برلمان مصر يبيّض الحكومة بمناقشة تشريع يحظر التسريبات

القاهرة - يعكف مجلس النواب المصري على مناقشة مشروع قانون يستهدف تشديد العقوبة على كل من يعتدي على حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، بغض النظر عن هويته وميوله السياسية وانتماءاته الاجتماعية، كإجراء صارم ضد التسريبات التي أصبحت تطول العديد من الأشخاص ويتم توظيفها لأهداف مختلفة.
وبات كل تسريب يتم تداوله إعلاميا أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي وصمة عار في جبين الحكومة، سواء وقفت خلفه جهات أو شخصيات قريبة ومحسوبة على السلطة أم لا، حيث سادت قناعة شعبية تشي بأن نشر التسريبات تقف وراءه أجهزة أمنية.
وأمام الاتهامات المتلاحقة للحكومة بأنها تسرف في استخدام سياسة التعدي على الخصوصيات، بادر تابعون للجنة تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، وهي قريبة من دوائر صناعة القرار، بتقديم مشروع قانون يقضي بحبس من يقومون ببث التسريبات والتسجيلات مدة تصل إلى عامين.

طلعت خليل: مشروع القانون خطوة ملحة وفي الاتجاه الصحيح
ويوحي التشريع المنتظر بوجود نية لدى الحكومة بإعادة استراتيجية التعامل مع خصومها، بعدما تسببت التسريبات وما يعرف بتسجيلات الفضائح التي كانت تذاع بين الحين والآخر في نتائج عكسية، وبدلا من تعاطف الناس مع الحكومة جاءت النتائج منصبة على نقمة وغضب حيال بعض أجهزتها ومؤسساتها.
وراج الاعتماد على التسريبات خلال فترة التقلبات السياسية والأمنية التي تعرضت فيها الدولة المصرية لحرب شرسة من تيارات معادية، واستخدمت التسريبات كسلاح فتاك في إدارة المعركة معها، وعلى رأسها أعضاء وأنصار جماعة الإخوان.
ودفع الإعلام المصري، وتحديدا المنابر المعروف عنها التخصص في إذاعة التسريبات والمكالمات المسجلة، فاتورة باهظة، لكونها أثبتت أمام الجميع أنها تتحرك كالدمية وفق ما يأتي لها من تعليمات، حتى فقدت مصداقيتها وانفض الكثيرون من حولها، بعد أن أثبتت فقدانها الحد الأدنى من المهنية.
وتحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى منبر مؤثر للتسريبات، سواء أكانت تخص معارضين أو أشخاصا مغضوبا عليهم من السلطة أو أفرادا عاديين، وأصبحت هناك مخاوف من التحدث عبر الهواتف المحمولة عقب سهولة التنصت عليها.
ويقول مراقبون إن تحرك شريحة كبيرة من نواب البرلمان المحسوبين على الحكومة للتقدم بتشريع يعاقب على التسريبات وإذاعة المكالمات الهاتفية وانتهاك الحياة الخاصة للناس، خطوة إيجابية تعكس قناعات المؤسسات الرسمية بضرورة تغير إدارة المعارك مع الخصوم، بما لا يتناقض مع ثوابت الدستور التي تحافظ على خصوصية المواطنين.
وأوضح طلعت خليل الأمين العام لحزب المحافظين (معارض) أن التوقف عن انتهاك الحريات الخاصة جزء من بناء الثقة بين الحكومة والمواطنين، وبين النظام وقوى المعارضة، ومشروع القانون خطوة في الاتجاه الصحيح.
وقال لـ”العرب” إن إنهاء زمن التسريبات يتطلب إرادة سياسية، فهناك دستور ينص على احترام الحريات الشخصية دون تمييز على أساس ديني أو سياسي، ووجود تشريع يعاقب منتهكي الحياة الخاصة يوقف الاحتقان بين الناس إذا طبق كاملا.
وجرت العادلة ألا يتقدم النواب المقربون من مؤسسات حكومية بمشروعات قوانين إلا إذا كانت مدروسة بعناية مع دوائر قريبة من النظام، لحل مشكلة عن طريق البرلمان أو تحسين صورة الحكومة عبر أعضاء البرلمان الموثوق بهم، كتعطيل مشروعات قوانين أو إظهار وجود معارضة في مجلس النواب ضد بعض التشريعات.
مشروع القانون حدد عقوبة الحبس مدة عامين لكل من أذاع أو سهّل إذاعة أو استعمل تسجيلا أو مستندا متحصلا عليه أو صورة أو مقطع فيديو، برضاء صاحبه أو من دونه
ووفق المتبع داخل مجلس النواب، فإن مشروعات القوانين التي يتقدم بها أعضاء من تنسيقية شباب الأحزاب أو نواب حزب مستقبل وطن، لا تجد معارضة برلمانية عند مناقشتها تمهيدا لتمريرها وتحقيق أهدافها السياسية والاجتماعية ودعمها من أغلب النواب المعروف عنهم العلاقة الوثيقة بدوائر صناعة القرار في مصر.
وحدد مشروع القانون عقوبة الحبس مدة عامين لكل من أذاع أو سهّل إذاعة أو استعمل تسجيلا أو مستندا متحصلا عليه أو صورة أو مقطع فيديو، برضاء صاحبه أو من دونه، وذلك في محاولة لطي فترة من توظيف التسريبات في الابتزاز والانتقام المعنوي.
وفسر متابعون الخطوة بأن الحكومة وجدت نفسها متهمة بانتهاك الخصوصيات، في ظل التقنيات الحديثة التي يمكن استخدامها في التنصت وتسجيل المكالمات وإذاعتها بلا تدخل حقيقي من أي جهة رسمية، لكن أصابع الاتهام طالت مؤسسات حكومية.
ويبدو أن هناك قناعة لدى الحكومة والنواب المتناغمين معها بأنه طالما هناك استقرار سياسي وحوار وطني بين النظام والقوى السياسية والمجتمعية، من الضروري إثبات حسن النوايا السياسية من خلال سن عقوبات حاسمة ضد التسريبات، وهي تهمة كانت تلاحقها السنوات الماضية وتسببت في تأجيج غضب خصومها.
وأكد طلعت خليل لـ”العرب” أن أحد أهم مطالب قوى المعارضة من الحوار الوطني الذي انطلق قبل أيام، احترام الحريات الخاصة والكف عن ابتزاز بعض الجهات.
وفي حال تمت المصادقة على التشريع الجديد وأقرت الحكومة تطبيقه بصرامة سوف يصب ذلك في صالحها العام، شريطة أن يتم التطبيق الحرفي على التسريبات السياسية بلا استثناءات، لأن إذاعة أسرار شخصية تمس شخصيات معارضة قد تنسف ما يمكن أن يتحقق عبر الحوار الوطني، الذي يتأسس على وقف شيطنة المعارضة السياسية.