مخاوف من أزمة غذاء في تونس مع تدهور المقدرة الشرائية

الحرب الروسية - الأوكرانية أثرت بشكل مباشر على ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية والمحروقات في تونس، مدعومة بالاحتكار والمضاربة وسط دعوات إلى القيام بإصلاحات اقتصادية موجعة.
تونس - حذّر المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية من تدهور المقدرة الشرائية للتونسيين، في ظل ارتفاع غير مسبوق لعجز الميزان التجاري الغذائي بسبب الحرب التي تدور رحاها في أوكرانيا وتواصل إهمال المجال الزراعي، وسط توصيات الخبراء والمراقبين بضرورة وضع خطط اقتصادية فعلية ومراجعة منظومة الدعم في البلاد.
وقدمت وثيقة أعدها المعهد تحت عنوان “تعزيز الأمن الغذائي لتونس في 2022 – 2023” تحليلا معمقا لوضعية الأمن الغذائي في تونس، مفسرة كيفية تأثر العوامل الحاسمة في مسألة الأمن الغذائي، والتي قد تكون عرضة لتأثير تداعيات الأزمة الخارجية المتصلة بالحرب الروسية – الأوكرانية.
ويرى مراقبون أن الحرب الروسية – الأوكرانية أسهمت بشكل مباشر في ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية والمحروقات، مدعومة بالاحتكار والمضاربة.
وأفاد حسين الديماسي وزير المالية الأسبق بأن “المقدرة الشرائية للتونسيين في تراجع منذ مدة، لكنها زادت في الأشهر الأخيرة بسبب التهاب أسعار المواد الأساسية على غرار الحبوب والزيوت النباتية والأعلاف، وهو ما أثر بشكل كبير على الكلفة”.
وقال في تصريح لـ”العرب”، “هناك عوامل قديمة أثرت كذلك على ارتفاع الأسعار من بينها الاحتكار والمضاربة، فضلا عن تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية التي سرّعت ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمحروقات”، لافتا إلى أن ” تونس تستورد كميات غذائية كبيرة”.

وأكّد الديماسي أنه “لا يمكن التفكير في حلول عاجلة لمعالجة هذه الأزمة، بل لا بدّ من وضع خطط اقتصادية فعلية على المدى المتوسط والطويل عبر الانكباب على تحسين المجال الزراعي والمنظومة الإنتاجية”، مشيرا إلى أنه “كان على الحكومات المتعاقبة بعد 2011 أن تقلّص حجم نفقات دعم الاستهلاك وتخصص جزءا منها لفائدة المنتجين”.
وتقترح دراسة المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية دعم الأمن الغذائي في 2022 – 2023 عبر التحرك على مستوى الإنتاج الزراعي الوطني والواردات الغذائية والصناعة وقطاع الخدمات والاستهلاك.
ودعا المعهد إلى رفع مستوى الإنتاج الزراعي أو صابة الحبوب وجمعها وخزنها في سنة 2022، وحسن التصرف في المواسم الزراعية الأخرى لنفس السنة وإيجاد حلول لإشكاليات نقص المياه وضمان النفاذ إلى المدخلات لمواسم 2023.
وأوصت الدراسة بتقليص فواتير واردات السكر والزيوت ومراجعة اتفاقيات التبادل التجاري مع بعض البلدان وتحسين برمجة الواردات الغذائية مع نهاية سنة 2022، فضلا عن تخفيف مكون السكر في المنتجات المصنعة وتخصيص جزء من الدعم للمنتوجات الأساسية التي تستهلكها النزل والمطاعم وتكثيف الرقابة وتتبع الوسطاء غير النظاميين والانتهازيين والمضاربين.
ودعا خبراء الاقتصاد إلى ضرورة القيام بإصلاحات اقتصادية موجعة عبر تغيير منظومة الدعم والتوجه نحو خلق الثروة بالمراهنة على الإنتاج الزراعي ومعالجة منظومة الإنتاج في إطار خطط اقتصادية على المدى المتوسط والطويل.
وأفاد الخبير الاقتصادي حسن بن جنانة بأن “العجز في الميزان التجاري الغذائي يعني أن تونس تستورد أكثر مما تنتج، وهو ما تسببت فيه قلة الأمطار (3 سنوات من الجفاف) ونقص الإنتاج، فضلا عن الحرب الروسية – الأوكرانية التي أثرت على الأسعار، أما تدهور القدرة الشرائية فيعني زيادة في مستوى التضخم”.
وأضاف لـ”العرب”، “ثورة يناير 2011 جاءت بالحرية السياسية فارتفعت معها الأسعار والطبقة الوسطى أصبحت تفقُر شيئا فشيئا، وهو ما يستدعي تغيير منظومة الدعم بمنحة عائلية تعطيها الدولة للمواطن”.
وأردف بن جنانة “تونس تشتري قنطار القمح من روسيا بمبلغ 450 دينارا (146.40 دولار) بينما تشتريه من المزارع المحلي بمبلغ 200 دينار (أكثر من 65 دولارا)، ويجب تحسين مستوى الزراعة وعلى الأسعار أن تأخذ حقيقتها، والدولة مطالبة بأن تقرب المزارع من الأسواق العالمية”.

وتبلغ كلفة الدعم لسنة 2022 نحو 4.2 مليار دينار تونسي (1.385 مليار دولار)، ما يعادل 3.3 في المئة من الناتج الداخلي الخام. وتحتاج تونس إلى اقتراض 7.2 مليار دولار من بينها حوالي 5 مليارات دولار على شكل قروض خارجية، خلال العام الجاري.
وكان صندوق النقد الدولي طالب حكومة نجلاء بودن بمجموعة من الإصلاحات الاقتصادية تتضمن أساسا رفع الدعم وتجميد الأجور ومنع الانتدابات في الوظائف العمومية للحصول على التمويل، لكن الاتحاد العام التونسي للشغل رفض تلك الشروط وهو ما يجعله يدخل في خلافات مع السلطة ومع مؤسسة الرئاسة.
وفي وقت سابق قال الخبير الاقتصادي عزالدين سعيدان إن “القدرة الشرائية للمواطن التونسي تراجعت بما لا يقل عن 40 في المئة منذ 2010”.
وذكر في نص تحليلي نشره أن أكثر الطبقات المتضررة هي الطبقة الوسطى الناشطة وأصحاب جرايات التقاعد وكذلك الطبقة ذات الدخل الضعيف، مبينا أن “الأسباب متعددة، منها غياب النمو الاقتصادي الحقيقي، وأن معدل نسبة النمو المسجلة منذ 2011 تساوي صفرا”.
وكتب سعيدان “المنطق الاقتصادي يقول إن علينا خلق الثروة أولا عبر النمو الاقتصادي ثم توزيعها بالطريقة الأعدل”، مضيفا “ما حصل في تونس هو زيادات متتالية في الرواتب في غياب كامل للنمو والنتيجة الحتمية هي تضخم مالي وارتفاع في الأسعار وتراجع في القدرة الشرائية”، ونبّه إلى غياب الاستثمار بأشكاله الثلاثة (الاستثمار العمومي واستثمار القطاع الخاص المحلي والاستثمار الأجنبي المباشر)”.
واقترح عملية إنقاذ شاملة للاقتصاد التونسي، كما شدد على “ضرورة أن يستعيد الاقتصاد التونسي وظائفه الأساسية وخاصة خلق النمو وخلق مواطن الشغل وخلق الثروة وتوزيعها توزيعا أكثر عدالة”.
اقرأ أيضا: