزارية أجرتها مؤخرا إلى استرضاء الشارع الغاضب من التشدد الحكومي في معالجة بعض الملفات وقطع الطريق على أي محاولات تقودها أطراف معارضة لتأليب الرأي العام. إلا أن ذلك يضع الحكومة المصرية أمام اختبار التوفيق بين متطلبات المرحلة وهواجس المواطنين.

القاهرة - بعثت سلسلة من القرارات التي اتخذها وزراء جدد في الحكومة المصرية، عقب تغيير شمل 13 وزارة، العديد من الإشارات السياسية التي تفيد بتلطيف العلاقة مع المواطنين وأنها ليست في خصومة مع الشارع، وتستجيب لمطالب الناس، وقريبة من نبضهم وبعيدة عن العناد والمكابرة، وهي تهمة لاحقت الحكومة في الفترة الماضية.

وألغى وزراء جدد قرارات اتخذها من سبقوهم الذين تمسكوا بعدم التراجع عنها، ما وضع نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي في مواقف حرجة، لأن الناس يلوذون بمؤسسة الرئاسة ويوجهون إليها مناشدات بسبب ما اعتقدوا أنه تعنت من قبل بعض الوزراء في مواقفهم.

وارتبط الغضب بسياسات وزراء أغلبهم يحتكون بالشارع لمسؤوليتهم عن ملفات الخدمات الجماهيرية التي تهم فئات عديدة، بينها التعليم والإسكان والصحة والتموين والسياحة والتجارة والصناعة وقطاع الأعمال العام، وأغلب هؤلاء تم تغييرهم في التعديل الأخير الذي حدث في منتصف أغسطس الجاري.

ولإبعاد الاتهامات عن النظام الحاكم وتلطيف الأجواء مع المواطنين تلقى الوزراء الجدد تعليمات تقضي باحتواء المشكلات التي يمكن أن تتسبب في زيادة الغضب.

محمود سامي: إلغاء أي قرار مثير أو مرفوض يُحسب للحكومة لا عليها

وألغى رضا حجازي وزير التربية والتعليم الجديد سبعة قرارات دفعة واحدة، كان سلفه طارق شوقي اتخذها وأثارت تذمرا واسعا، وأدت إلى مناوشات سياسية بين الحكومة والبرلمان من ناحية، والحكومة والشارع من ناحية ثانية، حتى أن الرئيس السيسي علّق عليها في أكثر من مناسبة كمحاولة لتهدئة الرأي العام الغاضب.

ومن بين هذه القرارات إعادة النظر في المناهج التعليمية الجديدة التي كانت مثار صدام بين الحكومة ومجلس النواب وبعض الأحزاب خلال العام الجاري (الموسم الدراسي المنتهي)، وتأجيل بدء العام الدراسي إلى حين انتهاء تنسيق القبول بالجامعات، وهو القرار الذي شارك فيه وزير التعليم العالي الجديد لأن سلفه لم يكن مؤيدا لها المقترح.

وشملت أيضا إعادة النظر في مناهج الصف الخامس الابتدائي المقرر تطبيقها في السنة الدراسية المقبلة، بعد تمسك الوزير السابق باستحالة تخفيفها استجابة لضغوط من وصفهم بمجموعات المصالح على منصات التواصل الاجتماعي، مع تصحيح مسار امتحانات الثانوية العامة (البكالوريا) بعد مناوشات حدثت بين الأهالي ووزارة التعليم.

وشهدت الأيام الماضية تظاهرات لطلاب وأولياء أمورهم ضد نتيجة البكالوريا، بدعوى أنها شهدت تزويرا وتلاعبا فجا في عهد الوزير السابق طارق شوقي.

ورغم نفْي الوزارة حدوث ذلك دفعت حالة عدم ثقة الأهالي في الحكومة برمتها إلى الاحتكاك بمسؤولين عن مراكز الامتحانات، وتدخلت الشرطة للسيطرة على الموقف، وإثر ذلك تم اتخاذ قرارات لصالح الطلاب المتضررين.

ودخلت وزارة السياحة على خط الحقائب الوزارية، حيث اتخذت قرارات تستهدف تحقيق رضا الجماهير من خلال منع تحصيل أيّ أموال خاصة بموسم العمرة بعملة غير الجنيه المصري، بعد تلميح شركات ومسؤولين سابقين عن ملف العمرة إلى إمكانية أن يكون ذلك بالعملة الصعبة، ما تسبب في تذمر الكثير من الراغبين في أداء العمرة.

