شبكات تهريب المهاجرين تكثف نشاطها من تونس نحو أوروبا

أكثر من 7500 مهاجر وصلوا إلى إيطاليا منذ بداية 2022.
الخميس 2022/08/04
تفكير الشباب حبيس الهجرة

لا تثني حوادث الغرق المهاجرين التونسيين أو الأفارقة عن خوض مغامرة الهجرة غير الشرعية عبر البحر نحو إيطاليا، واللافت أن الظاهرة سجلت ارتفاعا خلال الأشهر القليلة الماضية وهو ما يربطه خبراء بحالة اليأس التي يعيشها الشباب.

تونس - أخذت ظاهرة الهجرة غير النظامية من تونس نحو السواحل الإيطالية صبغة إجرامية “منظمة”، حيث زاد نشاط شبكات تهريب المهاجرين نحو أوروبا مستغلة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المأزومة في البلاد، فضلا عن انسداد الأفق أمام فئة الشباب التي تعاني من التهميش والبطالة. ووصل أكثر من 7500 مهاجر غير نظامي إلى السواحل الإيطالية انطلاقا من تونس منذ بداية سنة 2022.

وساهمت الأزمات التي شهدتها تونس في تراجع ثقة الشباب في الخطاب السياسي والوعود المؤجلة منذ يناير 2011، وبات التفكير في الهجرة حلاّ في ظلّ الواقع المعيشي الصعب وتواصل البطالة.

وقال المتحدّث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر في تصريح لإذاعة محلية إن "حوالي نصف هؤلاء المهاجرين نفذوا هجرتهم غير النظامية خلال شهر يوليو المنقضي".

وتمكنت السلطات التونسية من إحباط أكثر من 920 عملية اجتياز ومنع حوالي 11500 مهاجر غير نظامي من المغادرة نحو السواحل الايطالية، 60 في المئة منهم يحملون الجنسية التونسية و40 في المئة من جنسيات أخرى.

وأضاف بن عمر أنه "خلال السنوات الثلاث الأخيرة أصبحت تونس تمثل مركز انطلاق مكثف للهجرة غير النظامية ليس فقط للشبان والعائلات التونسية بل لجنسيات أخرى كذلك تفضل الوصول إلى الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط عن طريق السواحل التونسية".

وعزا كثافة حركة الهجرة غير النظامية بتونس إلى العوامل المناخية المناسبة وقرب المسافة من إيطالليا، فضلا عن النشاط المكثف لشبكات تهريب المهاجرين التي تعمل عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي وميدانيا على استقطاب الراغبين في الهجرة تونسيين كانوا أم من جنسيات أخرى، متوقعا أن “يستمر تصاعد عمليات الهجرة خلال هذه الفترة إلى حدود شهر أكتوبر".

وأشار رمضان بن عمر إلى أنه “رغم المجهود الأمني الكبير للحدّ من نزيف الهجرة غير النظامية إلا أن المقاربة الأمنية وحدها عاجزة عن ذلك وفق ما أكدته الأرقام المسجلة".

وقال الباحث في علم الاجتماع العيد أولاد عبدالله إن "أعداد الشباب الذين ينوون الهجرة أكثر بكثير ممن وصلوا نحو السواحل الإيطالية، ومن أسباب الظاهرة نلاحظ أنه كلّما تشتدّ الأزمة الاقتصادية والاجتماعية ويتعقّد المشهد السياسي في أعلى هرم الدولة، تكون تداعياته وخيمة على القاعدة وتفرز مثل هذه الظواهر الاجتماعية، حيث أصبح الهروب إلى الأمام هو الملاذ الوحيد للشباب".

وأضاف في تصريح لـ"العرب" أنه “أصبح من الواضح أنه كلما يضعف الإنسان وتشتدّ أزماته يكثر المحتكرون والمستفيدون من الأزمات، حيث نلاحظ كثافة نشاط شبكات تهريب المهاجرين نحو الدول الأوروبية، فضلا عن الهجرة المنظّمة بوثائق مزوّرة وبعقود عمل وهمية، وهذه الشبكات تستهدف الوضع المأزوم للشباب والفقر والبطالة، وانسداد الأفق".

وتابع أولاد عبدالله "هذه الشبكات موجودة، وعدد المهاجرين ارتفع سواء من تونس أو من بلدان أجنبية، وهي شبكات ليست محلية فقط بل دولية من فرنسا وإيطاليا". واستطرد "لا بدّ من مقاربة اجتماعية وتنموية شاملة، لأنه بعد ثورة يناير 2011 لم يعد أحد يثق في الخطاب السياسي".

