القاهرة تسرّع خطواتها لإثبات حُسن نواياها بشأن الحوار الوطني

القاهرة – حمل اختيار نقيب الصحافيين المصريين ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات التابعة لرئاسة الجمهورية ضياء رشوان ليكون منسقا عاما للحوار الوطني الذي دعا إليه أخيرا الرئيس عبدالفتاح السيسي، تأكيد أن الحكومة ترغب في إثبات حُسن نواياها أمام القوى المدنية، فهو أشبه بـ”مبعوث رئاسي” ومتوافق مع تيارات عديدة.
ويوحي تكليف رشوان بالمهمة الأربعاء بأن الحكومة ترغب في توصيل رسائل للخارج بشأن الحوار الوطني، لأنه يقوم بدور همزة الوصل بين ممثلي وسائل الإعلام الأجنبية والدولة المصرية، وتريد إرسال إشارات دالة على جدية الحوار وما ينطوي عليه من إصلاحات سياسية، وهي الزاوية التي تتسبب في توتير العلاقة أحيانا بين القاهرة وبعض العواصم الغربية.
وتقرر أن تبدأ جلسات الحوار الوطني في الأسبوع الأول من يوليو المقبل، بعد أيام قليلة من حلول الذكرى التاسعة لثورة الثلاثين من يونيو التي أسقطت حكم جماعة الإخوان في مصر، ومهدت الطريق لتولي الرئيس السيسي السلطة.
وأسندت الأكاديمية الوطنية للشباب التابعة لرئاسة الجمهورية المكلفة من قبل السيسي إدارة الحوار إلى هيئة تنسيقية برئاسة رشوان، مهمتها بدء التشاور مع القوى السياسية والنقابية وكل الجهات المشاركة لتشكيل مجلس أمناء الحوار الوطني من ممثلي كل الأطراف والشخصيات العامة والخبراء، يتكون من 15 عضوا، بما يضمن المشاركة الفعالة والتوصل إلى مخرجات وفقا للرؤى الوطنية المختلفة.
عمرو هاشم ربيع: الحوار الوطني يتحرك لامتصاص غضب الشارع لا أكثر
وقال عمرو هاشم ربيع مستشار مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية لـ”العرب” إن قطار الحوار الوطني أصبح جاهزا للانطلاق من الناحية السياسية، لكن لا يزال يدور في فلك التحرك باتجاه امتصاص الغضب المكتوم بالشارع ليس أكثر، فلا توجد قناعة كاملة من جانب الحكومة بأنه “لا جمهورية جديدة دون ديمقراطية مطلقة وحسم ملفات شديدة الحساسية تطرحها مختلف التيارات في المجتمع”.
وشددت الأكاديمية الوطنية للشباب على عدم استبعاد أي فصيل سياسي أو تيار مدني أو طرف محسوب على القوى الوطنية من المشاركة مع توسيع قاعدتها عبر الاستمرار في دعوة جميع ممثلي المجتمع بكافة فئاته ومؤسساته بأكبر عدد ممكن لضمان تمثيل جميع الفئات والوصول إلى عموم الجمهورية بالتنسيق مع جميع التيارات السياسية والحزبية والشبابية لإدارة حوار وطني فعال.
وأكدت مصادر سياسية لـ”العرب” أن رئاسة الجمهورية تتابع تفاصيل الحوار الوطني بشكل دائم للحيلولة دون استبعاد أي طرف أو فئة أو فصيل، طالما أن الاختلاف مع الحكومة قائم على المصلحة الوطنية.
لكن قوى محسوبة على تيارات معادية للسلطة، مثل الإخوان والداعمين لهم، لن يكون لهم تمثيل أو دور في ظل تمسكهم بالخصومة الثأرية مع نظام الرئيس السيسي.
