البنك الدولي يحذّر من تصاعد نسب الفقر في تونس

خبراء الاقتصاد يعبرون عن تخوفهم من تواصل صمت السلطات التونسية عن تفاقم الأزمات وارتفاع منسوب الفقر في البلاد جراء تواصل ارتفاع الأسعار.
الأربعاء 2022/07/13
تونس تمر بأزمة اقتصادية ومالية خانقة

تونس- تتصاعد المخاوف من ارتفاع نسبة الفقر في تونس بسبب حدّة تداعيات الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في السنوات الأخيرة، وسط تحذيرات متواصلة من قبل المراقبين والخبراء من تفاقم الظاهرة بعد ارتفاع عدد الفقراء في زمن قياسي، ودعوات ملحّة إلى ضرورة إيجاد الآليات والحلول اللازمة لمعالجتها.

وحذّر مقال نشر في مدونة البنك الدولي تحت عنوان “ارتفاع معدل التضخم وأثره على أوضاع الفقر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، من أنه “إذا استمر ارتفاع الأسعار العالمية في الأشهر المتبقية من العام الحالي بنفس الوتيرة التي كانت عليها في أشهره الأولى، واستمر الدعم قائماً، فإن معدل الفقر سيزداد بمقدار 2.2 نقطة مئوية في تونس، كما ستتفاقم مستويات التفاوت وعدم المساواة إلى حدّ ما، إذ سيرتفع مؤشر ‘جيني’ من 32.82 إلى 32.9”.

وأكّد التقرير أن التقديرات تشير إلى أن زيادة الأسعار العالمية أدت إلى ارتفاع معدل الفقر في تونس بـ1.1 نقطة مئوية، وقد تم التخفيف من أثر ذلك عن الأسر من خلال دعم المواد الغذائية ومنتجات الطاقة.

◙ المشكلة الكبرى تكمن في الصمت الكامل من طرف السلطات التونسية وسط عدد من التقارير المقلقة بشأن الوضع الاقتصادي

وارتفعت نسبة التضخم خلال يونيو الماضي، لتبلغ 8.1 في المئة بعد تسجيل نسبة 7.8 في المئة خلال شهر مايو و7.5 في المئة خلال أبريل و7.2 في المئة خلال شهر مارس.

وحسب بيانات البنك الدولي المتعلقة بالآفاق الاقتصادية لتونس، من المتوقع أن يصل معدل الفقر إلى 3.4 في المئة هذه السنة و3.1 في المئة في 2023 باستخدام خط 3.2 دولار (على أساس تعادل القوة الشرائية لعام 2011)، ومن المتوقع أن ينخفض عدد الفقراء والبسطاء عند خط 5.5 دولار (على أساس تعادل القوة الشرائية لعام 2011) من 18.9 في المئة هذه السنة إلى 17.7 في المئة عام 2023.

واعتبر التقرير أن الحرب القائمة في أوكرانيا كانت لها عدة تداعيات على الاقتصاد العالمي ومن بينها تفاقم الضغوط التضخمية القائمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي نشأت عن موجات الجفاف وانتشار الصراعات والمعضلات الأخرى.

وشلّت الحرب الروسية – الأوكرانية واردات المواد الغذائية الأساسية في بعض البلدان، كما تسبَّبت في قفزات عامة للأسعار، من بينها أسعار المواد الغذائية، لأن أوكرانيا وروسيا توفران مجموعة متنوعة من السلع الأساسية للاقتصاد العالمي ومنها المنتجات الغذائية مثل القمح والذرة والبذور الزيتية ومنتجات الطاقة بالإضافة إلى الأسمدة اللازمة للإنتاج الزراعي.

ووفق بيانات لصندوق النقد الدولي بتاريخ أبريل 2022 تبلغ حصة المواد الغذائية من الموازنة في تونس زهاء 26 في المئة، وهي تتجاوز 30 في المئة في بلدان أخرى مثل جيبوتي والجزائر والمغرب ومصر.

وعبّر خبراء الاقتصاد عن تخوفهم من تواصل صمت السلطات عن تفاقم الأزمات وارتفاع منسوب الفقر في البلاد، جراء تواصل ارتفاع الأسعار على خلفية الحرب الأوكرانية – الروسية، فضلا عن تداعيات جائحة كورونا وهشاشة الاقتصاد المحلي.

◙ البنك الدولي يؤكد أن زيادة الأسعار العالمية أدت إلى ارتفاع معدل الفقر في تونس بـ1.1 نقطة مئوية

وقال الخبير الاقتصادي عزالدين سعيدان إن “المشكلة الكبرى تكمن في الصمت الكامل من طرف السلطات التونسية وسط عدد من التقارير وعدم التفاعل وكأنها تؤكد ما يرد فيها”.

