لجان الحوار في مصر: الأقلية سياسية والأغلبية مجتمعية واقتصادية

القضايا المطروحة للنقاش في أجندة الحوار الوطني تمثل أزمة حقيقية بسبب إخفاق الحكومة في إدارة بعض الملفات الحيوية التي ترتبط بصميم احتياجات الناس.
الاثنين 2022/08/08
تضاؤل منسوب التفاؤل بمخرجات الحوار الوطني

القاهرة- استقبلت دوائر سياسية في مصر تشكيل اللجان الفرعية التي أعلن عنها مجلس الحوار الوطني بحالة من عدم الثقة في إمكانية أن يتم تسيير الحوار بشكل يخدم أغراض الحكومة بصورة رئيسية، حيث غلبت عليها القضايا المجتمعية والاقتصادية، مقابل ضعف التمثيل العددي في لجان الملفات السياسية والحريات.

وشكّل مجلس أمناء الحوار الوطني 15 لجنة فرعية أخيرا، مهمتها مناقشة ثلاثة محاور أساسية، وهي: السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بينها ثلاثة لجان معنية بحقوق الإنسان والحريات العامة ومباشرة الحقوق السياسية والمحليات لتكون ممثلة للمحور السياسي على أن تكون اللجان المتبقية (12 لجنة) مسؤولة عن القضايا الأخرى.

وجرى تخصيص 5 لجان لمناقشة القضايا المجتمعية، منها التعليم والأسرة والصحة، وحصد الملف الاقتصادي أغلبية اللجان لمناقشة الموضوعات الخاصة بملف التضخم وغلاء الأسعار وعجز الموازنة والدين العام والاستثمار، ما يعيد إلى الواجهة الإشكالية التي اعترضت عليها قوى مدنية بأن الحوار يبتعد عن السياسة.

◙ بعض التحركات تشير إلى رغبة في خلق تناغم بين الأحزاب والقوى السياسية والحكومة بشأن ما تجب مناقشته من قضايا وملفات

وأكد مجلس أمناء الحوار الوطني أنه جرت مراعاة التوازن المطلوب في تشكيل اللجان، في إشارة إلى تمثيل المعارضين والموالين وتوزيع الملفات بالتساوي بين رؤى القوى المعارضة وقناعاتها، وبين ما تصبو إليه السلطة من الحوار الوطني، بحيث لا يكون سياسيا بامتياز، بل يضع كل القضايا على الطاولة، وفقا لأولوياتها.

وتخشى قوى معارضة من مغبة التوسع في القضايا الاجتماعية والاقتصادية، لأنها تقود الحوار إلى مجال غير محدد الملامح، ويصعب الإمساك بتفاصيله وطبيعة مخرجاته، الأمر الذي يصب في صالح الحكومة التي يبدو أنها ترغب في تسويف المطالبات السياسية والحقوقية وتجعلها تائهة بين القضايا العامة.

ويعكس تشكيل اللجان بهذه الصورة تمسك الحكومة بتوظيف الحوار الوطني في البحث عن مخرجات للأزمات المعقدة والإصرار على أن يكون الملف الاقتصادي في صدارة أولوياتها بحجة أن الاستقرار الأمني والسياسي ينطلق من وجود اقتصاد قوي بما يحول دون حدوث انتفاضة غضب بسبب الظروف المعيشية.

وأكدت مصادر سياسية لـ”العرب” أن الحكومة لا تتدخل في مسار الحوار الوطني، ولا يتم استطلاع رأيها في الملفات التي تتم مناقشتها، لكن مجلس الأمناء المعني بتلك المهمة يُدرك جيدا تحديات المرحلة وخطورة الأوضاع الاقتصادية وتأثيرها سلبا على الوضع السياسي في ظل ارتفاع منسوب الغضب في الشارع جراء غلاء الأسعار.

ويبدو أن هناك توجها لوضع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في جعبة المشاركين في الحوار الوطني ليكونوا شركاء في تحمل المسؤولية مع الحكومة عبر طرح الحلول والمقترحات الخاصة بكل مشكلة، كي لا يُقال بعد ذلك إن النظام كانت أمامه بدائل مريحة في معالجة الأزمات ولم يبادر إلى تطبيقها.

مدحت الزاهد: تعدد القضايا المطروحة على طاولة الحوار الوطني يطيل أمده في المناقشة

وتتخوف بعض القوى السياسية من أن يكون التركيز على الشق الاقتصادي والاجتماعي محاولة من أطراف قريبة من النظام الحاكم للاستفادة من الحوار الوطني وتحويله إلى منبر للدعاية للمشروعات التنموية التي تنجزها الدولة عندما لم تكن هناك مبادرات أو أفكار من المعارضة لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار.