وعكس إصرار الأكاديمية الوطنية على مشاركة أحزاب معارضة رغم تلويحها بالمقاطعة لشعورها بالتهميش مقابل الاهتمام بأحزاب أخرى قريبة من الحكومة، أن النظام المصري يتمسك بالوصول إلى نتائج من الحوار ترضي كل الأطراف. واعتادت أكاديمية الشباب على الرد بشكل عملي على كل من شكك في جدوى الحوار، والتأكيد أنه جاد وليس مجرد جلسات تعقد مع تيارات بعينها لتلميع صورة السلطة في الداخل والخارج، لأن ذلك قد يقود إلى اتساع الفجوة مع المعارضة ووقتها سوف يجد النظام نفسه مضطرا إلى تقديم تنازلات عديدة لإرضاء خصومه.
وعزز حزب التجمع اليساري مصداقية الحوار الوطني بعدما هدد بالانسحاب منذ أيام، لكن رئيسه سيد عبدالعال قال في بيان صحافي الأربعاء إنه تلقى اتصالا من الأكاديمية الوطنية دعاه لزيارتها واللقاء مع المسؤولين عن تنظيم الحوار الوطني وتقديم الأوراق التي تعبر عن رؤية الحزب بكل حرية.
وقالت المصادر السياسية لـ”العرب” إن تكليف شخصية إعلامية لتقوم بمهمة تنسيق وإدارة الحوار الوطني رسالة بأن النظام يدرك أن الإصلاحات تبدأ من الحريات، وأن مجال الإعلام من المتوقع أن يشهد الفترة المقبلة تغيرات ملموسة تكرس هذه القناعات، باعتبار أن حرية الرأي مطلب جماعي لدى القوى المدنية.
وما يعزز هذه الرؤية أن إدارة الحوار الوطني اختارت المستشار محمد فوزي الأمين العام للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رئيسا للأمانة الفنية للحوار الوطني، في رسالة تكرس الاهتمام بإجراء حوار حقيقي يسهم في الخروج من الأزمات المعقدة.
الأكاديمية الوطنية تواصل دورها في تهيئة الأجواء لنجاح الحوار، ما خلق نوعا من الطمأنينة لدى الكثير من القوى المدنية
وتواصل الأكاديمية الوطنية دورها في تهيئة الأجواء لنجاح الحوار، ما خلق نوعا من الطمأنينة لدى الكثير من القوى المدنية، بعدما تم تشكيل أمانة فنية دورها المتابعة والتقييم والرصد وتسلم المقترحات التي تتقدم من الأحزاب والنقابات والتيارات السياسية المختلفة، وتذليل التعقيدات أمام مشاركتها، على أن تكون كل الرؤى مطروحة على طاولة الحوار دون استبعاد أي منها.
وأوضح هاشم ربيع لـ”العرب” أن أي حوار لا يتطرق إلى تعديل الدستور القائم لا جدوى سياسية منه، لأن هناك تشريعات مكبلة للحريات، أساسها نصوص دستورية، بالتالي لا تغيير للعلاقة بين الحاكم والمحكوم دون تحركات غير تقليدية من السلطة لتأكيد حُسن نواياها.
وثمن ربيع عملية إسناد ملف الحوار الوطني إلى شخصيات لها خبرة سياسية وحضور عند كل الفئات ومعروف عنها وطنيتها وعلاقتها القوية بين جميع الأطراف.
ويقول مراقبون إن إدارة الحوار من جانب شخصية تربطها علاقات متوازنة بالرئاسة والحكومة والمعارضة والإعلام، يشير إلى وجود رغبة سياسية ليكون الوسيط بين الحكومة وبين القوى المدنية المستهدفة ليس محسوبا في المطلق على النظام فقط، كي تكون المخرجات قابلة للتطبيق دون أن تتعارض مع الأمن والاستقرار في البلاد.
ومعروف أن رشوان من الشخصيات التي تدافع عن نظام السيسي، لكن تاريخه السياسي كان دائما على يسار السلطة، وهو ما جعله يتمتع بقدر من الحنكة التي تمكنه ليكون محل توافق من قبل الحكومة والقوى المدنية.
كما أن لديه مهارة عالية في التفاوض مع أطراف مختلفة في الرؤي الفكرية والتوجهات السياسية، ما يمكن الاستفادة منه حال تغيرت قناعات الحكومة مستقبلا وقررت فتح حوار مع تيارات إسلامية، فهو أيضا خبير في شؤونها.