تويتر يجذب الجمهور المصري ويعوّض رتابة الإعلام التقليدي

جذبت معركة علاء مبارك، الابن الأكبر للرئيس المصري الراحل حسني مبارك، والصحافي والبرلماني المقرب من الحكومة مصطفى بكري المتابعين وتحولت إلى مادة خصبة للشد والجذب بين مؤيدي ومعارضي الطرفين، الأمر الذي وظفته بعض وسائل الإعلام لصالحها، حيث سلطت الضوء على تفاصيل التراشق اللفظي بينهما وأنصارهما، في محاولة لمجاراة المشاجرة الكلامية التي وصفت بأنها الأشرس على تويتر في مصر مؤخرا.
القاهرة - اتخذت معركة التراشق بالتغريدات بين علاء مبارك، الابن الأكبر للرئيس المصري الراحل حسني مبارك، والصحافي والبرلماني المقرب من الحكومة مصطفى بكري منحى متصاعدا بعدما أعلن الأخير تقدمه ببلاغ للنائب العام ضد ابن مبارك للمطالبة بمحاكمته بتهم السب والقذف والسخرية وتشويه الصورة أمام الرأي العام على موقع تويتر.
ورغم إعلان بكري اللجوء إلى القضاء لم يتوقف عن التغريد ضد علاء مبارك بعد أن تباهى بكون والده وأمه وجده وجدته مصريين أصليين، وليس له جدة إنجليزية، في تلميح إلى أن سوزان مبارك والدة علاء تحمل الجنسية البريطانية ووالدتها لها جذور إنجليزية، لكن علاء لم يصمت وكتب ساخرا من بكري “ميبقاش (لا يبقى) تاريخك كله فضايح (فضائح) وتيجي (تأتي) عند ابن الأصول تديله نصايح (تقدم له نصائح)”.
وقد أصبح تراشق السياسيين على تويتر من أهم الموضوعات الجذابة لجمهوره بعيدا عن روتين وتقليدية الكثير من وسائل الإعلام التي صارت غارقة في قضايا لا فائدة منها، ولا تلامس رغبات وتطلعات الناس، فكان البديل أمام متصفحي شبكات التواصل متابعة أدق تفاصيل حياة وخلافات السياسيين والإعلاميين والفنانين والمشاهير عموما.
ولأن الأكواد الإعلامية التي أطلقتها الهيئات المسؤولة عن ضبط وتنظيم المشهد الإعلامي في مصر حظرت على الصحف والمواقع والبرامج التطرق إلى قضايا مثيرة أصبحت وسائل الإعلام التقليدية تعوّل على متابعة تراشقات السياسيين كي تكون مادة تحريرية خصبة لجذب أكبر قدر ممكن من جمهور المنصات المتشوق للتفاصيل.
كان علاء مبارك قد بدأ التراشق مع مصطفى بكري عبر تويتر عقب أحداث حريق كنيسة “أبي سيفين” في حي إمبادبة بالجيزة القريبة من القاهرة، وأودى بحياة 41 شخصا وخلّف حالة حزن واسعة في البلاد، حيث طالب بكري بالتحقيق مع رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس بعد تغريدة مثيرة للجدل له تعليقا على الحادث، ألمح فيها إلى شكوكه في رواية وزارة الداخلية بأن الحريق سببه “ماس كهربائي”.
واتهم بكري ساويرس بأنه يسعى لإشعال الفتنة بين المسلمين والأقباط عقب تغريدته التي قال فيها “لم أرد أن أكتب تعزية قبل أن أعرف تفاصيل الحادث، لأننا في صعيد مصر لا نقبل العزاء قبل أن نعرف التفاصيل”، ما دفع بكري إلى التغريد قائلا “نجيب ساويرس يقوم بكتابة تغريدة عكس الرياح بهدف إثارة المشاكل والأزمات والفتنة”.
ودخل علاء مبارك على خط التراشق وغرد مخاطبا النائب البرلماني المقرب من الحكومة بقوله “أي إنسان غيرك يطلب من النائب العام التحقيق عن نشر أخبار كاذبة مقبول”، متهما إياه بأنه هو الذي اعتاد ترديد الأكاذيب حول والده الراحل، لكن بكري رد قائلا “إلى علاء مبارك، أختار معاركي بدقة، وأعذرك في دفاعك عن ساويرس، وأعرف الأسباب جيدا”، وهي التغريدة التي لم يصمت أمامها ابن الرئيس الراحل وقرر الرد على بكري بسلسلة من التغريدات الأخرى.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتراشق فيها ابن مبارك وبكري، فهما يعرفان بعضهما البعض جيدا، حيث كان الأخير مقربا من نظام الرئيس الراحل ثم انقلب عليه بعد ثورة 25 يناير 2011، وخاض حملة إعلامية للمطالبة بمحاكمته والبحث في أسباب تضخم ثروته، ولأن علاء مبارك يعرف جيدا خبايا الحياة الشخصية لبكري درج على الرد عليه من أرضية معلوماتية ثابتة.