وتتفق الأحزاب المعارضة على أهمية إجراء حوار سياسي جاد، تتشعب منه حوارات أخرى اقتصادية واجتماعية لأن الملف السياسي هو أصل الأشياء وجوهر المشكلة.

ويرى آخرون عدم وجود ممانعة في إدراج ملفات اقتصادية واجتماعية مع الشق السياسي شريطة ضم عناصر لها مصداقية تشارك في وضع خارطة إنقاذ لكل ملف.

وأكد مدحت الزاهد رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي (معارض) أن تعدد القضايا المطروحة على طاولة الحوار الوطني يطيل أمده في المناقشة، ولا يجعله مرتبطا بفترة زمنية محددة أو ملفات معينة، وهذه ميزة تتيح الاختلاف والتنوع وتعدد الرؤى، لكن العبرة باستجابة الحكومة لما يمكن أن ينبثق من مخرجات وتوصيات.

وأضاف لـ”العرب” أن الوضع الحالي في مصر يشير إلى ضرورة أن تتصدر الإصلاحات السياسية للمشهد، بحيث تتشارك القوى المختلفة في وضع حلول للقضايا والمشكلات الموجودة على الساحة، ولا يكون هناك انغلاق أو إقصاء أو احتكار لوجهة نظر بعينها في ملف محدد، ومن الخطأ أن تنحصر الأولوية في الشق الاقتصادي.

وتمثل القضايا المطروحة للنقاش في أجندة الحوار الوطني والتي على أساسها تم تشكيل هذه اللجان أزمة حقيقية الآن، سواء أكانت اقتصادية أم سياسية أم مجتمعية، لأن الحكومة أخفقت في إدارة بعض الملفات الحيوية التي ترتبط بصميم احتياجات الناس.

وأصبحت تشكيلة لجان الحوار الوطني موزعة بين ما تصبو إليه الحكومة وما تبحث عن المعارضة وما ينشده الشارع من السلطة، فالقوى السياسية تعنيها قضايا الحريات والحقوق السياسية، والمواطنون يهمهم في المقام الأول وجود تعليم وصحة وخدمات وعدالة اجتماعية، بينما توجه الحكومة جل انشغالها إلى الاقتصاد.

وتشير بعض التحركات إلى رغبة في خلق تناغم بين الأحزاب والقوى السياسية والحكومة بشأن ما تجب مناقشته من قضايا وملفات، لكن ذلك لم يصل إلى توافق تام في ظل تمسك مجلس أمناء الحوار الوطني بعدم الاقتراب من الدستور أو إجراء تعديلات استجابة لطلب بعض الأحزاب، والتأكيد أن الدستور خط أحمر.

◙ المعارضة تخشى التوسع في القضايا الاقتصادية، لأنها تقود الحوار إلى مجال غير محدد الملامح يصعب الإمساك بتفاصيله 

وقال المستشار محمود فوزي رئيس الأمانة العامة للحوار الوطني، الجمعة، إن “تعديل الدستور غير مطروح على طاولة النقاش، لا حاليا ولا مستقبلا”.

وتعتقد قوى معارضة أنه من غير المنطقي فتح حوار دون إعادة النظر في بعض مواد الدستور المرتبطة بالحريات السياسية وتداول السلطة وغيرها من القضايا.

وترتبط إشكالية الدستور بأن القوى المعارضة تبحث عن حريات مطلقة دون قيود أو شروط، وهو توجه ترفضه السلطة لخطورته على استقرار البلاد، وإن كان الدستور يتيح حرية الرأي والتعبير للجميع، لكنه اشترط ذلك في حدود القانون، بالتالي يتطلب تعديل التشريعات المرتبطة بالحريات تعديلا دستوريا يخلو من الشروط الصارمة.

وبعيدا عن مرونة مجلس أمناء الحوار الوطني في إلغاء الخط الأحمر المحاط حول الدستور من عدمه، فإن رفع توصيات اللجان إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي لمراجعتها بعد الانتهاء منها هو الإجراء الوحيد الذي يتحدد عليه مدى قبول السلطة لهذا الطلب من عدمه، في ظل تمسّك قوى معارضة بحتمية إجراء تعديلات دستورية لأن هناك تشريعات مكبلة للحريات أساسها نصوص دستورية والقبول بتعديلها هو الإجراء الأكثر واقعية لتأكيد حُسن نوايا الحكومة وبناء جمهورية جديدة أساسها الديمقراطية.

2