واستنكر في تصريح لإذاعة محلية “عدم تقديم معطيات مخالفة تنفي ما يرد في هذه التقارير لطمأنة الشعب والشركاء في الأسواق المالية”، لافتا إلى أن “هذا الصمت مخيف وكأننا نرضى بالواقع”.

وسبق أن كشف عضو الهيئة المديرة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منير حسين عن توسّع قاعدة الفقر في تونس، لتشمل حوالي ثُلث السكان أيّ 4 ملايين تونسي.

وأكّد في تصريحات إعلامية أنّ “الفقير في تونس، حسب مؤشرات معهد الإحصاء، هو من يعيش في اليوم الواحد بأقل من 4800 مليم”، مبيّنا أنّ الفقير فقرا مدقعا في تونس هو الشخص الذي يعيش بثلاثة دنانير في اليوم.

وقال وزير التكوين المهني والتشغيل السابق فوزي بن عبدالرحمن إن “نسبة الفقر تفاقمت في تونس، وحسب أرقام المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تبلغ 30 في المئة بسبب عدم خلق ثروة كافية ومستدامة، الأمر الذي أهملته الطبقة السياسية منذ الاستقلال”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “الهشاشة الاجتماعية في تونس ونسبة الفقر من أبرز المشكلات في البلاد، وهما مؤشر على فشل المناويل التنموية”، داعيا إلى “ضرورة القيام بإصلاحات عميقة منها الملكية العقارية وتحديد مثال جديد للتهيئة العمرانية وهيكلة الاقتصاد والتعليم، فضلا عن برنامج طموح للبنية التحتية والنقل والمواصلات”.

ويرى مراقبون أن ضبابية السياسات الحكومية المتعاقبة في السنوات الأخيرة ألقت بظلالها على الواقع الاقتصادي والاجتماعي، حيث فشلت حكومات ما بعد 2011 في إرساء منوال تنموي واقتصادي ووضع استراتيجيات لازمة لمعالجة الأزمات ومحاربة الفقر والبطالة.

وأفاد عامر الجريدي، كاتب عام المنظمة التونسية للتربية والأسرة، بأن “ارتفاع نسبة الفقر في تونس أمر بديهي جدّا أمام عجز الطبقة السياسية المتعاقبة على الدولة منذ 11 سنة عن وضع سياسة بيئية ورؤية تنموية تؤطّر كلّ مسعى إصلاحي واجتماعي وتربوي وتنموي، فضلا عن انشغال نخب البلاد (في السياسة والإعلام والمجتمع المدني والحركة الحقوقية) بالمسائل السياسية والسياسوية والحقوقية”.

◙ الحرب القائمة في أوكرانيا كانت لها عدة تداعيات على الاقتصاد العالمي ومن بينها تفاقم الضغوط التضخمية القائمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

وأضاف لـ”العرب”، “تنبّؤات البنك الدولي أسُسها مؤشرات مدروسة وثابتة، ومن الطبيعي أنّه كلّما اشتعلت الأسعار وارتفعت البطالة تضرّرت الطبقات الضعيفة وتقلّصت رقعة الطبقة الوسطى التي يطال بعضها الفقر رويدا رويدا”.

وبخصوص الحلول المقترحة لمعالجة الظاهرة قال الجريدي “الحلّ هو انكباب مسؤولي الدولة على وضع رؤية تنموية تنصهر فيها إصلاحات وجيهة وناجعة من خلال الاستراتيجيات والبرامج القطاعية التي تضعها على أسس علمية وواقعية وأوّلها برنامج وطني للحدّ من الفقر يستهدف إدماج ما أمكن من الفقراء في سوق الارتزاق، إلى جانب إعادة صيغة صندوق الدعم بتوجيهه للفقراء دون غيرهم”.

وعمّقت جائحة كورونا العالمية أزمات التونسيين وزادت من منسوب الفقر بالبلاد في زمن قياسي، حيث وجدت الكثير من الأسر نفسها متخبّطة في مربع الفقر، وسط تهديد خطير باندثار الطبقة الوسطى في السلم الاجتماعي بالبلاد.

وكانت دراسة أنجزها المعهد الوطني للإحصاء في تونس بالتعاون مع البنك الدولي، ونشرت في سبتمبر 2020 بعنوان “خارطة الفقر في تونس”، كشفت عن ارتفاع نسب الفقر بشكل رئيسي في المناطق غير الساحلية وتحديدا وسط البلاد وشمالها، وقد وصلت نسبة الفقر حسب إحصائيات المعهد إلى 15.2 في المئة سنة 2015.

4