عروض مهرجانات تونس الصيفية تثير الجدل حول قيمتها

المعادلة الصعبة: الرهان على الثقافة المحلية والانفتاح على الخارج.
الأربعاء 2022/07/20
افتتاح قرطاج خيب آمال البعض وأسعد البعض الآخر

انتقل الجدل حول المهرجانات الصيفية التونسية هذا العام إلى وسائل التواصل الاجتماعي، إذ أثارت العروض الافتتاحية جدلا واسعا سواء بين الفنانين أو النقاد أو عموم التونسيين بين من اعتبرها ابتذالا واختيارات غير موفقة، وبين من اعتبر أنها لبت تعطش التونسيين إلى العروض الفنية بعد سنتين من جائحة فايروس كورونا وما فرضته من شلل على الحياة الفنية والثقافية.

تونس - انتقدت وجوه فنية المضامين الفنية المعروضة بالتوازي مع عودة المهرجانات الصيفية في البلاد على غرار مهرجاني قرطاج والحمامات الدوليين، بعد سنتين من الغياب تبعا للإجراءات التي فرضها وباء كورونا العالمي.

واختلفت وجهات النظر في تقييم العروض الافتتاحية للمهرجانات التونسية بين الرضا الجماهيري ومن اعتبر أنها لم ترتق إلى مستوى الانتظارات.

عشرات المهرجانات

تصاعد الجدل الفني بشأن الترويج للإنتاج المحلي من موروث ثقافي وإبداعي من جهة، والانفتاح على الإنتاج الخارجي عبر جلب أسماء فنية مشهورة خصوصا من مصر ولبنان، فضلا عن وجود “ظواهر فنية” جديدة تستقطب الشباب ويتابعها الملايين خصوصا عبر صفحات الإنترنت وتسعى إلى فرض نفسها على الركح.

وتحتضن تونس سنويا أكثر من 300 مهرجان، ما أدى إلى ارتفاع كبير في الكم مقابل تراجع في القيمة الفنية، فضلا عن بعض المهرجانات التي لا تملك أي خصوصية وتغرق في البعد الترفيهي على حساب تقديم الإضافة الفنية.

وعاد مهرجان قرطاج الدولي (في دورته السادسة والخمسين)، إلى نشاطه الصيفي المعهود بعد انقطاع لسنتين بسبب جائحة كورونا العالمية، عبر عرض “عشاق الدنيا” للمخرج عبدالحميد بوشناق.

وشهد العرض الفني الافتتاحي المقدم على المسرح الأثري بقرطاج حضورا جماهيريا كبيرا، حيث حول المخرج بوشناق مسلسله التلفزيوني الرمضاني “النوبة” إلى عرض مسرحي يمزج بين فنون الغناء والرقص والموسيقى الشعبية، ويرصد بوشناق ظاهرة يطلق عليها التونسيون “الربوخ” وتعني حفلات الأعراس في الأحياء الشعبية التي تحييها الفرق الشعبية.

وقدم الفنانون الشعبيون صالح الفرزيط والتليلي القفصي وهشام سلام باقة من أغانيهم الشعبية، كما شارك مغني الراب كافون والمطرب عبدالوهاب الحناشي في الحفل.

كما شارك في التمثيل، كل من ريم الرياحي وبحري الرحالي وعزيز الجبالي ومهذب الرميلي وبلال البريكي وحمزة بوشناق والشاذلي العرفاوي وأميرة شلبي.

مقداد السهيلي: برمجة المهرجانات لم ترتق إلى مستوى الدورات السابقة

ويعد مهرجان قرطاج الدولي أكبر المهرجانات التونسية وأكثرها جماهيريّة وقد سبق له أن استضاف كبار النجوم العالميين والعرب.

وتنتظم في تونس عشرات المهرجانات الصيفية التي يقبل عليها التونسيون بكثافة ويعتبرونها أبرز ملاذاتهم للترفيه عن النفس خلال هذا الفصل على غرار مهرجانات الحمامات وصفاقس وبنزرت وغيرها.

وتباينت آراء النقاد والمراقبين في تقييم المادة المعروضة في الحفل الافتتاحي، بين من يرى أنها مثلت تجسيدا للموروث الثقافي التونسي، وآخرون اعتبروا أنها لم ترتق إلى مستوى عراقة المهرجان.