وكشف مصدر حكومي لـ”العرب”أن هناك توجيهات للوزراء الجدد تقضي بتهدئة الناس والموازنة بين تحقيق مطالبهم وتنفيذ خطط الحكومة الرامية إلى التطوير ورفع معدلات التنمية، مع حتمية إجراء حوارات مع الفئات المتداخلة مع ملفات جماهيرية في كل وزارة، حتى لا تستثمر بعض الأطراف المعادية -في إشارة إلى جماعة الإخوان- أي قضية لإثارة غضب الشارع وكي لا يظل الناس في خلاف مع الحكومة.

الوزراء الجدد تلقوا تعليمات تقضي باحتواء المشكلات التي يمكن أن تتسبب في زيادة الغضب لإبعاد الاتهامات عن النظام الحاكم وتلطيف الأجواء مع المواطنين

وافتقرت الحكومة المصرية حتى وقت قريب إلى ثقافة التشاور مع القوى المجتمعية والمتخصصين قبيل اتخاذ أي قرار مصيري، في حين أعلن رضا حجازي وزير التربية والتعليم أن القرارات التي سيتم الاستقرار عليها ستحظى بحوار مع الأطراف المعنية بها، وهي ثقافة جديدة على المسؤولين في الحكومة، وجاءت بتكليف رئاسي.

واستقبلت شريحة كبيرة من المواطنين قرارات وزارة التعليم الأخيرة باستحسان بالغ وتعاملت الأغلبية مع الأمر باعتبار أن الشارع انتصر في نهاية المطاف على تشدد بعض الوزراء وانحيازهم إلى وجهات نظرهم، لأن الناس ليست لهم مصالح ذاتية ويبحثون عن تطبيق القرارات بعيدا عن عناد المسؤولين.

وقال محمود سامي الرئيس السابق لحزب الكرامة إن “أهم مسؤوليات الحكومة حاليا تحقيق الرضا المجتمعي في الشارع، لأن الهوة توسع قاعدة المعارضة، وهذه بلا قائد ويصعب السيطرة عليها، لذلك فالاحتواء ضروري للحفاظ على الاستقرار، وإقناع الناس بوجوب مواجهة التحديات معا لن يتحقق مع حالة الغضب الشعبي من الأداء الحكومي”.

وأضاف لـ”العرب” أن “الظرف الاقتصادي الراهن ليس مطلوبا فيه مبارزة الشارع، لأن ذلك يأتي بانعكاسات سلبية تستثمرها تيارات مناوئة للقفز على المشهد”، لافتا إلى أن “إلغاء أي قرار مثير أو مرفوض يُحسب للحكومة لا عليها، والعبرة بعدم تكرار ما سبق حتى لا تصل ثقة الناس في الوزراء إلى مستوى متدنٍ بشكل لا يخدم أي طرف”.

ويبدو أن الحكومة المصرية، في تراجعها عن بعض القرارات المثيرة للجدل والغضب، ترغب في تصدير صورة مغايرة تفيد بأنها تمارس ديمقراطية من نوع جديد، وتريد كسب الشعب إلى صفها في أجواء مليئة بالاحتقانات بعد ارتفاع أسعار الكثير من السلع والخدمات، ولا تريد الحصول على تأييد من أحزاب المعارضة التي فُرضت عليها قيود لا تمكنها من ممارسة أي دور سياسي مؤثر.

وتشير موجة التراجعات الأخيرة من جانب وزراء في الحكومة إلى أنها تستهدف إيصال رسائل إلى الشارع تؤكد أنها تتجاوب مع صيحات المواطنين من مختلف الفئات، طالما أن تصرفاتهم ومطالبهم مشروعة ولا تتضمن أهدافا سياسية، والإيحاء بأنها قريبة من نبض الشارع، ما يدحض اتهامها بأنها متعنتة في التعامل مع الفضاء العام.

ويحمل إعلان بعض الوزارات -في مقدمتها وزارة التعليم- عن قرارات سابقة مخاوف من مخاطر استمرار الاستعلاء على الشارع أحيانا، لأن المعارضة المجتمعية خطرها أشد من نظيرتها السياسية بعدما صارت أغلب الأحزاب والقوى المدنية بلا أنياب، وهو ما يظهر في هدوء نبرة الخطاب الموجه من المسؤولين إلى الشارع أخيرا بشأن القضايا العامة، والذي بات غائبا تقريبا في العلاقة مع غالبية الأحزاب.

2