مخاوف متصاعدة من تفاقم الأزمة البيئية جنوب تونس

رفض واسع لإعادة استغلال مصنع "السياب" لحرق النفايات في صفاقس.
الأحد 2022/05/29
النفايات تخنق السكان في صفاقس

تصاعدت المخاوف في تونس من تفاقم الأزمة البيئة التي يشهدها جنوب البلاد إثر غلق المصب الجهوي للنفايات في ولاية (محافظة) صفاقس دون إيجاد حلول بديلة ما دفع الاتحاد الجهوي للشغل في المدينة إلى إقرار إضراب عام.

تونس - عادت أزمة النفايات إلى الواجهة من جديد في محافظة (ولاية) صفاقس، جنوب شرقي تونس، وسط مخاوف من تفاقم المشاكل الصحية والبيئية في ظلّ توجّه السلطات نحو إعادة استغلال تجهيزات مصنع لحرق النفايات، وهو ما ترفضه مكوّنات المجتمع المدني والمنظمات البيئية بالجهة.

وأكد محمد عباس الكاتب العام المساعد والمتحدث باسم الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس أن الهيئة الإدارية الجهوية المنعقدة الخميس برئاسة فاروق العياري الأمين العام المساعد للاتحاد المسؤول عن النظام الداخلي، أقرّت الإضراب العام الجهوي.

وقال في تصريح لإذاعة محلية إنه “تم تفويض المكتب التنفيذي للاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس لتحديد موعد وتراتيب هذا الإضراب والتشاور مع المنظمات الجهوية”.

حسام حمدي: لا بدّ من تنظيم حوار عميق وهادف للتصرّف في النفايات

وجاء هذا القرار احتجاجا على تواصل أزمة تراكم الفضلات والمشاريع المعطلة، كما أكدت الهيئة الإدارية الجهوية دعمها المطلق لمقررات الهيئة الوطنية.

وعبّرت تنسيقية البيئة والتنمية بصفاقس عن رفضها لتمشي إعادة استغلال تجهيزات مصنع “السياب” لحرق النفايات، منتقدة بشدّة تعاطي الدولة مع هذه المعضلة البيئية المتواصلة منذ ثمانية أشهر، تاريخ غلق المصب الجهوي المراقب بالقنّة، دون إيجاد حلول بديلة.

واعتبرت التنسيقية، في بيان أصدرته الأسبوع الماضي، أن هذا “التمشي إهدارا للمزيد من الوقت في دراسات مآلها الفشل”، داعية كلّ المواطنين إلى “التصدّي لهذه الممارسات”، ومنبّهة السلط المركزية إلى “خطورة الوضع في الجهة”، ومحمّلة إيّاها مسؤوليّة “فشلها في معالجة أزمة النفايات المتراكمة”.

واقترحت التنسيقية، التزام الدولة بتخصيص منطقة أو اثنتين من اختيارها، والسهر على إنجاز مشروع للتثمين مهما كان موقعه أو مساحته، أو بتركيز محرقة تكنولوجية بطاقة تستجيب لحاجيات الجهة، وتمكّن من توليد الكهرباء، داعية إلى تسخير كلّ إمكانيات الدولة للتسريع بإنجاز أحد هذه الخيارات بتمويل من الدولة ووفق المواصفات الدولية، دون التعلّل “بقلة الإمكانيات” و”الظروف الصعبة التي تمرّ بها البلاد”.

وحمّلت التنسيقية السلطات “مسؤولية انتشار المصبّات العشوائية، وتراكم الفضلات في الشوارع والأودية والسواحل وغابات الزيتون، ‎وتنامي ظاهرة الحرق العشوائي، بما يمثل تهديدا مباشرا لصحة مئات الآلاف من المواطنين وحياتهم”.

ويرى ناشطون في المجال البيئي أن تداعيات إعادة فتح المصنع من شأنها أن تتسبب في تأزيم الوضع البيئي تبعا لتكدّس النفايات ومشاكل التلوّث، مطالبين بضرورة التفاوض الجدّي لبحث الحلول الناجعة لتفادي كارثة بيئية.

وأفاد الناشط البيئي حسام حمدي أن “أسباب رفض إعادة استغلال تجهيزات المصنع تعود أساسا لسوابق بيئية والروائح السامّة التي تلوّث البيئة وترفضها مكونات المجتمع المدني بالجهة، ولا بدّ من تنظيم حوار عميق وهادف بين كل الأطراف باعتماد مبدأ التشاركية في التصرّف في النفايات”.

وأضاف لـ”العرب”، “نوعية النفايات الموجودة حاليا ليست منزلية فقط بل طبية وخطيرة، ومصنع السياب كان قد تسبب في كارثة بيئية بسبب حرق النفايات التي لها تبعات بيئية كبيرة على المجتمع”.

ومساء الاثنين، أعلنت وزيرة البيئة ليلى الشيخاوي أنه سيتم خلال هذا الأسبوع إطلاق استشارة واسعة جهويّة بصفاقس بمشاركة كلّ الأطراف المتدخلة، تهم الإشكاليات البيئية في المنطقة.

وقالت الشيخاوي في تصريح صحافي، إثر لقاء انتظم بمقر الوزارة، أنّ “الاقتراحات التي سيتم إعدادها باعتماد هذه الاستشارة، ستناقش وتتم المصادقة عليها يوم الاثنين القادم”، لافتة “لقد تم تحديد الحلول منذ وقت طويل من ذلك انتقاء النفايات من المصدر واستخراج السماد، لكن رغبنا في توحيد وجهات النظر والعمل على أن تكون ولاية صفاقس الفاعل الأساسي في إعداد هذا المخطط البيئي بدعم من مختلف الوزارات ومكوّنات المجتمع المدني”.