واعتبرت وجوه فنية تونسية أن برمجة المهرجانات تستقطب أسماء جديدة لا تملك رصيدا فنيا كافيا لجلب الجماهير وأخرى خارجية تثقل كاهل المنظمين نظرا إلى ارتفاع كلفتها، وهو ما يزيح القامات الفنية والإبداعية التي تعود عليها التونسيون.

وقال الفنان والممثل المسرحي، مقداد السهيلي، إن “المنتوج الثقافي بصفة عامة فقد قيمته لأن تقييمه ذوقي رغم وجود جماهير قادرة على التقييم، كما أن دور الفنان مهم جدا من حيث المضمون، لكن في هذه الصائفة، برمجة المهرجانات التي شاهدتها إلى حد الآن لم ترتق إلى مستوى تلك الدورات السابقة وفقدت بريقها”.

محمد الجبالي: الكلام لم يعد ينفع، تحدثنا كثيرا لكن دون جدوى

وأضاف في تصريح لـ”العرب”: “استدعاء أسماء فنية من خارج تونس له كلفة عالية، ولدينا منتوج محلي قادر على فرض نفسه في المهرجانات، لكن هناك تداخل مصالح في العمل الفني وتقييم المادة الفنية”.

وتساءل السهيلي “إلى متى ستبقى الجماهير في أعماق البلاد محرومة من المشاهدة، والمهرجانات الكبرى تقتصر على بعض المناطق المهمة؟”.

بدوره، قال الفنان محمد الجبالي في تصريح مقتضب لـ”العرب”، “الكلام لم يعد ينفع، تحدثنا كثيرا لكن دون جدوى”.

العودة هي الأهم

وتسبب جائحة كورونا خلال السنتين الماضيتين في ركود ثقافي وفني في تونس، حيث تم إلغاء عدة عروض عالمية وعربية كبرى، وهو ما فسح المجال للمراهنة على المنتوج المحلي وإعادة الاعتبار إلى المبدع التونسي الذي فقد بريقه في السنوات الأخيرة.

وكثيرا ما تتطلع قامات فنية تونسية إلى الصعود على المسرح الأثري بقرطاج، بعدما كان حكرا على الفنانين العرب من الصف الأول والفنانين الأجانب، لكن المشرفين على التنظيم يجدون صعوبات في اختيار الأسماء حسب الأذواق والميولات.

عبدالوهاب الحناشي: عودة المهرجانات أهم من المضامين الفنية المقدمة الآن

وثمن عدد من المبدعين عودة نشاط المهرجانات الصيفية أكثر من مضامين الأعمال الفنية المعروضة، واعتبروا أن الجماهير متعطشة إلى عودة هذه الأنشطة الثقافية التي تبقى في حاجة إلى التحسّن والتطوّر.

وأفاد الفنان عبدالوهاب الحناشي “الأوضاع تغيرت في كل أنحاء العالم، ونظرا إلى أن الجماهير التونسية متعطشة إلى عودة المهرجانات، فأعتقد أن عودة المهرجانات أهم من المضامين الفنية المقدمة الآن”.

وأضاف لـ”العرب”، “علينا أن نحسّن من مستوى جودة المادة المقدمة، ولم تعد هناك قامات فنية يمكن استدعاؤها على غرار فيروز أو وديع الصافي وغيرهما، كما أن المشرفين على إدارة المهرجانات في حيرة بين الملاءمة بين الأذواق والاختيارات”.

وأردف الحناشي “بعض الوسائل الإعلامية الخاصة هي التي أبرزت الظواهر الفنية الموجودة الآن في إطار ما يعرف بثقافة البوز أو إثارة الانتباه، وهناك استهداف للذوق الفني العام في تونس والعالم العربي عموما”.

وتصطدم المهرجانات التونسية بمطبات عديدة من شأنها أن تؤثر على جودة المضامين والاختيارات مثل تعيين المسؤولين على المهرجانات في الدقائق الأخيرة، وهو ما ينعكس على سوء اختيار العروض والمشاركين لقلة خبرتهم بطلبات الجمهور واحتياجاته، علاوة على غياب استراتيجية واضحة تطور مستوى نوعية العروض المقدمة.

وتعاني وزارة الشؤون الثقافية من تغييرات عديدة خصوصا بعد تعاقب الحكومات في السنوات الأخيرة، وهو ما تسبّب بشكل مباشر في تعطيل الإصلاحات المتعلقة بالمهرجانات.

الجمهور حاضر بكثافة
الجمهور حاضر بكثافة

12