تصاعد الدعوات إلى دعم الاستفتاء في مواجهة معارضي قيس سعيد

الاستفتاء على الدستور يحمل قبولا شعبيا لشخص الرئيس قيس سعيد الذي أعاد الاعتبار إلى الفئات الضعيفة والمسحوقة اجتماعيا رغم جهود المعارضة لإفشال هذا الاستحقاق. في حين يرى أنصار الرئيس أن المصادقة على مشروع الدستور تنبئ بمرحلة تقطع مع الماضي.
تونس - تتواتر الدعوات السياسية والحقوقية إلى الإقبال على مساندة الاستفتاء على الدستور الجديد في تونس والمشاركة بكثافة لإنجاح هذا الحدث السياسي المرتقب والقطع نهائيا مع المنظومة السابقة، رغم تصاعد أصوات المعارضين لتوجهات الرئيس قيس سعيد في مسعى إلى عرقلة مسار الخامس والعشرين من يوليو.
وتتحمّس مختلف الفئات الشعبية وخصوصا المجتمع المدني والحقوقي وأغلب الأحزاب لمساندة الاستفتاء، في محاولة لطي صفحة الفشل السياسي الذي رافق منظومة ما بعد ثورة يناير 2011.
وتعيش البلاد على وقع الاستعداد للاستفتاء الشعبي على مشروع دستور جديد من المنتظر أن يتم في الخامس والعشرين من يوليو الجاري. وتقول أطراف سياسية تساند الاستفتاء، إن أصوات الخصوم السياسيين للرئيس سعيد والمعارضين لتوجهاته لا تملك رصيدا شعبيا كافيا في المشهد، وهو ما يرجّح كفّة الرئيس في كسب “المعركة السياسية” وإنجاح الاستفتاء.
وقال أمين عام حركة الشعب، زهير المغزاوي، إن “الأطراف المعارضة للاستفتاء ليس لها وزن في الشارع ولا علاقة لها بالممارسة الديمقراطية، والطرف الرئيسي الذي تدور حوله الأحداث هو حزب حركة النهضة”.
وأضاف لـ”العرب”، “مسار 25 يوليو جاء لينهي وجود هذه المنظومة نهائيا والتي نكّلت بانتظارات الشعب، وقد حاولت حتى قبل إجراءات الرئيس سعيد تعطيل المسار لكن كل المحاولات باءت بالفشل”. وتابع المغزاوي “استفتاء 25 يوليو سيغلق قوس الإسلام السياسي في تونس وينهي منظومة السنوات العشر الماضية التي عبثت بالدولة ومصالح التونسيين”. واستطرد “ندعو إلى الإقبال بكثافة على مساندة الاستفتاء والتصويت بنعم”.

ويتضمن المشروع الجديد الذي سيصوت عليه التونسيون في 25 يوليو الجاري 142 مادة، ويمنح سلطات واسعة لرئيس الجمهورية خلافا لدستور 2014 الذي كان ينص على نظام شبه برلماني، وكان قيس سعيّد قد أمر بتعليقه في 25 يوليو 2021. وتقرّ شخصيات حقوقية بوجود عدة بوادر لدحر المنظومة السابقة فعليا، مطالبة بضرورة وجود ضمانات لتحسين مرحلة ما بعد الاستفتاء في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وأفادت نجاة الزموري، عضو الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، “العشرية السوداء كانت الأكثر وقعا على المسارات التي مرت بها البلاد، وهناك بوادر عديدة للقطع مع المنظومة السابقة، لكن لا بدّ من تطمينات لتحسين الوضع الاقتصادي ومستوى عيش التونسيين ومكسب الحقوق والحريات”. وقالت في تصريح لـ”العرب”، “الناس بعد 25 يوليو الماضي عبّروا عن آرائهم بكل حرية وديمقراطية والرئيس سعيد يؤمن بحرية التعبير، والخوف ليس من سعيد وهو شخص نزيه، والاستفتاء سيكون إعلانا لنهاية المنظومة السابقة”.
وتابعت الزموري “أعتقد أن الأغلبية ستصوّت بنعم ولكن لا أرى بوادر إقبال كبير على المشاركة في الاستفتاء، ومن سيصوتون هم مقتنعون بتوجهات سعيد والدستور الجديد”. وتعتبر الأحزاب المساندة لتوجهات الرئيس سعيد، أن نسق الدعاية السياسية للاستفتاء يتخذ مسارا إيجابيا، مؤكّدة أن المصادقة على الدستور الجديد ضمان للتفكير في مرحلة سياسية جديدة، وهو أمر يدركه الشعب التونسي.