Thumbnail

وتابعت “إن الموارد الماليّة الضرورية والتكنولوجيّات متوفرة يكفي، فقط، العمل على تنسيق المهام لتحقيق تقدم وتنفيذ المخطط البيئي الملائم للمنطقة”، موضحة أنّه “من الضروري اعتبار النفايات مصدرا للثروة وليست إشكالا، فالنفايات تستخدم لإنتاج الطّاقة المستديمة (غاز وكهرباء…) وبإمكانها أن تكون مصدرا لمشاريع جديدة لإحداث مواطن الشغل”.

ويعتبر متخصصون في المجال أن الانعكاسات البيئية لاستغلال المصنع ثابتة منذ فترة طويلة، وهو ما يستدعي آليا ضرورة البحث عن مصب جديد للنفايات تجنبا لتفاقم الأزمة البيئية بصفاقس.

واعتبر الخبير البيئي عامر الجريدي أن “حلّ المشكلة عبر إحداث مشكلة أخرى، يعكس قصورًا سياسيا جليّا ومؤسفًا، واستعمال تجهيزات كانت سببا في التلوث على مدى ستة عقود لإحداث تلوّث آخر والقضاء على تلوّث قديم، قائلا “غياب مصبّ نفايات مراقب هو عين الغباء السياسي – البيئي”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “التلوث تلوثٌ، سواء عبر صناعة الفوسفات، أو عبر حرق النفايات، وبالتالي، فإن الانعكاس على صحّة النّاس ثابت لا لُبس فيه، وتجنب كارثة بيئية في صفاقس يتمثل في تهيئة مصبّ نفايات مراقب في أرض لا يمثل وجوده فيها خطرا لا على السكان ولا على المائدة المائية، وهو ما يتطلّب قرارا سياسيا إراديا لا يبدو أن السّلط الحالية تقدر عليه بسبب ضعف موارد الدولة والقصور القيادي على مستواها والوعي المحدود بالمسألة البيئية وبنهج الاستدامة. إذ أنه وبعد أشهر من اندلاع معضلة النفايات في صفاقس تمخّضت الدولة فولدت فأرًا، للأسف الشديد. وهو ما ينبئ بتفاقم المعضلة البيئية التي استفحلت بالبلاد والجميع تقريبا يعتبر البيئة مسألة غير ذات أولية”.

عامر الجريدي: حلّ المشكلة عبر خلق مشكلة أخرى، يعكس قصورا سياسيا

ومنذ يوليو الماضي، شهدت مدينة صفاقس، أزمة نفايات بسبب الغلق غير المتوقع للمصب الرئيسي المراقب بعقارب، الذي يبعد عن المدينة بحوالي 20 كيلومترا.

وتبحث السلطات المكلفة بالشأن البيئي منذ أشهر عن حلول ملائمة ومقبولة، خاصّة، من سكّان المنطقة، لوضعيّة أدّت إلى أزمة نظافة وجودة حياة.

وتقول تنسيقية البيئة والتنمية بالجهة إنّ “مجرّد التفكير في إعادة تشغيل تجهيزات مصنع ‘السياب’، الذي تسبّب في كوارث بيئية على امتداد 60 سنة، والعمل على استغلالها، وبصرف النظر عمّا سيسببه هذا الاستغلال من تلوّث خطير، فإنّه يمثّل خرقا لما تمّ التوافق عليه جهويا بتفكيك هذه التجهيزات واستصلاح المنطقة، وإقامة أنشطة بديلة نظيفة غير فوسفاتية، فضلا عن كونه استخفافا واحتقارا لطلبات قطاعات واسعة من سكان الجهة، وأغلبية منظماتهم المهنية والحقوقية والبيئية والتنموية بطي صفحة الأنشطة الفوسفاتية، وتفكيك كامل معدات مصنع السياب”.

واعتبرت أن ذلك “يمثّل تواصلا لمحاولات المجمع الكيميائي ومن يعمل في ركابه للتراجع عن الاتفاقات السابقة، والتهرّب من تكاليف الاستصلاح واستغلال أزمة النفايات، ليواصل في أنشطته الفوسفاتية داخل مراكز العمران متحدّيا القوانين الجاري بها العمل”.

وذكّرت التنسيقية بأنّ “قرار الغلق واضح ولا لبس فيه وأنّ الاتفاقات السابقة تمنع بشكل قاطع أيّ شكل من أشكال استغلال معدّات محكوم عليها بالتفكيك والإعدام، وأنّ الانقلاب على هذا القرار يستوجب الملاحقة القضائية”، منبّهة وزارة الصناعة إلى “خطورة عقد صفقة مع المجمع الكيميائي ووزارة البيئة ضدّ إرادة الجهة بالسماح باستئناف الأنشطة الفوسفاتية بمصنع السياب”.

وأقيم مصب النفايات المنزلية والمشابهة “الڨنة” في عقارب بمحافظة صفاقس سنة 2008 بقرار من المجلس الجهوي، رغم اعتراض بعض المسؤولين المحليين والسكان بحكم قربه من مركز المدينة ومناطق العمران.

وكانت مدة الاستغلال مبرمجة لخمس سنوات إلا أنها تجاوزت ذلك إلى أن نجح حراك “مانيش مصبّ” (لست مصبّا) ميدانيا وقضائيا في فرض إعلان وزارة البيئة غلق المصب.

2