وعلى الرغم من الارتفاع اللافت في عدد ضحايا قوارب الموت خلال الفترة الأخيرة، يصرّ المهاجرون غير النظاميين على المغامرة حالمين بحياة أكثر أماناً وبمصير أفضل. وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت في تصريح لـ"العرب" أن "هذه ظاهرة مركّبة ومتعدّدة الأبعاد، ومرتبطة جزئيا بالفقر والبطالة، لكن ترتبط أساسا بالحلم بحياة راقية ماديا وفيها الكثير من الوهم".

وأضاف "العبور من تونس له ما يفسّره، لأن هناك حراسة مشددة في المغرب (سبتة ومليلية)، وهذه الشبكات موجودة من بلدان أفريقية إلى تونس ثم إلى إيطاليا، وربما تكون مرتبطة بالمافيا، وهذا جزء من ظاهرة الاتجار بالبشر، كما أنها تسجّل أرباحا عالية وقد تتحالف مع الإرهاب لما لها من تنظيم وتسلسل مسالك".

وأردف ثابت "ازدهار نشاط تلك الشبكات يتزامن مع الفقر والبطالة ويتزامن أيضا مع حلم الرفاه ويرتبط باقتصاد معولم يقوم على رمزية الصورة"، لافتا إلى أنه "من الضروري التفكير في وضع مقاربة ثقافية إلى جانب المقاربة الأمنية لنقد مجتمع الوفرة والتفاهة والهامشية".

وسبق أن قال قضاة إن إيطاليا ضبطت عصابة إجرامية تهرب المهاجرين بطريقة آمنة إلى صقلية مقابل نحو 3000 يورو (3379 دولارا) على قارب سريع يمكنه العبور من تونس في أقل من أربع ساعات.

وأصدر ممثلو الادعاء في باليرمو مذكرة اعتقال بحق 15 من المشتبه بهم في تهريب البشر والإتجار في السجائر المهربة، كلهم إيطاليون لكن معظمهم مولودون في تونس.

◙ رغم المجهود الأمني الكبير، إلا أن المقاربة الأمنية وحدها عاجزة عن التصدي للمهاجرين وفق ما أكدته الأرقام المسجلة

وقال الكاتب العام للمنظمة التونسية للتربية والأسرة عامر الجريدي “عندما يسود التخبط السياسي والانهيار التعليمي والتدهور التنموي، تتبعثر الأوراق وتنعدم الرؤية وتُفتَقدُ جودة الحياة (طيب العيش) وتضيع الآفاق، فيزداد الفقر ويطلّ التطرف والإرهاب وتكثر الجريمة وينفر المواطنون من وطنهم وتشرئبّ أعناق الشباب وحتّى الأقل شبابا نحو فضاءات أرحب وأرحم، وهذا بعض ما يفسّر حلم سواد شباب البلاد بالهجرة خارج الوطن الذي لمْ يعد يعني لهم غير وكر انتهازية سياسية وفساد أخلاقي وتنموي ومقبرةَ حياة".

 وصرّح لـ"العرب" أن "إصرار الشباب على الهجرة غير النظامية والمجازفة بحياتهم خير دليل على فقدانهم للثقة في بلدانهم، وهم يحلمون بحياة أفضل ممّا فتحوا أعينهم عليها في بلادهم". وتابع "النشاط المتزايد لشبكات تهريب المهاجرين نحو أوروبّا يدخل في هذا السياق 'الفاسد' (سياسيا وتربويا وتعليميا واجتماعيا واقتصاديا وبيئيا) المتّسم بتحكّم 'لوبّيات' (كبرى وأصغر) في مقدّرات البلاد وفي تطلعات الشعب بمختلف فئاته السوسيو - مهنية والعُمُرية، وهو مظهر من مظاهر الفساد الأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي في بلاد أنهكتها ديمقراطية مغشوشة وضحالة مستوى القائمين على الدولة على مدى عشر سنوات على الأقلّ وتنمية سلبية".

وشهد شهر مايو الماضي وصول 947 مهاجرا تونسيا غير نظامي إلى السواحل الإيطالية مقابل 601 خلال نفس الفترة من سنة 2021، حسب أرقام المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية..

ووصل 354 قاصرا إلى السّواحل الإيطالية في شهر مايو الماضي أي ما يمثّل 15.63 في المئة من جملة الذين وصلوا إلى إيطاليا، كما مثّل المهاجرون التونسيون نسبة 31.12 في المئة من جملة المهاجرين الذين تم منع اجتيازهم انطلاقا من الأراضي التونسية. وتم فقدان نحو 399 مهاجرا خاضوا عملية الهجرة غير النظامية انطلاقا من السّواحل التونسية منذ بداية سنة 2022 وإلى غاية شهر مايو.

4