وأكد زهيّر حمدي، أمين عام التيار الشعبي، في تصريح لـ”العرب”، أن “المفارقة في تونس، من يدعون إلى المقاطعة هم النخب التقليدية (من يمتلكون القوة الناعمة وبعض القيادات الحزبية وبعض الأطراف من المجتمع المدني)، وهم يمثلون أنفسهم فقط، ونحن نتجول في كامل أنحاء الجمهورية وهناك مساندة كبيرة للاستفتاء”.
وأضاف “تفكيك المنظومة السابقة يتطلب تشريعات جديدة، والمصادقة على الدستور من الأسس الحقيقية التي تكرس القطيعة مع تلك المنظومة، كما أن الحسم يتم شعبيا من خلال المشاركة المكثفة وهناك مؤشرات على ذلك”.
وأردف حمدي “ندعو منذ انطلاق الحملة إلى التصويت بنعم، ولا خيار للتونسيين للقطع مع السابق إلا مساندة الاستفتاء، وهذا معطى تدركه الفئات الشعبية جيدا”.
ويرى مراقبون أنه لا يوجد أي تأثير لممارسات معارضي الرئيس على توجهاته، معتبرين أن الاستفتاء على الدستور يحمل أيضا قبولا شعبيا لشخص الرئيس سعيد الذي أعاد الاعتبار إلى الفئات الضعيفة والمسحوقة اجتماعيا.
واعتبر الباحث في الشؤون الجيوسياسية، رافع الطبيب، أن “الأصوات المعارضة للاستفتاء ليس لها أي تأثير، والنخب السياسية أصبحت في قطيعة تامة مع الشعب، وهي تحاول الآن أن تقف في وجه الرئيس سعيّد، لكن تبيّن أن الطبقات المسحوقة في واد والنخب التي انخرطت في الدعم الخارجي وبعض الأحزاب التي لم يعد لها أي وجود في واد مقابل، ووجدت نفسها خارج التأثير الشعبي”.

وقال في تصريح لـ”العرب”، “سيكون التصويت في جزء منه على اسم وشخصية قيس سعيد لأنها شخصية معادية لتلك النخب، وسعيد يمثل الصورة المقبولة شعبيا، كما أنه يوجد تحمّس من جهتين، حيث يوجد جزء كبير يهمه الاستفتاء على منهج الرئيس، وهناك جزء آخر يريد الاستفتاء على هذا الدستور، وما يهم هو طريقة إدارة الرئيس للشأن السياسي باعتباره شخصا نزيها وضدّ الفساد وأعاد الاعتبار إلى الفئات المسحوقة شعبيا”.
وأضاف “تشتّت السلطة في السابق جعل الدولة فاشلة، وخصوم الرئيس يريدون تشتيت السلطة من جديد، لكن تبيّن أن من يسقط رمزيا في محافظة القيروان (وسط)، يسقط سياسيا، واليوم المدينة تنتفض ضدّ أبرز رموز حركة النهضة، القيادي نورالدين البحيري، وهو ما يدلّ على أن النهضة خسرت إحدى معاقلها وانتهت سياسيا”.
بدوره صرّح الكاتب والمحلل السياسي محمد ذويب لـ”العرب”، “في تونس هناك ثلاثة مواقف من الاستفتاء، هناك من يدعو إلى المقاطعة وهناك من يدعو إلى التصويت بـ “لا” وهناك من يدعو إلى التصويت ب “نعم” وهذا من مظاهر الديمقراطية وهو الأساس”.
وأضاف، “ميدانيا نحن نرى تقريبا حضورا باهتا للداعين إلى التصويت بـ”لا” وحضورا ميدانيا قويا للمساندين للمسار يعني الداعين إلى التصويت بـ “نعم” وهذا ما يعطي هؤلاء إمكانية كبيرة للفوز خاصة ونحن نعرف أن العمل الميداني الذي يتواصل بطريقة مباشرة مع أكبر شرائح من التونسيين هو المحدد وهو الأهم في إقناع الشعب وتمرير أفكار الرئيس”.
وأردف “الاستفتاء سيؤكد العمق الشعبي الذي يتمتع به الرئيس قيس سعيّد والرضا الكبير على إجراءات الخامس والعشرين من يوليو والموافقة على الدستور الجديد، وأعتقد أن نسبة الإقبال على التصويت يوم 25 يوليو القادم ستكون محددة في الداخل لأنها ستعطي مشروعية كبيرة للرئيس وتنهي وجود خصومه وبالتالي ستساهم في فض الاشتباك الذي طال بين الطرفين كما ستساهم في إقناع القوى الخارجية بأن من عولت عليهم طوال العشرية الماضية قد انتهوا وأن الشعب التونسي قد قرر تغيير واقعه نحو الأفضل”.