وعززت معارك السياسيين في مصر على تويتر تفاعل الجمهور مع الموقع، حيث ينصب اهتمام معظم متصفحي منصات التواصل في مصر على استخدام فيسبوك وتلغرام وإنستغرام، فالمشاهير هم من يتعاملون من خلال تويتر، والتراشقات بين السياسيين عليه لها متابعة إعلامية خاصة.
ولا تزال جماهيرية تويتر في مصر متدنية مقارنة بتطبيقات اجتماعية أخرى بسبب تجاهل المؤسسات الحكومية استخدامه في مخاطبة الناس، وطبيعة ثقافة المجتمع واهتمامه بالصورة والفيديو وتفضيل ذلك على التغريد بكلمات قليلة قد لا تفي بالغرض، والأهم حالة التضييق في مجال الحريات العامة التي تمنع البعض من السياسيين من التغريد أو تجعلهم أكثر تحفظا، لكن استخدام مشاهير موقع تويتر دفع الجمهور إلى السير خلفهم -في ظل استمرار فتور العلاقة بينه وبين الإعلام التقليدي الذي صارت منصات التواصل هذه الأيام تتحكم في محتواه التحريري أكثر من أي وقت مضى- حيث وجد فيه ملاذا لتعويض عجزه عن الابتكار.
وتتصدر مصر المنطقة العربية في استخدامات وسائل التواصل الاجتماعي -فيسبوك وتويتر تحديدا- حيث كشف تقرير صدر عن جهاز التعبئة العامة والإحصاء المصري بالتعاون مع اللجنة الإحصائية للأمم المتحدة منذ عامين أن عدد تغريدات المصريين على تويتر في اليوم الواحد تتخطى ثلاثة ملايين تغريدة، كما أن المصريين منذ عام 2014 يحتلون المركز الثاني عربيا في عدد المستخدمين الجدد لتويتر سنويا، إذ ينضم ما يقرب من 600 ألف مستخدم جديد كل عام، وهي نسبة ليست كبيرة بالنسبة إلى بلد عدد سكانه يتجاوز المئة مليون نسمة وهو الأكبر عربيا.
الصوت الواحد صار مهيمنا على الإعلام المصري ولا وجود لأي رؤى متباينة ومعارضة إلا على منصات التواصل الاجتماعي
ويرى العديد من خبراء الإعلام الرقمي أن شغف شريحة واسعة من المصريين بالأحداث غير التقليدية والبحث عن القضايا الجدلية جعلهم يتعاملون مع تراشق السياسيين، والمشاهير عموما، على أنه من المحتويات الجذابة، وسط تراجع دور الإعلام التقليدي في تقديم الرأي والرأي الآخر للناس، والاشتباك مع الأحداث كما كان يحدث في الماضي، وصار الصوت الواحد مهيمنا على الإعلام ولا وجود لأي رؤى متباينة ومعارضة إلا على منصات التواصل الاجتماعي.
وقال صفوت العالم، أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة، لـ”العرب” إن “تويتر أصبح أسيرا للرؤى السياسية التي تبتعد الكثير من وسائل الإعلام التقليدية عن التطرق إليها، وتحول أيضا إلى مصدر للصحافيين، ومن الطبيعي أن يصبح منصة جذب حيوية للشرائح المجتمعية الباحثة عن التشويق السياسي المفتقد في الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، وهذا يضاعف خسائر وسائل الإعلام، لأنها تضطر إلى المتابعة عن بعد”.
ولفت إلى أن استحواذ شبكات التواصل الاجتماعي على النصيب الأكبر من عناصر جذب الجمهور يفقد الإعلام التقليدي تأثيره، لأن الشريحة الأكبر في المجتمع -أي الشباب- بحاجة إلى أحداث آنيّة تتفاعل معها، وهو ما توفره منصات التواصل، وبات تويتر وأمثاله أقرب إلى عمل وكالات الأنباء التي تعتني ببث الأخبار.
وتبدو الحكومة المصرية مستفيدة من الجدل السياسي والتراشق الذي يحدث من حين إلى آخر بين شخصيات بارزة في المجتمع، باعتبار أن تلك المعارك تمثل عنصر إلهاء للجمهور بعيدا عن تركيز الناس على المشكلات التي تواجه دوائر الحكومة.
وتحولت معركة علاء مبارك ومصطفى بكري إلى حديث الرأي العام على شبكات التواصل في ذروة الغضب من ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم وغلاء المعيشة والتغيير الوزاري واستقالة محافظ البنك المركزي، ما يفسر مجاراة الإعلام أيضا لتلك المعارك بداعي الإلهاء لتكون هناك فرصة أمام الحكومة لإعادة ترتيب أوراقها.