في المقابل، ترفض أحزاب وشخصيات سياسية معارضة توجهات سعيّد، وسط دعوات تحث على مقاطعة الاستفتاء المنتظر. وتقول الأصوات المعارضة، إن مشروع الدستور الجديد تضمن عددا من البنود يسعى من خلالها الرئيس سعيد إلى التأسيس لحكم الفرد وإعادة نظام الاستبداد.
واعتبرت جبهة الخلاص الوطني أن مشروع دستور سعيد “مثل رِدّةً تهدد بالعودة بالبلاد إلى الحكم الفردي المطلق”. وأضافت في بيان لها، أن “هذا المشروع فضلا عن إسنادهِ كامل السلطة التنفيذية إلى رئيس الجمهورية (تعيين الحكومة وإقالة أعضائها، السلطة الترتيبية العامة) فهو يمنحهُ صلاحيات واسعة في الميدان التشريعي، ويجرد عمليا المجلس النيابي من كل سلطة رقابية على الحكومة وعلى أعمال السلطة التنفيذية برمتها”.
وندّد حزب التيار الديمقراطي بتجاهل السلطة القائمة للوضع الاقتصادي والاجتماعي والصحي المتأزم في البلاد وانكباب كل مؤسساتها على تمرير المشروع الشخصي للرئيس، فضلا عن سطو الرئيس من خلال مشروع الدستور الجديد على كل السلط بما فيها السلطة القضائية وإلغاء مبدأ الفصل بينها.
◙ الأصوات المعارضة للاستفتاء ليس لها أي تأثير، والنخب السياسية أصبحت في قطيعة تامة مع الشعب
ونبه الحزب في بيان أصدره، من “أن يؤدي مشروع الدستور المنشور إلى تأسيس دولة الرئيس المتسلط مع حصانة مطلقة من المساءلة والعزل والمحاسبة أثناء وبعد حكمه وأشار إلى أنه يمكّن الرئيس من تمديد حكمه إلى ما لا نهاية”.
من جهته، دعا المعهد العربي للديمقراطية بتونس إلى “مقاطعة الاستفتاء على الدستور الجديد”، معتبرا أنّ “هذا الاستفتاء لا يتوفّر على الحدّ الأدنى من النزاهة والشفافية واحترام القواعد الديمقراطية”. وطالب في بيان له، بـ”عودة البلاد إلى مسار الانتقال الدستوري والشرعية الدستورية”، معتبرا أن ”الدستور الشرعي للبلاد (في إشارة إلى دستور يناير 2014) لا يمنح رئيس الجمهورية حقّ إلغائه، وعرض دستور جديد على الشعب”.
والاثنين، أعلنت41 جمعية ومنظمة حقوقية في تونس، تأسيس “الائتلاف المدني من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والمساواة” الرافض للإجراءات الاستثنائية ولاسيما الاستفتاء المرتقب على مسودة مشروع دستور جديد.
وجاء ذلك في بيان مشترك للجمعيات والمنظمات بمبادرة من المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، والنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين. وحمل البيان عنوان "لا تراجع عن الحريات والحقوق الإنسانية.. لا استفتاء على مدنية الدولة ورفضا لسياسة الأمر الواقع". وسبق أن انتقد قيس سعيّد، أستاذ القانون السابق، دستور 2014، معتبرا أنه لم يعد يفي بالغرض ويتوجب إصلاحه.
وكان الرئيس سعيد، الذي انتخب في أواخر عام 2019، قد تولّى كامل السلطات التنفيذية والتشريعية في الخامس والعشرين من يوليو الماضي، وأقال رئيس الحكومة وعلّق نشاط البرلمان قبل أن يحلّه في مارس الماضي.
وكان قيس سعيد قد أعلن في يوم 13 ديسمبر 2021، عن خارطة طريق تنتهي بإجراء انتخابات تشريعية في 17 ديسمبر 2022، بعد مسار ينطلق باستشارة إلكترونية ويختتم بالمصادقة على دستور جديد للبلاد. ونشر سعيد يوم 9 يوليو الجاري نسخة معدلة من دستوره الجديد بعد أن نشر نسخة أولى في 30 يونيو الماضي.
ويجمع المراقبون على أن منظومة الأحزاب بعد 2011 أهملت مشاغل الفئات الشعبية وانشغلت بالمناصب خدمة لمصالحها وأجنداتها في الداخل والخارج، ويرى هؤلاء أنه لا مجال لعودة منظومة الأحزاب والبرلمان بالمفهوم السياسي الذي رافق العشرية الماضية وساهم في إرباك المشهد وتغذية الأزمات السياسية عبر الخلافات والمناكفات من أجل الظفر بالمناصب والتمكن من السلطة.